شكل الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية السبت الماضي، خلال تجمع حزبي أقيم بالفنيدق، انطلاقة فعلية لأجرأة (خارطة الطريق) التي كان الديوان السياسي للحزب قد أعلن عنها لتأطير عمله إلى غاية انتخابات 2012، وخاصة ما يتعلق بعلاقة القيادة المركزية بالتنظيم الحزبي الجهوي والمحلي.
لقد سجل الأمين العام أن المشاريع الكبرى التي تتقدم بوتيرة كبيرة في شمال المملكة استطاعت أن تغير وجه المنطقة، لكنها لم تستطع بعد ملامسة فلسفة التنمية البشرية التي تضع الإنسان كمحور أساسي في أي مشروع تنموي، ودعا الهياكل الحزبية المحلية والجهوية ومنتخبي الحزب إلى الانكباب على إعداد مقترحات عملية ومخططات تنموية، وذلك من أجل تقديم بدائل على الصعيد الجهوي، بغاية تطوير الوضعية الاجتماعية، والعناية أكثر بالساكنة وبحاجياتها.
إن الأمر يتعلق هنا بإعداد الأطر الحزبية الجهوية، في سياق عمل حزبي منظم، لتكون قوة اقتراحية ولتربط بين الأفكار والعمل الملموس.
وإن أهمية هذه الرؤية الجديدة للأطر الحزبية في الجهات، تأتي ضمن استعداد البلاد للانخراط في منظومة الجهوية الموسعة، التي ستقوم بشكل طبيعي على نخب جهوية مؤهلة سياسيا وتدبيريا، وتتمتع بالمصداقية وبالروح الوطنية، كما أن الرؤية تستجيب وتتفاعل مع نداء جلالة الملك للأحزاب بضرورة العمل على إبراز هذه النخب الجهوية وتأطيرها.
وإن اختيار الشمال المغربي بتراكماته التاريخية والثقافية، وبحجم المشاريع المهيكلة التي تنجز فيه، يعتبر اختيارا للمجال الجغرافي المناسب لتفعيل رؤية حزبية تنظيمية منفتحة تتعاطى مع «السياسة بشكل مغاير»، تماما كما أن الجهوية المراد اليوم السعي لإعمالها في المغرب لا تعني سوى أنها دليل انفتاح بنية الدولة، ومعها منظومة الحقل السياسي والتدبيري في البلاد.
حزب التقدم والاشتراكية اختار هو أيضا الشمال لحشد مناضليه ومنتخبيه وتنظيماته المحلية، بغاية التقاط إشارة التحول، وبالتالي مواكبة الدينامية التنموية والإستراتيجية في المنطقة وفي البلاد، والحرص على الفعل في صيرورتها.
إن الأفق التنظيمي الذي أبرزه خطاب الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية في الفنيدق، يعبر عن اقتناع الحزب بكون نجاح مضمون الجهوية الموسعة، التي أعلن عنها جلالة الملك، يقتضي التوفر على أطر كفؤة قادرة على استيعاب التحولات الكبرى وعلى تدبير المال العام بطرق تحارب الرشوة والمحسوبية والزبونية والانتهازية، أي أطر مؤمنة حتى النخاع بفلسفة التنمية البشرية، وبالاختيارات الأساسية لمغرب اليوم المتشبث بالديمقراطية وبالحداثة وبالحكامة الجيدة.