تحدي الاختلالات

ينبه كثير من الفاعلين السياسيين والمتابعين لحياتنا السياسية إلى أن مشهدنا السياسي الوطني وممارستنا الحزبية، باتا يعانيان من كثير اختلالات تجعل خطر التراجع غير بعيد عن منجزنا الديمقراطي، وصار العديدون يخشون تفاقم هذه الاختلالات عشية كل انتخابات وفيما بين استحقاقين، وكاد المطلب يتحول من «جيل جديد من الإصلاحات» إلى ضرورة الحد من بروز «جيل جديد من الاختلالات» بإمكانها تهديد مشروعنا المجتمعي مستقبلا.
إن ما يجري في جلسات البرلمان، وما يعرفه الكل بخصوص «تفنن» البعض في ابتداع أشكال الترحال السياسي والبرلماني، وما تشهده مسلسلات تدبير جماعاتنا المحلية، والضربات التي تبرز كل صباح وكل مساء، عبر بعض الصحف وفي مجالس الحديث، بغاية استهداف أحزاب بعينها، ومن أجل تبخيس العمل الحزبي بصفة عامة…، كل هذا لن يقود في نهاية الأمر إلا لدفع المغاربة لمعانقة العزوف واليأس واللاسياسة…
قبل أيام تساءل فاعلون حزبيون، خلال لقاء مناقشة في الرباط، عما إذا كانت للأحزاب الجديدة جدوى أو ضرورة في سياق تطوير البناء الديمقراطي لبلادنا، وجرى تفاعل ساخن حول الأفكار والمنطلقات والغايات، وجر بعض المتدخلين الحديث بعيدا إلى بداهة البدايات، وتحصن بالمعطى الدستوري، وببهاء التعددية، ثم ضرب ملئ الكلمات ونادى بأن المهم اليوم هو إعادة الثقة للمواطنين بخصوص جدوى العمل السياسي، وتعزيز انخراطهم في العمل الحزبي والسياسي.
لكن السؤال المغربي اليوم لا يوجد في المبدئيات، الكل متفق على حماية التعددية، ولا مشكلة لدى أحد في أن تبرز أحزاب جديدة في المشهد الوطني، وحصر السجال اليوم هنا لا يعدو أن يكون سطحية  في التفكير، وتعاميا على الوقائع.
التحدي المغربي اليوم يوجد في تنظيم المشهد الحزبي، وفي تطوير قانون الأحزاب، وفي جعل كل الهيئات السياسية متساوية أمام القانون وبالقانون، وتفادي جعل العتبة ومنظومة التمويل العمومي والقوانين الانتخابية بمثابة فرامل للحد من دينامية التعددية التي يخشى عنها بعض مناضلي الساعة الخامسة والعشرين…
التحدي أيضا هو إنقاذ أدائنا الحزبي والبرلماني من آفة الترحال، ومحاربة غياب البرلمانيين، ورفع مستوى برلمانيينا، وبالتالي جعل مؤسساتنا المنتخبة حاضنة للنخب السياسية الوطنية ذات الكفاءة…
التحدي هو تحصين حقلنا الانتخابي والحزبي من مافيات الفساد…
التحدي هو جعل قواعد السلوك السياسي واضحة أمام الجميع ومحترمة من لدن الكل…
اليوم أكثر من أي وقت مضى، المغرب في حاجة إلى أحزاب جدية وتمتلك القرار المستقل وإمكانيات العمل، ولا يمكن بلوغ ذلك من دون مواجهة التحديات المشار إليها أعلاه بقوة وبإرادة سياسية واضحة.

Top