وسط أجواء نضالية متميزة، خيم عليها التضامن مع الشعب الفلسطيني، صادقت اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية الملتئمة، أول أمس السبت في دورتها الرابعة بالمقر الوطني للحزب بالرباط، على تقرير المكتب السياسي الذي قدمه الأمين العام محمد نبيل بنعبد الله.
كما صادقت اللجنة المركزية التي ترأستها نادية تهامي، عضوة المكتب السياسي للحزب، والعضوة بفريق الحزب بمجلس النواب، إلى جانب كل من عدي الشجري، وسعيد البقالي، وماجدولين العلمي، ودليلة لوديي، أعضاء المكتب السياسي للحزب، (صادقت) على تقرير لجنة المراقبة المالية الذي قدمه عبد الواحد الجاي رئيس اللجنة، قبل أن تصادق في نهاية أشغالها على البيان الختامي.
وعرفت اللجنة نقاشا سياسيا واسعا بين مكوناتها، تعقيبا على تقرير المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية الذي تقدم به الأمين العام للحزب محمد نبيل بنعبد الله، والذي استعرض فيه مواقف الحزب من مختلف القضايا الداخلية والخارجية، وكذا ما يتعلق بالوضع السياسي العام.
وقد تميزت الدورة الرابعة للجنة المركزية بالنقاش الواسع والمستفيض إزاء قضية فلسطين، وتجديد التضامن اللامشروط مع الشعب الفلسطيني ضد الممارسات والانتهاكات وجرائم الحرب البشعة التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في حق الشعب الفلسطيني بقطاع غزة منذ تسعة أشهر، وكذا على مستوى القدس والضفة الغربية وارتفاع وتيرة الاستيطان والاعتداءات الهمجية والعدوان، وذلك بتواطؤ بين وصريح من قبل الغرب بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية.
وعبر محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية، عن إدانته للمجازر التي يرتكبها الاحتلال الصهيوني في غزة واستمرار آلة القتل الهمجية لما يقارب 9 أشهر.
وقال بنعبد الله إن الصهيونية تجاوزت كل الخطوط لما تقوم به من مجازر يومية تضاهي في بشاعتها ودمويتها جرائم الحرب النازية وكل الإبادات الجماعية، متابعا “إننا أمام تطهير عرقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى، وإننا أمام معتد فاشيستي يفتخر بقصف وتدمير المستشفيات والمدارس والمساجد والكنائس. وهو ما لم يسجل في أي حرب سابقة”.
وزاد بنعبد الله أن جرائم الاحتلال المستمرة حولت قطاع غزة إلى ما يشبه مقبرة جماعية، كما عاد العيش فيها إلى ما يشبه ظروف القرون الوسطى، بفعل العدوان الصهيوني غير المسبوق، بحرا وبرا وجوا، إذ وصل عدد شهداء العدوان المستمر إلى أزيد من 36 ألف شهيد وأزيد من 82 ألف جريح، وآلاف المفقودين تحت الركام.
وجدد بنعبد الله إدانة حزب التقدم والاشتراكية لهذا العدوان البشع على الشعب الفلسطيني أمام صمت العالم وتواطؤ الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، مؤكدا على أن ما يحدث اليوم في غزة كشف للعالم، بما لا يدع مجالا للشك، الطبيعة العنصرية، الإرهابية والمتعطشة للدماء، للكيان الصهيوني، وكذا نفاق أمريكا وعدد من أتباعها الرأسماليين الذين شدد المتحدث على أنهم مدانون بنفس الدرجة، لأنهم شركاء في الجريمة.
إلى ذلك، وعلى المستوى الوطني، عاد بنعبد الله للحديث عن قضية الصحراء المغربية باعتبارها قضية وطنية ذات أولوية، حيث قال إن قضية الصحراء المغربية أولى الأولويات، انطلاقا من كونها قضية تحرر وطني لا تقبل أي مساومة.
