بطاقة بيضاء لفائدة خريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء

يحتضن رواق “فضاء التعبير” التابع لصندوق الإيداع والتدبير بالرباط إلى غاية 13 يوليوز 2024 معرض (L’BOZAR) المهدى لفنانين شباب متألقين من خريجي المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، وذلك في إطار شراكة بين مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء بهدف تحفيز الطلبة الجدد على مزيد من البحث والعطاء في مجالات الفنون الجميلة بمختلف شعبها التكوينية المعتمدة (تصميم داخلي، تصميم غرافيكي، الفن والفضاء) ومداراتها الإبداعية المتشعبة والمختلفة شكلا ومضمونا ورؤية.

بانوراما عامة تنسجم مع روح وأهداف المدرسة

من منظور مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، سعيد كيحيا، تتيح هذه التظاهرة لخريجي الموسم الدراسي 2022/2023 عرض أعمال تخرجهم الفنية، حيث يقدم هذا المعرض بانوراما عامة تنسجم مع روح وأهداف المدرسة التي تسهر كل سنة على تكوين العديد من الطلبة الباحثين في الفن الحديث والمعاصر معا.

وأوضح أن المدرسة شهدت عملية إصلاح وتحديث همت بالخصوص وضعية الأساتذة الفنانين بالمدرسة، بدأت قبل أربع سنوات، على يد طاقم بيداغوجي شاب، يتشكل من أساتذة جامعيين باحثين وفنانين ومهنيين، مبرزا أن التفاني وانخراط الأطر الإدارية والبيداغوجية وكذا جدية ومثابرة الطلبة مكّنت من بروز نظام جديد أكثر كفاءة. يقول في هذا الصدد: “تبعا للأنشطة المنظمة مؤخرا بشراكة بين مؤسسة صندوق الإيداع والتدبير بالرباط والمدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء، تأتي هذه الفرصة الجديدة من اقتراح المؤسسة المذكورة في شكل بطاقة بيضاء على شرف المدرسة كمساهمة في تحفيز الطلبة الخريجين الذين تألقوا وأبدعوا في مختلف مجالات الفنون التشكيلية خصوصا والفنون الجميلة عموما.

                                                                                                                                    مدير المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء سعيد كيحيا

لقد أتاحت لنا هذه البطاقة البيضاء تشكيل لجنة تنسيقية من أجل اختيار صفوة من العارضين المنفردين، وقد أشرف على تتبع سير هذه العملية كل من د. عبد الله الشيخ و د. مصطفى شفيق، وذ. عبد الرزاق دوالنجاح صحبة طلبته القدامى ياسين أيوب وحمزة لبريد المشهود لهما بحساسيتهما الابداعية اللافتة. إنه لشرف لنا أن نشجع الطلبة الخريجين الشباب ونعرض أعمالهم النموذجية التي أنجزت في إطار مشاريع تخرجية وفق تأطير نظري وتطبيقي محكم ورصين، وذلك بفضل هذه المبادرة المؤسساتية التي نعتبرها تتويجا فعليا لما راكمته المدرسة من إنجازات فنية معاصرة وأنشطة ثقافية موازية”.

واستطرد: “تابعت تكوينا أكاديميا داخل الأوساط التعليمية المتخصصة بالديار البلجيكية. رغم اختيار شعبة ما، الطالب ملزم باختيار ثلاث إلى أربع ورشات في مجالات أخرى موازية لتخصصه واجتياز اختبار برسم نهاية الطور التكويني على مدى المسلك الدراسي. للتذكير، فأنا رغم اختصاصي في مجال التصميم الداخلي وابتكار الأشياء (المنتوجات والقطع) ترددت على عدة ورشات فنية مطبقة: السيراميك والخزف الفني، النسيج، الرسم الأكاديمي، التصوير الصباغي، الإشهار، الحفر الفني إلخ…”.

