تذبذب نشر المعطيات حول مضاعفات “أسترازينيكا” يسائل الحكومة حول “غياب المعلومة”

كان المغرب من بين البلدان الأولى التي أمنت لمواطنيها تلقيح كورونا، يناير سنة 2021، وقد واكبت العملية مجموعة من الشروحات والإرشادات، بيد أن ذلك لم يكن كافيا، خصوصا على مستوى الضمانات القانونية، في حال ظهور بعض المضاعفات والأعراض الجانبية، بالنسبة للأشخاص الذين تلقوا جرعات التطعيم.

وأعاد، مؤخرا، اعتراف شركة أسترازينيكا البريطانية- السويدية، بأن لقاحها المضاد لفيروس كورونا، يمكن أن يكون سببا لآثار جانبية مميتة بسبب تجلط الدم، (أعاد) الجدل إلى الواجهة بالمغرب، لا سيما في ظل عدم مواكبة بعض الحالات التي يفترض أنها أصيبت بمضاعفات بعد مرور وقت زمني قصير أو طويل عن تلقي اللقاح، إلى جانب عدم وجود وعي من قبل المواطنين بشأن مسطرة المتابعة الصحية والقانونية، نظرا لغياب المعلومات الكافية في هذا الشأن، لا سيما أن أزيد من 54 ألف حالة تعرضت لآثار جانبية جراء تلقي اللقاح.

وجاء اعتراف شركة أسترازينيكا، عقب دعوى قضائية جماعية رفعتها عشرات العائلات، التي طالبت بتعويضها بعد إصابة أقاربهم بتشوهات أو تعرض للموت بسبب اللقاح الذي أنتجته الشركة المتخصصة في صناعة الأدوية.

 

دعوى قضائية

وأثار انتشار هذا الخبر الفزع في صفوف المواطنين المغاربة، الذين هبوا إلى البحث عن “جوازات التلقيح” لمعرفة طبيعة الجرعات التي تلقوها، خصوصا بعد صدور حكم قضائي ضد وزارة الصحة، يقضي بأداء تعويض مادي قدره 25 مليون سنتيم لمتضررة من لقاح أسترازينيكا، بعد تسجيل القضية بالمحكمة الإدارية في يونيو 2022، من قبل المدعية التي تعرضت للشلل على مستوى الوجه والأطراف السفلى “إثر تلقي لقاح أسترازينيكا”.

وخلص قرار المحكمة المذكورة إلى قاعدة مفادها: “يقع على الدولة حماية المواطنين من الأضرار الناتجة عن مخاطر التلقيح ضد فيروس كورونا، كونها القائمة على منح التأشيرات والرخص والموافقات لهذه اللقاحات واعتبارا لدعوتها لهم بصفة ملحة إلى أخذ جرعاتهم من التطعيمات مسؤولية الدولة عن ذلك تندرج في إطار المسؤولية عن المخاطر، والتي يكفي لقيامها ثبوت الضرر والعلاقة السببية دون الاعتداد بركن الخطأ”.

ونبه قرار المحكمة إلى أن “الاحتجاج بكون إجراءات التلقيح اتخذت في ظل ظروف استثنائية – لا – لتأكيد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 57.150 على مسؤولية الدول المتضررة من الكوارث الطبيعية بالاعتناء بضحايا هذه الكوارث وغيرها من الطوارئ التي تقع في إقليمها”.

ومباشرة بعد صدور الحكم، تقدمت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بطلب لاستئنافه من قبل المحكمة الإدارية بالرباط، حيث يتنظر الرأي العام الوطني قرار قضاء الاستئناف في الملف.

وبادرت فرق ومجموعة المعارضة بالبرلمان إلى طرح الموضوع على طاولة النقاش مع الحكومة، غير أن هذه الأخيرة رفضت التفاعل مع الموضوع. كما أن طلب الفريق الحركي بمجلس النواب، بشأن عقد اجتماع للجنة القطاعات الاجتماعية، بحضور وزير الصحة والحماية الاجتماعية، خالد ايت الطالب، لم يتم التفاعل معه إيجابا أيضا.

وقابلت الحكومة الموضوع بشكل بارد إلى حد ما، حيث صرح الوزير المنتدب المكلف بالعلاقات مع البرلمان الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس، بأن جميع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا بالمغرب، لم تستعمل إلا بعدما حظيت بالمصادقة من طرف اللجان العلمية المختصة.

ومن الملاحظات التي تم الوقوف عندها بشأن عملية اللقاح بالمغرب، هو عدم الوضوح في الإجراءات وغياب المعلومات والمعطيات الكافية التي اتخذتها الحكومة لمواكبة المستفيدين من اللقاح، من خلال المراقبة الطبية والصحية، وتقديم الشروحات القانونية في حال الإصابة بأمراض مزمنة.

الصمت بدل التواصل

ويفترض، بحسب علي لطفي رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، أن تخرج وزارة الصحة للتواصل مع المغاربة بشكل واف، لا سيما أنها تتوفر على معطيات كافية حول تدبير ملف جائحة كورونا، ومرحلة التلقيح على وجه التحديد، بيد أنها اختارت الصمت بدل “التواصل” و”التوضيح”، أو في أفضل الحالات تهتدي إلى “النفي” كرد فعل على ما يتم تداوله من أخبار.

