جماعاتنا المحلية

عممت وزارة الداخلية قبل أيام «الدليل القانوني للجماعات المحلية»، وهو وثيقة مرجعية تشمل مختلف النصوص والقوانين المنظمة للشأن المحلي ببلادنا. ولا تخفى أهمية هذه الخطوة، خصوصا أنها ستمكن كافة المتدخلين، وأساسا المنتخبين الجماعيين، من امتلاك مصدر موجه يؤطر العمل الجماعي اليومي، ويشرح مختلف قضايا تدبير الجماعات المحلية…، لكن، في الواقع، فإن ممارستنا الجماعية لا تشكو فقط من عدم معرفة القوانين، إنما تعاني أيضا من تعمد خرقها، وقد قدمت وزارة الداخلية نفسها في الفترة الأخيرة العديد من النماذج بهذا الخصوص، سواء من خلال فضائح التعمير، أو من خلال الفساد المستشري بداخل جماعات قروية وحضرية.
هنا لا نحتاج فقط إلى نشر المعرفة القانونية، إنما يتطلب الوضع إعمال القانون وتقديم المتورطين في الفساد إلى العدالة…
لقد جاء إصدار الدليل متزامنا مع مرور نصف قرن على انطلاق اللامركزية بالمغرب، وأيضا مع استعداد البلاد لخوض تجربة جديدة في الجهوية، وكل هذا لن يستقيم مع استمرار كثير من العبث المستشري اليوم في جماعاتنا المحلية.
ليس من المعقول  بعد كل هذه المدة أن نستمر في القبول بإدارة عديد جماعاتنا من طرف أشخاص لم يسبق لهم أن ولجوا باب مدرسة ابتدائية..
ليس من المعقول أيضا أن نستمر في الحديث عن فضائح التعمير وعن المخالفات المسجلة في برامج القضاء على أحياء الصفيح، كما ليس من المعقول أن يبقى المواطنون يشيرون بالاسم وبالعنوان وبكل تجليات الوضوح والحجة والبرهان إلى «منتخبين» تمكنوا بفضل الفساد من أن يتحولوا بسرعة البرق إلى أثرياء مناطقهم وإلى أعيان البلد، ووحدها الأعين المعلومة لم تر فسادهم ولم تدرك تحولهم…
ليس من المعقول كذلك أن يستمر كل هذا، والمغرب يمتلك آلاف الأطر والكثير من الخبرات والكفاءات التدبيرية والسياسية، من دون أن يسمح لها النظام الانتخابي المعمول به حاليا، وأيضا العقلية المكرسة طيلة كل هذه المدة، بالتواجد في إدارة الجماعات المحلية، وفي تدبير الشأن المحلي والجهوي ببلادنا.
التحديات التنموية والسياسية المطروحة اليوم على المغرب، وواقع الممارسة السياسية لدينا، وأيضا الدينامية التي دشنتها وزارة الداخلية ووزارة العدل والمجلس الأعلى للحسابات في الفترة الأخيرة، كل هذا يفرض اليوم الانكباب باستعجال على مراجعة القوانين الانتخابية، وعلى بلورة جيل جديد من الإصلاحات السياسية والمؤسساتية، بما يشيع في البلاد نفسا ديمقراطيا متجددا ينسجم مع مضامين الخطاب الملكي الأخير بمناسبة عيد العرش.

Top