المغرب وفلسطين -الحلقة 13-

تاريخ مشترك وتضامن ضارب في عمق العلاقات

في ظل الأوضاع التي تعرفها فلسطين، سواء بالضفة الغربية أو قطاع غزة من عدوان شامل للاحتلال ومحاولة لإبادة جماعية لشعب فلسطين الأبي، كان للمغرب دائما حضور وازن، لا من حيث التضامن الشعبي أو الرسمي من خلال المساعدات الإنسانية وغيرها أو من خلال دعم جهود الإعمار، وكذا دعم خاص للقدس الشريف.
ومنذ 7 أكتوبر 2023 الذي أطلق فيه الاحتلال الإسرائيلي حربه المدمرة على قطاع غزة واستمراره في مسلسل الاستيطان خاض المغاربة من شمال المغرب إلى جنوبه، ومن غربه إلى شرقه سلسلة من الاحتجاجات والأشكال التضامنية مع القضية الفلسطينية.
ووفق التقديرات فإن المغاربة خاضوا أزيد من 6000 مظاهرة وأزيد من 730 مسيرة شعبية، في أكثر من 60 مدينة مغربية، إضافة إلى وقفات مركزية عديدة وبشكل دوري أمام البرلمان، بالإضافة إلى ما يزيد عن 25 موكبا تضامنيا للسيارات والدراجات، وما يفوق 120 ندوة ومحاضرة لتنوير الرأي العام وتوعيته في ما يهم معركة “طوفان الأقصى” والقضية الفلسطينية وتطوراتها.
هذا الغنى في التضامن مع القضية الفلسطينية يجعل المغرب في مقدمة الدول الأكثر تضامنا مع القضية الفلسطينية بالشارع العربي والمغربي، وهو ما يدفعنا في هذه السلسلة الرمضانية إلى العودة إلى تاريخ العلاقات المغربية – الفلسطينية، وكيف تضامن المغاربة مع القضية الفلسطينية وجعلوها قضية أولى إلى جانب قضية الصحراء المغربية.
وتستند هذه الحلقات إلى قراءة في كتاب “المغرب والقضية الفلسطينية من عهد صلاح الدين إلى إعلان الدولة الفلسطينية” للراحل أبو بكر القادري الذي شغل أول رئيس للجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني، وأيضا كتاب “فلسطين قضية وطنية” للكاتب عبد الصمد بلكبير، وأيضا إلى مراجع وكتب أخرى تناولت القضية

اتفاقية أوسلو والخداع الصهيوني للانقلاب على الاتفاق

من نتائج الانتفاضة الأولى من أجل الأقصى، سارع الاحتلالالإسرائيلي إلى فتح قنوات التواصل مع منظمة التحرير الفلسطينية في مفاوضات سرية استمرت طويلا إلى أن تم التوصل لاتفاق برعاية أمريكية، وتدخل بذلك مرحلة مفصلية في الصراع الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي.

في عام 1993، كان العالم على موعد مع حدث تاريخي مهم تمثل في توقيع اتفاقية أوسلو بين دولة الاحتلال الإسرائيلي ومنظمة التحرير الفلسطينية، بوساطة نرويجية ورعاية أمريكية.

هذا الاتفاق الذي جرى في العاصمة النرويجية أوسلو، قدّم أملا كبيرا في إمكانية التوصل إلى حل عادل ودائم للصراع الفلسطيني الإسرائيلي الذي طال أمده لعقود طويلة. لم يكن توقيع الاتفاق بين الجانبين مجرد حدث بروتوكولي بل كان بداية لمرحلة جديدة من التفاوض والحديث عن مستقبل العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وكان اتفاق أوسلو خطوة مفصلية من شأنها أن تحدد مصير المنطقة بأسرها، لولا الخداع الإسرائيلي.

جاءت اتفاقية أوسلو في وقت كان فيه الوضع السياسي والدولي قد بدأ يتغير بشكل كبير.

فمع بداية التسعينات، كان الشعب الفلسطيني قد شهد تطورات داخلية كبيرة، مثل انتفاضة الأقصى الأولى (1987-1993)، التي شكلت تحديًا كبيرًا لإسرائيل. في المقابل، كانت إسرائيل في حاجة ماسة إلى معالجة الضغوط الدولية، التي كانت تتزايد للبحث عن حل دائم للصراع، خصوصًا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وتغير ميزان القوى العالمي. لذلك كان من المتوقع أن يتم الوصول إلى تسوية سياسية تفتح الطريق أمام المفاوضات المباشرة بين الطرفين.