مختبر للبحث والاستكشاف

بخصوص سياسة المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء على مستوى لتكوين التربوي والعمل التشاركي، يوضح سعيد كيحيا: “لقد كنت منفتحا على جميع التخصصات الفنية بدون استثناء، والشاهد على ذلك أنني عندما توليت إدارة المدرسة، كان همي الوحيد هو الرفع من مستوى الدراسات الفنية، والرقي بشروطها الموضوعية حتى تستجيب إلى المتطلبات الراهنة تماشيا مع البرامج المعتمدة بالمعاهد والمدارس الأجنبية. ارتأيت أن أستعين بخبرات طاقم تربوي محكم لضخ دماء وأنفاس جديدة قصد دعم وتعزيز الأداء البيداغوجي للأساتذة الآخرين. بموافقة مجلس المدينة، التحقت بالمدرسة صفوة نوعية من الفنانين المدرسين الحاصلين على ديبلومات وشواهد عليا من قبيل الماجستير والدكتوراه داخل المغرب أو خارجه. الشكر موصول في هذا المقام لمجلس جماعة الدار البيضاء وكذا للقائمين على الشؤون الثقافية والتربوية. عززنا بناء على ذلك شعبة الفنون التشكيلية تحت اسم جديد “الفن والفضاء”، وفتحنا ورشات لتأطير تجارب إبداعية مستوحاة من الفن المعاصر: التنصيبة أو المنشأة، الابتكار الرقمي، أشرطة التحريك، العرض الأدائي أو المنجزة، فن السمعي البصري إلخ… كما عززنا شعبة التصميم الداخلي والغرافيكي والتصميم الرقمي بأساتذة مهنيين ومختصين استجابة لما يتطلبه السوق الحالي وما يفرضه من إكراهات وتحديات.

                                                                      المديرة العامة لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير وفاء نعيم الإدريسي

قمنا بتجارب إبداعية وورشات تكوينية عدة بشراكة مع مدارس فنية عتيدة داخل الأوساط الدولية. على الصعيد الوطني، اشتغلنا في ميادين عديدة: الصناعة الموروثة والحضارية بكل من الصويرة، تاحناوت، الدار البيضاء، سلا وغيرها. راهنا في ذلك على تبادل الخبرات والتجارب، والاستفادة من الإقامات الفنية الخاصة بالطلبة والأساتذة قصد صقل المهارات واكتساب آليات جديدة على مستوى الإعداد والإنجاز. فنحن رهن إشارة كل الهيئات والمؤسسات المعنية لتوسيع دائرة التبادل والتقاسم ولتفعيل مشاريع إبداعية مشتركة، حيث تم فتح أبواب المدرسة على محيطها البيئي السوسيو الثقافي، الفني والمهني. فهذا الانفتاح هو الذي شكل الأرضية العامة لكل الشراكات المبرمة مع مؤسسات القطاعين العام والخاص على شتى المستويات والأصعدة، إذ غدت المدرسة مختبرا للبحث والاستكشاف”.

رهان المعرض في بحثه عن المعنى

يظل الرهان، بتعبير الباحث الجمالي والناقد الفني عبد الله الشيخ، هو الاستجابة إلى انتظارات وتطلعات عشاق الفن ومريديه، والترجمة البليغة للقيم الإنسانية النبيلة المقترنة بالتطور النوعي الهائل الذي يشهده المجتمع بكل محيطه السوسيوثقافي على المستويين المادي واللامادي. فهذه البطاقة البيضاء، الأولى من نوعها بالنسبة إلى تاريخ المدرسة العليا للفنون الجميلة بالبيضاء، تنمعن الوعي العضوي بأهمية التكوين الفني في حياة الأجيال الشابة من أجل تمكينهم من الاندماج في وسطهم الاجتماعي والتفاعل مع ذاكرته الجماعية المشتركة.

