تحت عنوان: “بصمات”، وقع الفنان التشكيلي يوسف سعدون آخر إبداعاته الصباغية قبل أيام. والحال أنه لم يشأ بعد مغادرة حلمه الأزرق، بالرغم من تنازله المتواضع بإدخال ألوان أخرى لا تؤثر سلبا على مسار الحلم الأزرق، شكلا، تقنيا وموضوعاتياً
اللوحة، كما يقول مارسيل دوشامب، نافذة على فكرة، رؤيا أو عالم يستدعي التأمل والتفكر والتدبر. ولوحة يوسف سعدون هذه، تدخل ضمن هذا التعريف الدقيق للعمل الفني؛ إذ هي دعوة حارة لفك رموزها الشكلية واللونية، حيث يشكل الأزرق بتدرجاته كثلة تتلازم تارة أو تتباين لدرجة التنافر، مبرزة أشكالا صورية تحيل إلى البصمة (Empreinte) أو بالأحرى الأثر.
لوحة الفنان يوسف سعدون تجريدية تصويرية تجمع بين العين والأثر؛ تنظر إلى ماضٍ – جهة اليمين، شرق الذاكرة – حيث يبدو أن العين غير راضية عنه، بل وتكاد ترميه بشرر. لكنه ماض حاضر ببصمته الصارخة: أخمص ادمين غير متطابقتين، لشخصين مختلفين.
الذاتية حاضرة بقوة في هذا العمل الفريد من نوعه ولونه؛ إذ ما يبدو تصويريا، عينان تتربعان وسط اللوحة، وأثران لرجلين مختلفي الحجم. لشخصين إثنين أو لشخص ما في فترتين متباعدتين.
الافتراض الأول، قد يحيل إلى تجربة شخصين سارا معا جنبا لجنب مدة ما، تاركين وراءهما أثر ذلك المسار الذي صار متصدرا الرؤيا في اللوحة، دليلا على التجربة أو المسيرة السفرية داخل زمن ما، مضى.
وحسب الفرضية الثانية، يتعلق الأمر بقراءة / إعادة النظر في ماضٍ ولى تاركا بصمتين بارزتين لمرحلتين اثنتين لا ثالث لهما، ولكل منهما نظرة لا تخلو من غضب أو عتاب. فالعينان اللتان تتوسطان اللوحة، يفصحان عن كثير معاناة ترجمت على شكل نظرة غاضبة، يكاد الشرر يتطاير منها! لكن الأشد تعبيرا في نظري هو المساحة الممتدة بين الرجلين والعينين، والتي اختار لها الفنان يوسف سعدون لونا مركبا نتج عنه رمادي ممزوج بالأزرق الفاتح، مساحة قد لا توحي إلى زمن وردي مَرِحٍ.
بالرغم مما يقال عن دور اللاوعي في الوجود والتعبير، يجد المرء نفسه منساقا (أو مجرورا) بخيوطه الخفية، لأن اللغة الطبيعية محكومة بميكانيزمات الرقابات الذاتية والثقافية بحكم سيادتها بالقوة لا بالفعل؛ والمهم هنا، هو المعطى التعبيري المتاح بما استعمله الفنان يوسف سعدون من تقنيات لا يكل في تجريبها والبحث فيها، عن العمق التعبيري.
بقلم: السعيد كرماس