تجريدية الخط الحر في لوحة الفنان المصري محمد جمعة

يعتبر الخط الحر إبداعا جديدا في مؤسسة “خولة للفن والثقافة” بأبو ظبي، فهو الخط المتأصل في هذه المؤسسة؛ وقد استند الفنان محمد جمعة على تقنيات جديدة في توجيه مساره وارتياد عوالم التميز من خلال لوحته الشهيرة: “من عاش في الدنيا بغير حبيب فحياته فيها حياة غريب”، وهي اللوحة التي اقتنتها مؤسسة “خولة للفن والثقافة”، لما تشكله من استمرار إبداعي للخط الحر، وقد تبدت فيه تجربة المبدع محمد جمعة الغنية في مجال فن الخط والحروفيات، وذلك من خلال تشكيله لفضاء مغلق بإيقاع حروفي فني؛ يرتكز على أشكال الخط الحر وفق مسالك جمالية متنوعة تتسيّد في الفضاء وفق خاصيات تبعث الحرية في هذا المنجز، بتشكلات تنم عن معارف فنية يكشف عنها المنحى الدلالي. فسحرية الخط الحر تتجسد لدى الفنان محمد جمعة في التلقائية الأدائية وفي تحرير الحرف من القيود، باحترام نسبي لبعض ضوابطه، وهو منجز يحيل إلى أن قلم المبدع يروم المنهج المؤسساتي لهذا الخط وتأصيله في المنظومة الحروفية العربية، ويتوق إلى إعطائه مكانة خاصة، خصوصا مع التوظيف الجمالي للألوان واكتساح المساحة وسد منافذ الفضاء. فمجمل الخطوط والأشكال وعملية التنظيم الجمالي والفني في اللوحة كلها عناصر تشكل دعامة فنية تتقصد التسويغ الجمالي في سياق تشكيلي. وعملا بالقاعدة النقدية؛ يتبدى أن هذا العمل الفني يستند إلى التجريد الحروفي باستعمال الخط الحر، مشذوذ بألوان فارقية تخترق المجال الفضائي وتتشكل في بؤر حروفية وفي أشكال مربعة ومثلثة داخل النطاق المستطيل، وهو ما يؤشر على حرفية المبدع وتقنياته العالية. إنها تجربة تضطلع بتقاطعات بين الخط الحر في سياقه الجمالي وبين الوضع الحروفي والتشكيلي الذي يمتح من الحداثة مقوماتها التجديدية. فالتداعيات الجمالية بسحرها البصري المرصع بنشوة الخط الحر؛ الخط المؤسساتي، وتداعيات الأشكال والألوان المعاصرة؛ كلها تتمثل الكلَّ الفني لهذا العمل، وتعكس المقدرة الأدائية للخطاط محمد جمعة، الذي استطاع بمؤهلاته الفنية وتجربته الغنية أن يصوغ الخط الحر وفق مفردات حروفية، يتقصد من خلالها الرؤية البصرية التي تستجلي غالبا دلالات إضافية، بتفاعل فني معرفي مركّب من أشكال الخط الحر، المليء بالمفردات التعبيرية، والأشكال الجمالية.

لوحة للفنان المصري محمد جمعة

 ويتبدى، من خلال هذا المنجز، أن المجال الجمالي للخط الحر الذي عبق في مؤسسة “خولة للفن والثقافة”، يخضع للاستعمالات الفنية الجادة التي تُغني المشهد الفني والحروفي العربي، ما يحيل إلى المشروع الحروفي العربي المعاصر. وبذلك يشكل هذا العمل قفزة نوعية للخط الحر في سياقه الحروفي وفي شكله الفني الذي يعتمد الكثافة والتموقع اللوني والحرفي بنوع من الاندماج الكلي. وهي أساسيات فنية غالبا ما يحتويها الفضاء المغلق بقدر وافر من الجمال. وفي هذا دليل على حسن الصياغة لمختلف المفردات الفنية ولجماليات الخط الحر في اقترانه بجماليات التشكيل والتعبير المعاصر. ما يمنح هذا المنجز نوعا من التوازن الإبداعي ويؤكد حِرفية المبدع ويستجلي تصوراته الحروفية.

  وبناء على ذلك، فإن هذا العمل، في عمقه التركيبي والحروفي واللوني، يستند إلى الخط الحر بمفرداته الجمالية؛ ما يمنح المعنى الخطي المبتدع نفسا جديدا، وقوة داخل النسق الحروفي العربي، بقدر ما يتيحه من التعبير بحرية في فضاء فني حر ومغلق المنافذ الأربعة، بتناسق بين مختلف المكونات الأداتية، ما يبعث الوهج الفني الذي يتلاءم مع المضمون فيبعث قوة الخطاب الذي يروم التجاور والتماسك والعيش بحب وتآلف واندماج. وهو ما يقع بين كل المكونات الفنية والحروفية والجمالية من تشابك وقوة التركيب، الشيء الذي يساهم في صنع مجال من التوازن، وينتج نوعا من التكامل والانسجام بين المضمون والمادة الحروفية. ولاشك أن هذا المسلك التعبيري الذي اعتمده المبدع هو استيعاب للمادة التجريدية بأسلوب بديل يتفاعل مع نسق الخط الحر ومع الشكل الحروفي، لبسط التعبير برؤى فنية ممنهجة.

  وهذا يجعل من الخط الحر أداة جمالية عالية الجودة في الثقافة الفنية المعاصرة؛ خاصة وأن الأسلوب الحروفي الذي تم اعتماده تتوافر فيه الرؤية الجمالية بكل تفاصيلها، ليتلاءم مع مقومات الفن العالمي المبني على حداثة الأسلوب وعلى الأسس الجمالية والأبعاد الدلالية للحرف.

بقلم: محمد البندوري

Top