الورش الديبلوماسي

أقيمت في الفترة الأخيرة، في الرباط وغيرها، ندوات ولقاءات اهتمت بأسئلة الديبلوماسية المغربية، وخاصة ما يرتبط  بقضية وحدتنا الترابية، وأيضا بعلاقات المغرب مع اسبانيا ومع أوروبا، كما جرت مناقشات في مجلسي البرلمان، ونشرت متابعات صحفية وتحاليل لبعض المختصين، وكل هذا يعكس فعلا انشغالا فكريا ومدنيا وسياسيا بقضايا الديبلوماسية وبعلاقات المغرب الدولية وبكل الأسئلة ذات الطبيعة الإستراتيجية، وهذا في حد ذاته أمر مهم، لابد من تشجيعه والاستفادة منه.
من دون شك إن قضية الصحراء المغربية، وهي أبرز ملفات سياستنا الخارجية، ستلج مرحلة جديدة على الصعيد الدولي والديبلوماسي، ما يحتم تفكيرا جديا وحقيقيا بشأن المداخل المناسبة لتطوير أدائنا الديبلوماسي.
وهنا لا بد من الانطلاق من الترحيب الذي حظي به مقترح الحكم الذاتي عالميا، لبلورة وتفعيل حملة دولية مكثفة لدفع العالم ومختلف قواه المؤثرة للضغط من أجل الطي النهائي لهذا الملف على قاعدة المقترح المغربي باعتباره الحل الوحيد.
من جهة ثانية، فإن العلاقة مع اسبانيا  تطرح هي كذلك نفسها كمهمة مركزية في المنظومة الديبلوماسية المغربية، وذلك من خلال اجتهاد حقيقي لإيجاد القنوات الناجعة لاستهداف منظمات المجتمع المدني في البلد الجار، ومختلف مراكز صنع القرار، والأوساط الحزبية والنقابية والفنية والثقافية والاقتصادية والإعلامية، وليس فقط المؤسسة الحكومية الرسمية، وهو نفس الهدف الذي يعني أيضا باقي أوروبا.
والشرط الأول للنجاح في هذا المسار يبقى هو الخروج من الديبلوماسية المنغلقة إلى منظومة منفتحة على مختلف الفاعلين في المجتمع، واعتماد مقاربة شمولية وأداء استباقي استراتيجي، بالإضافة إلى ضرورة فهم ميكانيزمات عمل الفئات المستهدفة، والتعاطي معها وفق آليات اشتغالها الذاتي.
لا يمكن مخاطبة منظمة حقوقية إلا بالمعجم وبالمعايير الحقوقية، ولا يمكن استهداف أحزاب إلا بواسطة أحزاب مغربية  تمتلك قواسم مشتركة معها، ولا يمكن الحوار مع مسؤولي  نقابات أو منظمات إعلامية إلا عن طريق نظرائهم في المغرب.
الاتفاق الوطني يكون في الهدف وفي الثوابت وفي القناعات الوطنية، أما المنهجية والأسلوب فمن المنطقي أن يكون منسجما مع طبيعة الأوساط المستهدفة ويستحضر آليات عملها.
ولتفعيل هكذا مقاربة، من الضروري الوعي بأهميتها أولا، ودعم الأحزاب ذات العلاقات الحقيقية والتجربة في مثل هذه القضايا للقيام بهذا الدور، وأيضا المنظمات الشبابية والنقابات ورجال الأعمال والفاعلين الحقوقيين والإعلاميين والفنانين والمثقفين والباحثين، دون إغفال الجمعيات الجادة العاملة  في أوروبا.
الديبلوماسية المغربية مدعوة اليوم للتفاعل مع ما تشهده العلاقات الدولية من تطورات وتغيرات في الفاعلين وفي قوى التأثير وفي ميكانيزمات الأداء، والانخراط في هذه الدينامية بعقلية جديدة أكثر انفتاحا، وأكثر حرصا على الأهداف الإستراتيجية، وعلى هجومية الأداء واستباقية المقاربة.

Top