دعت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة إلى الاهتمام بالفئات الأكثر عرضة للاضطرابات النفسية بالمغرب، ومعالجة الصحة العقلية على قدم المساواة مع الصحة البدنية.
وأوضحت الشبكة، في بلاغ لها بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية (10 أكتوبر)، أن مخاطر الصحة النفسية والعوامل الوقائية في المجتمع تتجلى بمستويات متفاوتة، وأن الأزمات المحلية والعالمية، مثل الركود الاقتصادي وتفشي الأمراض والتشريد القسري وأزمة المناخ المتنامية، تزيد من شدة المخاطر على الصحة النفسية للأفراد والأسر والمجتمعات.
ولفتت إلى أن المعطيات الصادرة عن منظمة الصحة العالمية تشير إلى وفاة شخص كل ثانية بسبب الانتحار جراء الأمراض النفسية كالاكتئاب والتوحد والانعزال وغيرها، ما دفع بالمنظمة إلى جعل مكافحة الانتحار أولوية عالمية، ومطالبة الحكومات باستعمال كل الوسائل للوقاية والتدخل المبكر وحظر استعمال مبيدات الآفات الشديدة الخطورة للحد من معدلات الانتحار.
الاضطرابات النفسية والعقلية بالمغرب.. وضع مقلق
وأبرزت الشبكة أن المغرب يخلد، هذا العام، هذه المناسبة الصحية، في ظل تفاقم وتزايد العوامل المسببة للاضطرابات والإعاقات النفسية كالقلق والاكتئاب، وتزايد مشاعر الخوف المفرط والقلق والاضطرابات السلوكية ذات الصلة، إزاء تحديات الحياة اليومية ومشاكلها وتعقيداتها وآثار العوامل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية والبيولوجية.
وفي هذا السياق، استعرضت الشبكة نتائج المسح الوطني للسكان الذي أنجزته وزارة الصحة والحماية الاجتماعية سابقا، التي توضح “أن 26 بالمائة من المغاربة الذين تفوق أعمارهم 15سنة يعانون من الاكتئاب خلال حياتهم، فيما يعاني 9 بالمائة من اضطرابات القلق، و5.6 بالمائة من اضطرابات ذهنية، و1 بالمائة من مرض الفصام”.
وحسب الشبكة، فإن معدل الإضطرابات النفسية بالمغرب قد ارتفع بشكل ملحوظ، بسبب رواسب ومخلفات جائحة كوفيد- 19، وارتفع معها معدل الانتحار، بسبب عوامل أخرى اجتماعية واقتصادية وأسرية وبيئية، وارتفاع معدلات الفقر والبطالة المزمنة والمشكلات العائلية والطلاق والعنف الأسري، والإساءات العاطفية أو الجسدية أو الجنسية الشديدة، أو فقدان الوظيفة أو الطرد من العمل والضغط في أماكن العمل، والضغوطات الدراسية، والوقوع في براثن إدمان المخدرات، خاصة في أوساط الشباب، وانتشارها على نطاق واسع في المجتمع المغربي. وكلها عوامل لها آثار جد سلبية على الصحة النفسية وعلى حياة المواطنين والمواطنات.
ومن جهة أخرى، كما تضيف الشبكة، وأمام هذه المعطيات المخيفة والمقلقة حول الصحة النفسية ببلادنا، تظل منظومتنا الصحية تعاني من خصاص وعجز كبيرين في الإمكانيات المالية والبشرية والبنى التحتية والتجهيزات والأدوية الخاصة بتقديم الرعاية الوقائية والعلاجية والتأهيلية الكاملة وذات الجودة المطلوبة للمصابين بما فيها خدمات الإدماج الاجتماعي، حيث تظل الطاقة الاستيعابية السريرية لمستشفيات الطب النفسي ومراكز العلاج متواضعة جدا لا تتجاوز 2500 سرير بالقطاعين العام والخاص، ما يقارب 50% منها يوجد بجهتي الدار البيضاء -سطات والرباط، سلا، القنيطرة. ويتفاقم الوضع أكثر على مستوى الموارد البشرية المتخصصة والمؤهلة في مجال الصحة النفسية، بوجود فقط 343 طبيب نفسي، و214 عالم نفس، و16 طبيبا نفسيا للأطفال، و1335 ممرضا وممرضة في الطب النفسي، و14 مساعدا اجتماعيا، وفقط 64 طبيبا متخصصا في علاج الإدمان، ونسبة كبيرة منهم أيضا (ما يقارب 40%)، يزاولون بالمركزين الجامعيين ابن سينا بالرباط وابن رشد بالبيضاء. كما أن الغلاف المالي السنوي المرصود لبرنامج الصحة النفسية والعقلية ضعيف جدا بحيث لا يتجاوز 6 في المائة من الميزانية العامة لقطاع الصحة ولا يرقى إلى المتطلبات والحاجيات الضرورية لتنفيذ برامج وزارة الصحة وخدمات المراكز الاستشفائية الجامعية.