وجدد بنعبد الله التعبير عن الاعتزاز بالمكاسب الدبلوماسية المتواصلة للبلاد فيما يتعلق بقضيتنا الوطنية الأولى، حيث يتواصل مسلسل الاعترافات، إما بمغربية الصحراء أو بوجاهة ومصداقية مقترح الحكم الذاتي. فيما بالمقابل يقول المتحدث يستمر النزاع المفتعل نتيجة تعنت حكام الجزائر وتصرفاتهم التي تجاوزت كل الحدود، مشيرا إلى الأخطر يكمن في كون حكام الجزائر باتوا يعمدون إلى تأجيج الرأي العام الجزائري، ويغذون العداء والكراهية ضد كل ما هو مغربي مؤسساتيا وشعبيا.
ولفت الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية إلى أن المغرب، وبالرغم من كل ذلك، سيواصل تمتين مكانته، لحصد مزيد من المكتسبات، في طريق الطي النهائي لهذا النزاع الذي طال أمده والذي يعرقل بناء صرح المغرب الكبير لفائدة شعوبه ذات المصير الواحد، مؤكدا، في هذا الإطار، أن حجر الزاوية في الدفاع عن الوحدة الترابية هو تمتين الجبهة الداخلية ديمقراطيا واجتماعيا واقتصاديا.
إخفاقات الحكومة
إلى ذلك، وعلى مستوى الحياة السياسية العامة، عاد بنعبد الله للحديث عن الرسالة المفتوحة الثانية التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية لرئيس الحكومة والتي تناولت بالأرقام إخفاقات الحكومة ومدى ضعف الحصيلة المرحلية لمنتصف الولاية والتي جرى تضخيمها واعتبارها حصيلة غير مسبوقة من قبل الحزب الذي يقود الحكومة والذي رد بأسلوب لا يليق على رسالة حزب التقدم والاشتراكية.
وردا على الأساليب الساقطة التي رد بها بعض المحسوبين على الحزب الذي يقود الحكومة، قال بنعبد الله “عليكم بالهدوء والرفع من مستوى النقاش السياسي، فوجود معارضة مؤسساتية ومسؤولة هو في مصلحة بلادنا وتجربتها الديمقراطية”، مشددا على أن حزب التقدم والاشتراكية لن يتخلى أبدا عن أدواره الوطنية التي يضطلع بها منذ أزيد من ثمانين سنة، على واجهات متعددة.
وتابع بنعبد الله أن تصرفات الحزب الذي يقود الحكومة وبعض المحسوبين عليه ليست إساءة لحزب التقدم والاشتراكية الواثق في نفسه والمعتز بأدواره واستقامته وإسهاماته، ولكن إساءة للمسار الديمقراطي الوطني الذي هو أحد المقومات التي يتفاخر بها المغرب أمام العالم.
وحذر بنعبد الله من مخاطر هذا التوجه الذي يستهدف الفضاء السياسي ويوسع الهوة بين المواطنات والمواطنين وبين الفعل السياسي، داعيا الحكومة والحزب الذي يقودها إلى التوقف عن مثل هذه الممارسات التي تسيء للعملية الديمقراطية وتسيء للسياسية وتعمق الأزمة على هذا المستوى.
وعن الرسالة التي وجهها الحزب أوضح زعيم حزب “الكتاب” أن قرار توجيه رسالة مفتوحة لرئيس الحكومة، إلى جانب مرافعة فريق الحزب بمجلس النواب جاء بالنظر للخطاب الذي روجته الحكومة، حيث قال في هذا الصدد، “إن الرد جاء لأننا اعتبرنا أن خطابَ الارتياح المفرط والادعاء المتعالي بأن الحكومة أنجزت، بشكل غير مسبوق، كل شيء، هو ليس فقط خطاب منفصم عن الواقع، بل إنه خطاب مقلق وينطوي على خطورة مجتمعية مؤكدة، لأنه خطاب مستفز ومتجاهل للأوضاع الحقيقية للشعب المغربي الذي يعاني من أوضاع اجتماعية واقتصادية وديمقراطية لا تتوقف عن التدهور في عهد الحكومة الحالية.
وتوقف بنعبد الله عند العديد من الإخفاقات التي تسببت فيها الحكومة والتي تحاول ترويج عكسها على مستوى حصيلتها المرحلية، حيث لفت المتحدث إلى أن الحكومة التي تدعي أنها سياسية، حققت نتيجة صفرية في المجال الديمقراطي والحقوقي، وفي توسيع فضاء الحريات.