عندما جرى توقيع الاتفاق، كانت هناك بعض الآمال الكبيرة التي صاحبته، خاصة من جانب الفلسطينيين الذين رأوا فيه بداية نحو إقامة دولتهم المستقلة. وتضمن الاتفاق مجموعة من البنود التي نصت على الاعتراف المتبادل بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية. كانت هذه الخطوة تمثل تحولًا كبيرًا في العلاقة بين الجانبين، إذ لم يكن أي طرف يعترف بالآخر قبل ذلك الوقت.

 كما تم الاتفاق على انسحاب القوات الإسرائيلية من بعض المناطق الفلسطينية، ومنها قطاع غزة وأريحا، تمهيدًا لإقامة سلطة فلسطينية مؤقتة تدير شؤون الفلسطينيين في تلك المناطق، مع التمهيد لمرحلة جديدة لفلسطين الدولة.

رغم أن الاتفاق جاء مع تأكيدات بنية إيجابية من الطرفين، فقد كانت التحديات التي واجهت تنفيذه ضخمة للغاية. فقد أظهرت الاتفاقية، بعد فترة قصيرة من توقيعها، أن الاحتلال كطرف كان يملك تفسيراته الخاصة للبنود التي تم الاتفاق عليها. بالإضافة إلى خداعه في كثير من البنود التي قدم لها تفسيرات مغلوطة.

بالإضافة إلى ذلك، كانت هناك العديد من القضايا الخلافية التي لم يتم التوصل إلى حلول نهائية بشأنها، مثل وضع مدينة القدس، وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، والحدود النهائية للدولة الفلسطينية. وعلى الرغم من أن الطرفين كانا قد وافقا على مفاوضات إضافية لتسوية هذه القضايا، إلا أن تلك المفاوضات فشلت في تحقيق تقدم ملحوظ.

إحدى القضايا التي أدت إلى تدهور الأوضاع كانت الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية الذي أبان عن النية السيئة للاحتلال وتراجعه عن بنود الاتفاق. فبينما كان الاتفاق ينص على انسحاب إسرائيلي تدريجي من بعض المناطق، استمرت إسرائيل في بناء المستوطنات في أراضٍ كانت ضمن المناطق المتفق على إعادة السيطرة عليها من قبل الفلسطينيين. وهذا الأمر أثار انتقادات فلسطينية ودولية، وخلق حالة من الإحباط لدى الفلسطينيين الذين شعروا أن إسرائيل لم تلتزم بالاتفاقات بشكل كامل.

بالإضافة إلى ذلك، كانت الانقسامات الداخلية في الساحة الفلسطينية من العوامل التي ساهمت في ضعف تنفيذ الاتفاق. فبينما كانت منظمة التحرير الفلسطينية ممثلة برئاسة ياسر عرفات، كان هناك تيارات أخرى، خاصة حركة حماس، التي كانت ترفض الاتفاقية بشكل قاطع وترى فيها خيانة للقضية الفلسطينية. وقد أدى ذلك إلى انقسامات سياسية في الساحة الفلسطينية، كان لها تأثير كبير على قوة المفاوضات الفلسطينية.

وبالرغم من الفشل في تحقيق نتائج حاسمة، فإن اتفاقية أوسلو كانت تُمثل أيضًا بداية لمرحلة جديدة من التعامل الدولي مع القضية الفلسطينية. فقد أسهمت في منح الفلسطينيين صوتًا دوليًا أكبر وسمحت لهم بالحديث مع العالم بشكل مختلف، كما أضافت لمجموعة من القيادات الفلسطينية شرعية جديدة في محادثاتهم مع إسرائيل والمجتمع الدولي. على الرغم من أن الاتفاق لم يحقق سلامًا دائمًا في المنطقة بسبب تعنت الاحتلال، فإنه قد شكل نقطة انطلاق لنظرة مختلفة حول كيفية التعامل مع القضية الفلسطينية وعلى حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة .

ويرى الكثيرون أنه على الرغم التحديات والصعوبات التي واجهتها على الأرض، كانت علامة فارقة في تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد أسهمت في وضع الأساس لمرحلة جديدة من الحوار والمفاوضات، لكنها أيضًا سلطت الضوء على التعقيدات العميقة التي لا تزال تعترض طريق السلام.

وبالرغم من مرور أكثر من ثلاثين عامًا على توقيعها، فإن الأسئلة التي طرحتها الاتفاقية حول حدود التفاهم والتسوية، لا تزال تشغل الأذهان، في وقت لا يبدو فيه الحل النهائي للصراع في الأفق القريب، خصوصا أمام تمادي الاحتلال وإمعانه في مصادرة حقوق الشعب الفلسطيني ومواصلة اعتداءاته على القدس الشريف ومواصلة مسلسل الاستيطان بالضفة الغربية، ومواصلة حرب الإبادة على قطاع غزة المحاصر.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Top