جلسات للشتائم

عاش مجلس المستشارين في الأيام الأخيرة لحظات حزينة فعلا، على هامش جلسات دراسة الميزانيات الفرعية، خصوصا أثناء التصويت على ميزانية وزارة التجهيز والنقل في اللجنة القطاعية المختصة. لقد أصابنا الحزن كلنا لكون بلادنا تستحق برلمانا أحسن، ومستشارين أكثر نضجا ولديهم الحد الأدنى من الاتزان والتعقل…
تبادل «مشرعون» أقذع الشتائم فيما بينهم على مرأى ومسمع من الكل، حتى أن أحدهم صاح في ربعه، أن المكان تحول إلى «ساحة جامع الفنا» وليس برلمانا، ونسي المسكين أن في الساحة المراكشية الساحرة يعم الاحترام وتسود الكلمات، وليس فيها مكان للبلطجة.
لم يعد المهم أن نعرف هل التصويت على ميزانية في الثالثة صباحا جائز أم لا؟ ولم يعد مهما أيضا أن نعرف هل الاجتماع الثاني كان قانونيا أم غير ذلك؟ ولم يعد من المهم ثالثا أن نعرف هل يجوز عرض الأمر على المجلس الدستوري أم لا؟ لكن ما هو أكثر أهمية اليوم هو أن نعرف هل نستحق كل هذا العبث؟ وهل لا زال في الإمكان مواصلة  كل هذه السريالية؟.
إن منظومتنا البرلمانية، ومستوى الأداء البرلماني عندنا صارت مواضيع لملف من المستعجل طرحه على رأس أجندة الإصلاحات المطلوبة لمغرب اليوم.
إن الغرفة الثانية في البرلمان المغربي، وبغض النظر عن المطالب ذات الصلة بشروط التكوين والصلاحيات والعلاقة مع الغرفة الأولى، ورغم وجود شخصيات وطنية محترمة وكفاءات سياسية هامة بداخلها، فإن أغلبية كبيرة تحيل على صورة العبث، وهذا الأمر صار معضلة حقيقية تتطلب انتباها جديا للمستوى السياسي والقانوني والثقافي العام لتركيبة هذا المجلس.
اليوم هناك عمل تشريعي وقانوني أساسي مطروح على بلادنا، وجزء من مسؤوليته موكول لهذه الغرفة ولأعضائها، واليوم أيضا ينخرط المغرب في عديد أوراش للبناء والإصلاح والتنمية، ومن واجب «ممثلي الأمة» الفعل في هذه الدينامية المجتمعية ومواكبتها بالتشريع والرقابة، واليوم تواجه المملكة حربا إعلامية وسياسية حقيقية تستهدف وحدتها الترابية، ومن أكبر الفاعلين فيها مؤسسات برلمانية، ومن مسؤولية برلمانيينا بلورة خطط ديبلوماسية فعالة في هذا الاتجاه، والدفاع عن قضايا البلاد عبر العالم.
هي تحديات حقيقية إذن، فكيف سنواجهها بمثل هؤلاء الأشخاص الذين تفوقوا في إبداع الشتائم لبعضهم البعض داخل قبة البرلمان، وحولوا جلساتهم إلى مجالس للسباب؟.
السياسة في حاجة إلى إنقاذها من مثل هؤلاء …«السياسيين».

Top