إحدى تنصيبات المعرض

حول تجارب الخريجين الفنية المعروضة، يقول الأستاذ والفنان المعاصر مصطفى شفيق: “إنها تسير في مختلف الاتجاهات وتحتضن نظرات مختلفة ومغايرة لا تعتبر الفن تعبيرا فقط، بل اكتشافا وتأملا يتغذيان على الشك ومواجهة الإكراهات المادية والتقنية، خصوصا إذا تعلق الأمر بوسط جذاب ومحير، هو فضاء مدينة الدار البيضاء. إن هؤلاء الشباب ثمرة مسلك تربوي يركز على البحث عن المعنى والتجربة ساعيا إلى تحطيم الحواجز بين المجالات والتخصصات فاسحا المجال لمقاربة مندمجة للمشاكل ولنظرة شاملة للإنسان في ضوء تساؤلات العالم المعاصر”.

دمقرطة الولوج إلى الفن

حول دلالات وأبعاد هذه المبادرة الثقافية، أكدت المديرة العامة لمؤسسة صندوق الإيداع والتدبير، وفاء نعيم الإدريسي، أن المعرض-الحدث يندرج في إطار مقاربة تشاركية للبحث عن القيمة والتأثير لفائدة الجيل الجديد من الفنانين، وهي مبادرة تعكس في الوقت نفسه الأهمية التي توليها المؤسسة لتكوين وتعميق مدارك وآفاق المبدعين المغاربة الشباب. وأضافت أنه من خلال مبادرات مثل هذه، تتوخى المؤسسة دمقرطة الولوج إلى الفن، وتحفيز الإبداع في صفوف الجيل الشاب من الفنانين الذين يحتاجون إلى تسليط الضوء عليهم، وبالتالي جعل الفن رافعة للاندماج الاقتصادي والاجتماعي.

يرى الأستاذ والفنان عبد الرزاق دوالنجاح بأن رؤية التصميم الغرافيكي المعاصر والإبداعي مقاربة تتجاوز بكثير الجمالية البصرية البسيطة، فالمصممون المعاصرون يتوقون إلى إبداع تجارب دلالية وتذكارية مركزين على انصهار الفن مع التكنولوجيا والتواصل، رؤية تقوم على الابتكار والإبداع والوجاهة. إن المصممين يجربون تقنيات جديدة بحثا عن حلول فريدة ومؤثرة للاستجابة لحاجيات فئاتهم المستهدفة، متجاوزين بذلك الحدود الوهمية للعمل الإبداعي، فهم لا يقتصرون على تصميم الوسائط الغرافيكية فقط بل يلجون عالم الوسائط الاجتماعية والمنابر الافتراضية والتطبيقات ومختلف التجارب الانغمارية والفاعلية، وذلك من أجل خلق أعمال بصرية تثير فضول المشاهدين وتشد انتباه المستخدمين. ويضيف أن العمل الإبداعي متصالح مع الجانب الثقافي، ويسعى دوما إلى إضفاء معنى على التصاميم في مختلف المجالات بروح تشاركية تلتزم بأخلاقيات العمل وأدبياته. إن الأستاذ المتخصص في التصميم الغرافيكي والرقمي يؤطر كل حلقات التكوين النظري والتطبيقي في مختلف مسارات البحث والتجريب والتحديث، مكتشفا أفكارا جديدة ومبلورا تصورات معاصرة أكثر جرأة ونجاعة، فهو يساعد الطلبة على إعداد وإنجاز مشاريعهم البحثية المستقبلية ويؤطر كل مستوياتها المفاهيمية والإجرائية تأطيرا مشخصنا في ضوء ما يستدعيه التكوين بالكفايات. لقد تفوق خريجو المدرسة أو “البوزاريست” (BOZARIST)، كما يحبون تقديم أنفسهم، من خلال هذا المعرض في ترجمة نظرتهم الشخصية للعالم من حولهم، مستسعفين بتقنيات فنية متنوعة مثل الرسم والتصميم الغرافيكي والتصوير الفوتوغرافي وفن الفيديو والتنصيبة، حيث تمكنوا من التعبير لمتتبعي الحركة الفنية بالمغرب عن رؤاهم وانشغالاتهم المتفردة عبر مختلف الأساليب الإبداعية التي خبروها في المدرسة بجرأة ورصانة.

إعداد: محمد عمران

 كاتب ومترجم

تصوير: ابراهيم كرو وشعيب بريان

Top