وإلى جانب تقييمه بنقطة صفر للحكومة على المستوى السياسي والحقوقي، زاد بنعبد الله أن الحكومة أخفقت بشكل واضح وصريح على مستويات عديدة، في مقدمتها التشغيل والصحة والتعامل مع عدد من الملفات الاجتماعية، وفي تنزيل عدد من البرامج بما فيها برنامج الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية وتقديم الدعم المباشر التي فشلت فيها الحكومة وزادت من تعميق أزمات المواطنات والمواطنين، وأدت بشكل مباشر إلى تراجع أزيد من 3.2 مليون مغربي تحت خط الفقر.
وندد بنعبد الله في التقرير الذي عرضه على أنظار اللجنة المركزية وفي تفاعله وتعقيبه على تدخلات أعضاء اللجنة المركزية بالمسار الذي تسلكه الحكومة والذي قال إنه يحتاج إلى تعديل بالنظر لكونه سيؤدي إلى مزيد من التفقير الذي يطال الشعب المغربي بمختلف فئاته، وكذا الفشل على مختلف المستويات سياسيا واجتماعيا واقتصاديا.
ونبه بنعبد الله إلى مخاطر ترويج خطاب الارتياح من قبيل الحكومة في الوقت الذي يعرف الواقع غليانا بفعل استشراء الغلاء وارتفاع تكاليف الحياة والصعوبات على العديد من المستويات، بينما الحكومة تتفرج وتعبر عن الافتخار بحصيلتها التي أنجزت على مستوى مكاتب الدراسات.
في الحاجة إلى إعادة الثقة للمواطنين
وجدد بنعبد الله تحذير الحكومة من مغبة السقوط في الغرور وترويج خطابات لا أساس لها في تجمعات مغلقة للحزب الذي يقود الحكومة، حيث دعا الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية هذا الحزب إلى تنظيم مهرجانات خطابية مفتوحة لتقديم الحصيلة وذلك حتى يتسنى له معرفة الواقع ويتسنى له معرفة تفاعل وردود المواطنات والمواطنين على هذه الحصيلة غير الواقعية.
وأبرز بنعبد الله، في تفاعله، أن ما تقوم به الحكومة في لقاءات مغلقة ببعض الجهات والمدن لا يعكس الواقع الشعبي وما يكتوي به المواطنات والمواطنين من نار الأسعار، داعيا إلى مراجعة هذا المنهج والمسار، وإعادة النظر في العديد من السياسات، وكذا إعطاء الأولوية للفضاء السياسي والديمقراطي وإصلاحه بما يعيد الثقة للمواطنات والمواطنين.
من جهة أخرى، ثمن بنعبد الله دينامية حزب التقدم والاشتراكية على مختلف المستويات، وأساسا على مستوى النقاشات واللقاءات التي تتم على مستويات إقليمية وجهوية ووطنية، وخصوصا اللقاءات الجماهيرية الوطنية التي جرت بعديد المناطق من شرق المغرب إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه، وآخرها بإقليمي بوعرفة وفكيك.
ودعا بنعبد الله مناضلات ومناضلي الحزب إلى الرفع من هذه الدينامية والالتصاق بقضايا المواطنات والمواطنين والنضال على مستوى مختلف الواجهات، تماشيا والأدوار الدستورية والسياسية والديمقراطية التي يلعبها حزب التقدم والاشتراكية على مدى عقود من الزمن، منوها في هذا الإطار بالتفاعل الإيجابي والمتميز للمواطنات والمواطنين بمختلف المدن والأقاليم والجهات مع خطاب حزب التقدم والاشتراكية الذي ظل على الدوام ملتصقا بقضايا الجماهير.
إلى ذلك، كانت اللجنة المركزية، قد عرفت كلمة تأطيرية من قبل نادية تهامي عضوة المكتب السياسي التي ترأست الدورة الرابعة للجنة المركزية، والتي تناولت فيها السياق الدولي والوطني الذي ينعقد فيه اجتماع اللجنة.