وكما تشير الشبكة، فإنه نتيجة لهذا العجز والخصاص وصعوبات ولوج العلاج وعدم قدرة الأسر على تغطية نفقات علاج مرضاهم سواء بالقطاع العام أو القطاع الخاص، بسبب انعدام التغطية الصحية وعدم القدرة على أداء مصاريف العلاج لفئات واسعة من المرضى، أو عدم الثقة في الطب الحديث بعد تجارب مملة في البحث عن إمكانية الاستشفاء ومتابعة العلاج، يتم بسهولة ودون إرادة ووعي من أسر المرضى الارتماء في أحضان الشعوذة والخرافات. وبالتالي فكثير من المصابين باضطرابات نفسية بالمغرب، يعانون من الوصم والتمييز وانتهاكات حقوقهم الإنسانية، بحملهم إلى الأضرحة وتقييدهم بالسلاسل أو احتجازهم من طرف أسرهم خوفا من الضياع. أو يتم اللجوء إلى “أخصائي” في الشعوذة أو ما يسمى ب”الراقي”. وفي حالات أخرى يتم ترك المرضى للشارع عرضة للخطر، أو قد يصبحون هم أنفسهم يشكلون خطرا على المواطنين، في غياب الرعاية الصحية والعناية بهم داخل المستشفيات، حيث يلاحظ أن بعض المدن المغربية أصبحت تشكو من ظاهرة المرضى النفسيين الجائلين في الشوارع والأزقة، مع ما يمكن أن يترتب عن ذلك من أحداث مؤلمة.
من أجل سياسة صحية واستراتيجية فعالة في مجال الصحة النفسية
وسجلت الشبكة في نفس الوقت أن وزارة الصحة والحماية الاجتماعية بالمغرب بصدد القيام بإصلاح شمولي للمنظومة الصحية الوطنية في إطار تنزيل مشروع تعميم التأمين الإجباري الأساسي عن المرض في نهاية سنة 2022، كما حددته أجندة تعميم الحماية الاجتماعية.
ودعت الشبكة في هذا السياق إلى سن سياسة صحية وحماية اجتماعية مندمجة واستراتيجية فعالة في مجال الصحة النفسية الوقائية والعلاجية والتأهلية والإدماج الاجتماعي بمختلف جهات المملكة، مؤكدة على أهمية إصدار تشريعات وقوانين جديدة مؤطرة تتماشى مع المعايير الدولية ذات الصلة وتحمي حقوق المرضى الإنسانية.
وأكدت على ضرورة الرفع من الميزانية المخصصة للمخطط الوطني للصحة النفسية والعقلية، والميزانيات المخصصة للمستشفيات الخاصة بالصحة النفسية والعقلية، والاستثمار في بناء وتجهيز مستشفيات أو مصالح طبية مندمجة للصحية النفسية الوقائية والعلاجية بمختلف جهات المملكة، وذلك لتقريب الخدمات الصحية للمرضى وأسرهم.
كما حثت على أنسنة المستشفيات الخاصة بالأمراض النفسية والعقلية، والاستتثمار في العنصر البشري المؤهل عبر الرفع من عدد مقاعد التكوين الأساسي بكليات الطب ومعاهد تكوين الممرضات والممرضين بالقطاعين العام والخاص وتوظفيهم لتغطية العجز ولتحسين جودة الخدمات المقدمة للمرضى، داعية في هذا الصدد إلى اعتماد تعويضات خاصة تحفيزية للمهنيين العاملين بمستشفيات الأمراض النفسية والعقلية، وتحسين ظروف وبيئة عملهم وتطوير مهاراتهم ببرامج التكوين المستمر.
ودعت الشبكة إلى تخفيض أسعار الأدوية الخاصة بعلاج الأمراض النفسية والعقلية وتوفيرها مجانا في المستشفيات والمراكز الصحية والاجتماعية، مشددة على ضرورة دعم جمعيات المجتمع المدني المختصة، وجمعيات رعاية الشباب والطفولة وحماية حقوق النساء بغية تعزيز الوعي المجتمعي والأسري للوقاية من الأمراض النفسية والعقلية وأسبابها، وجعل الوقاية من الانتحار أولوية صحية باعتبارها من أهداف التنمية المستدامة لسنة 2030.
بيان اليوم