السياسة بشكل مغاير

زخم الأحداث السياسية التي يعيشها المغرب منذ شهور يفتقر إلى المواكبة السياسية والفكرية، ما يتجلى، في مناسبات كثيرة، في تضييع قضايا كبرى وجوهرية، وتحويل النقاش الوطني بشأنها إلى مجرد سجالات سياسوية وملاسنات إعلامية تبسيطية، وأحيانا لا تحتوي سوى على حسابات حزبوية ضيقة وضربات تحت الحزام بين الأطراف المتنافسة.
إن قضايا وملفات مثل قانون التعيينات، حصانة العسكريين، الإعلام العمومي، قانون الصحافة، الحق في المعلومة، الإجهاض، الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلغاء عقوبة الإعدام، السياسة اللغوية في البلاد، الأمازيغية، حرية الإبداع الفني، المهرجانات.. وغيرها، تتطلب حوارا جديا ورصينا، وتقتضي إعمال الاجتهاد، والسعي الجماعي لصنع الاتفاقات الوطنية الكبرى بما يتيح لبلادنا تنزيلا ديمقراطيا حقيقيا للدستور الجديد، وبما يجعلها منخرطة ومنسجمة مع منظومات الديمقراطية وحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها عالميا.
في السياق ذاته، فإن ملفا ضخما وذا أولوية مثل إصلاح العدالة يجب أن يلتف حوله الكل، وأن يبتعد الجميع عن حسابات الحزب والجمعية والنقابة والذات في تحديد المواقف، فها نحن اليوم، وهيئة الحوار في بداية عملها، نجد أنفسنا غارقين في تفسير انسحابات البعض وتعليق مشاركة البعض الآخر، بدل أن نركز على مضامين ومنهجية الإصلاح ومداه الزمني.
وها نحن كذلك نتفرج على تنظيرات فجة للبعض بشأن الزيادة في أسعار المحروقات، ووضعية المقاصة، بدل أن يحتكم الكل إلى العقل، وإلى الإقرار بكون منظومة الدعم توجد فعلا في أزمة، وتتطلب قرارات شجاعة خدمة لبلادنا وشعبنا، وذلك على غرار ما تحتاجه أيضا وضعية صناديق التقاعد، ووضعية التعليم، وواقع البطالة وسط الشباب، وخصوصا الخريجين منهم وحملة الشهادات العليا.
إن ملفات صندوق المقاصة، صناديق التقاعد، التعليم والتشغيل تفرض اليوم إذن وعي كافة الأطراف بخطورة واقعها، وما يتهدد البلاد، بسبب ذلك، من مخاطر وأزمات، ولذلك وجب إعمال التفكير المنطقي والشجاع للبحث عن حلول، بدل ركوب لغة المزايدة السهلة.
هي ملفات وقضايا جوهرية بالنسبة لواقع شعبنا ومستقبل بلادنا، وهي تتطلب اليوم وجود فاعلين سياسيين ونقابيين واقتصاديين يمتلكون مستويات كبيرة من الإبداع والشجاعة لمباشرتها بالسرعة المطلوبة، ومن أجل بلورة حلول حقيقية لمعضلاتها، وفي ذلك فالمسؤولية متساوية بين أحزاب الأغلبية وتلك المتواجدة اليوم في المعارضة، كما أن المسؤولية تحتم على القوى السياسية والاجتماعية تفعيل حوار وطني عميق حولها، وجعل شعبنا ونخبتنا السياسية والثقافية والاقتصادية ينخرطون في حوار جماعي هدفه الفهم والوعي بالحقائق، والتعبئة لإنجاح مسلسلات الإصلاح.
أمام حساسية الملفات والقضايا المثارة، وفي خضم ما يعيشه محيطنا الإقليمي والدولي من تحولات وأزمات، فإن «السياسة بشكل مغاير» هو الشعار والسلوك الضروريين للمرحلة الراهنة.
[email protected]

Top