ويؤكد علي لطفي في تصريح لجريدة بيان اليوم، دفاع الشبكة عن أي مغربي تأكدت إصابته بآثار جانبية نتيجة تلقيه للقاح، مشددا على ضرورة تعويض وزارة الصحة للأشخاص الذين ظهرت عليهم بعض الآثار الجانبية من خلال التأمين الذي تؤديه في مثل هكذا حالات.

وبعد مدة طويلة من الصمت المطبق حول الملف، خرج وزير الصحة، خالد آيت الطالب، يوضح الآثار الجانبية للقاحات فيروس كورنا، وتحديدا أسترازينيكا، موضحا أن 211 مريضا بالمغرب أبلغوا عن تعرضهم لأعراض جانبية مصنفة بالخطيرة جراء لقاح الشركة البريطانية-السويدية.

وجاء هذا التفاعل من قبل آيت الطالب، في إطار جواب عن سؤال كتابي للنائبة نعيمة الفتحاوي عن المجموعة النيابية للعدالة والتنمية، حول تعرض أشخاص للتشويه أو الموت بسبب لقاح أسترازينيكا، حيث أشار إلى أن التطعيمات باللقاح بلغت بالمغرب 8.866.853 جرعة خلال فترة التطعيم، موضحا أن العدد الإجمالي للأعراض الجانبية المتعلقة بلقاح كورونا و”أسترازينيكا” تحديد، بلغ 54.423 حالة، حسب تصنيف منظمة الصحة العالمية.

واعتبر خالد آيت الطالب، في جوابه عن السؤال البرلماني الكتابي، أن ظهور الآثار الجانبية على الملقحين، يعد أمرا طبيعيا “إذ صممت لغرض توفير المناعة دون التعرض لمخاطر الإصابة بالمرض”.

وتشير المعطيات التي قدمها وزير الصحة، في جوابه عن السؤال البرلماني، الذي اطلعت بيان اليوم على نسخة منه، أنه بدل التواصل المباشر مع المواطنين سواء عبر بلاغ توضيحي أو ندوة صحافية، أنه بهدف تحديد مدى سلامة اللقاحات المستخدمة ضد كوفيد 19، تولى المركز المغربي لمحاربة التسمم ولليقظة الدوائية مهمة جمع وتحليل البلاغات المتعلقة باللقاحات، كما حرص على فحص جميع التقارير المتعلقة بالأعراض الجانبية المصاحبة لتلقي اللقاح بشكل مستمر، وتمت متابعة المرضى بشكل يومي، مع توفير الرعاية الصحية المجانية للمتضررين الذين أبلغوا عن الأعراض الجانبية المصنفة بالخطيرة، والتي تطلبت فحوصات وعلاجات طبية معمقة”.

ونوه خالد آيت الطالب، إلى أنه تم وضع عدة آليات للتبليغ عن الأعراض الجانبية للقاحات كورونا والتي مكنت من جمع التقارير المتعلقة بالأعراض الجانبية التي تعقب التلقيح، منها المنصة الإلكترونية “يقظة لقاح”، والعنوان الإلكتروني للمركز المغربي لمحاربة التسمم ولليقظة الدوائية، والمراسلون الإقليميون لليقظة الدوائية.

وتفاعلت شركة أسترازينيكا البريطانية بشكل سريع مع الموضوع، عبر سحبها للقاح من الأسواق الدولية، كما أن بعض الدول سحب الترخيص للقاح.

وأوضح الطيب حمضي، الطبيب والباحث في السياسات والنظم الصحة، أن التأثير الجانبي للقاح معروف بالفعل منذ 3 سنوات، لكن في حالات نادرة جدا، لأن ذلك يكون في غضون أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع بعد اللقاح.

ولم يخف الطيب حمضي في توضيح له عممه على وسائل الإعلام الوطنية، وجود تأثيرات جانبية خطيرة جدا بين جميع الأدوية واللقاحات دون استثناء، مشيرا إلى أن ميزان الفوائد والمخاطر لجميع لقاحات كوفيد لا يزال لصالح اللقاحات التي أنقذت الأرواح وما زالت تنقذها إلى اليوم.

واعتبر حمضي أن تعويض الضحايا المحتملين لهذه الآثار الجانبية، على الرغم من ندرتها، حق مطلق للضحايا، حتى لو لم يتم بعد شرح علميا العلاقة السببية المباشرة بين الدواء أو اللقاح بشكل كامل.

ويتضح أن عملية اللقاح بالمغرب، شابها نوع من التعتيم من قبل الحكومة، ويتعلق الأمر أساسا بغياب المعلومات حول التأمين الخاص بالمستفيدين من اللقاح، علما أن حملة التلقيح، كانت قد اتخذت طابع “الإلزامية”، ما غابت معه الحرية بفعل التضييقات في الفضاء العام، بفعل فرض “جواز التلقيح” على مرتاديها.

يوسف الخيدر

تصوير: أحمد عقيل مكاو

Top