وتوقفت تهامي عند أبرز المستجدات التي تعرفها الساحة الدولية والوطنية، وعلى رأسهما قضية فلسطين دوليا، ووطنيا، على مستوى سياسة الحكومة والغلاء المرتبط بذلك، وكذا فشل عدد من البرامج الاجتماعية.
وعقب تقديم تقرير المكتب السياسي، شهدت أشغال الدورة تدخل العشرات من أعضاء اللجنة المركزية الذين تفاعلوا مع مضمون التقرير الذي قدمه الأمين العام.
وأجمعت أغلب المداخلات على تثمين ما جاء في تقرير المكتب السياسي، مشددة على أدوار الحزب وديناميته ودوره في المشهد السياسي الوطني، خصوصا الدور المهم الذي يلعبه على مستوى المعارضة وعلى مواجهة تغول هذه الحكومة.
وبدورها توقفت مداخلات أعضاء اللجنة المركزية عند ما يقع بفلسطين من انتهاكات، حيث جدد أعضاء اللجنة إدانتهم لما يقع من مجازر ومن انتهاكات ، مشددين على ضرورة الحزم الدولي أمام الغطرسة الصهيونية.
وعلى المستوى الوطني، أجمعت مختلف مداخلات أعضاء اللجنة المركزية على ضرورة الرفع من وتيرة مجابهة هذه الحكومة التي تسير في طريق واحد يسوده التغول والاستعلاء وعدم إيلاء الأهمية للقضايا الاجتماعية الراهنة، وكذا للقدرة الشرائية للمواطنات والمواطنين.
كما جدد أعضاء اللجنة اعتزازهم بالرسالة المفتوحة التي وجهها الحزب في إطار دوره الدستوري والسياسي لتنبيه الحكومة إلى خروقاتها وأخطاءها وهفواتها الكثيرة على المستويات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وعلى مستويات أخرى، رافضين، في هذا الصدد، الردود التي تهاجم الحزب وقيادته، في الوقت الذي كان مطلوبا من الحكومة أن ترد على ذلك بالأرقام والمعطيات.
وحذر أعضاء اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، بدورهم، من هذا المسار غير الصحيح الذي يسلكه الحزب الذي يقود الحكومة الذي لم توجه له أصلا الرسالة المفتوحة، مجددين رفض الرد الساقط الصادر عن بعض أعضائه في حق حزب التقدم والاشتراكية وقيادته، الذين عبروا عن الاعتزاز بها وبما قدمته من تضحيات في سبيل مواقف ثابتة وقوية للحزب مرتبطة بشكل مباشر بالمصالح العامة وما فيه مصلحة البلاد.
إلى ذلك، كان اجتماع اللجنة المركزية قد عرف أيضا تقديم التقرير المالي من قبل عبد الواحد الجاي رئيس لجنة المراقبة المالية، والذي تطرق فيه إلى مختلف الأمور المتعلقة بمالية الحزب وكذا تعامل الحزب مع الدعم المحصل من الدولة.
في هذا السياق، كشف الجاي أن حزب التقدم والاشتراكية الذي توصل بدعم خاص من الدولة خاص بالدراسات، والذي خلق جدلا واسعا خلال الأيام الأخيرة وسط أحزاب كثيرة، سبق وأن أعاده نهاية السنة المنصرمة إلى خزينة الدولة ولم يستعمله بالنظر للتعقيدات التي ارتبطت بالموضوع، والتي أدت إلى تورط عدد من الأحزاب في صرف هذا الدعم والتي تواجه اليوم عاصفة من الانتقادات. حيث قال إن حزب التقدم والاشتراكية الوحيد، إلى جانب حزب آخر، اللذان قاما برد هذا الدعم.
كما قدم رئيس لجنة المراقبة المالية المخطط المالي لسنتي 2023 و2024، وحصيلة حساب الحزب ونفقاته، حيث جرى المصادقة على هذا التقرير بإجماع أعضاء اللجنة المركزية.
وفي ختام أشغالها، قدم عزوز الصنهاجي عضو المكتب السياسي للحزب البيان الختامي أمام أنظار اللجنة المركزية التي صادقت عليه بالإجماع.
< محمد توفيق أمزيان
< تصوير: رضوان موسى