في إطار تجويد خدمات طمر ودفن النفايات بالمطرح المراقب لأكادير، قامت السلطات الولائية والمختصة بإطلاق طلب عروض للتدبير المفوض لهذا المرفق العمومي بمبلغ مالي يقدر بحوالي 700 مليون درهم. وتمت عملية فتح الأظرفة ودراسة الملفات بمشاركة ست شركات على الصعيد الوطني، لم تستجب أي منهن لدفتر التحملات والذي يشترط وضع وحدة لفرز وتثمين حوالي 30 بالمئة من النفايات بالمطرح، وكذلك التخلص من حوالي 200 ألف طن من عصارة النفايات (الليكسيفيا)، تملأ حاليا ثمانية أحواض ممتلئة عن آخرها، إذ لا تتم معالجتها بالنظر لكلفتها الباهظة، وهو ما يشكل قنبلة قابلة للانفجار في أي وقت وحين، وذلك بفعل حوادث قد تنتج عن عوامل الأمطار العاصفية التي تطبع المناخ حاليا، والتي يمكن أن تتسبب في مشكلات بيئية بسبب انتشار هذه السموم على نطاق واسع، مما يهدد البيئة البرية والبحرية ويكلف باهظا ويزيد من عبء استصلاح البيئة.
تقدر مساحة المطرح بـ48 هكتار، ويستقبل نفايات منزلية ومماثلة وصناعية تقدر بحوالي 400 ألف طن سنويا، بمعدل يبلغ 1100 طن يوميا. يتواجد هذا المطرح بدوار يعاني من الهشاشة (تاملاست) تابع ترابيا للجماعة القروية للدراركة، على بعد ست كلمترات من مدينة أكادير، ويتم تدبيره من طرف رئيس مجموعة الجماعات المكونة لأكادير الكبير، والتي تضم حوالي عشر جماعات حضرية وشبه حضرية وقروية، وهي: جماعة أكادير – جماعة الدشيرة – جماعة انزكان – جماعة ايت ملول – جماعة أولاد تايمة، والجماعات القروية: جماعة اورير- جماعة تغازوت الواقعتين شمال اكادير وجماعة القليعة وجماعة التمسية وجماعة أولاد دحو جنوبا.، وتقوم هذه الجماعات بشكل مستقل وذاتي بخدمات جمع ونقل وطرح النفايات بالمطرح المراقب لأكادير الكبير، لساكنة تقدر بحوالي مليون و18 ألف نسمة.
وتزامنت عملية إطلاق طلب العروض مع تنظيم فعاليات المناظرة الوطنية للجهوية المتقدمة تحت الرعاية السامية للملك محمد السادس، بمدينة طنجة خلال شهر دجنبر الماضي، والتي تضمن برنامجها توقيع اتفاقية شراكة وتعاون تهم تدبير وتطوير المطارح بالمغرب، حيث تم توقيعها من طرف وزارة الداخلية، والوزارة المنتدبة لدى وزارة الاقتصاد والمالية المكلفة بالميزانية، ووزارة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، مع مجموعة الجهات التي تضم 12 جهة. وتروم هذه الاتفاقية وضع إطار يتعلق بتدبير النفايات المنزلية والمماثلة لها برسم الفترة الممتدة من 2025 الى 2034.
كما تهدف الاتفاقية إلى وضع إطار عام لبرمجة وإنجاز وتمويل مشاريع مراكز الطمر التقني وتثمين النفايات، وتأهيل وإغلاق المطارح العشوائية على الصعيد الوطني، بمختلف جهات المملكة، وذلك بشراكة بين الوزارات المعنية وجهات المملكة عبر تقديم المساعدة والدعم اللازمين للجماعات الترابية ومواكبتهم، من أجل تنزيل أهداف البرنامج الوطني لتثمين النفايات المنزلية الذي تم إعطاء انطلاقته سنة 2023، وذلك انسجاما مع مضامين الدستور المغربي 2011، والتوجيهات الملكية السامية المؤطرة، وإنسجاما مع أهداف التنمية المستدامة، والنموذج التنموي الجديد في بعده البيئي والمستدام، وانسجاما أيضا مع التزامات المغرب بالأنظمة والقوانين الأممية حول التنمية المستدامة واتفاقيات تغير المناخ، وتفعيلا للقوانين الوطنية الجاري بها العمل خصوصا: القانون الإطار 12-99 حول البيئة والتنمية المستدامة، والقانون رقم 28-00 المتعلق بالنفايات، والقانون رقم 11-03 حول المحافظة على البيئة، والقانون رقم 12-03 بشأن دراسات التأثير على البيئة والقانون رقم 13-03 المتعلق بمحاربة التلوث.
وتتضمن الاتفاقية إنجاز حوالي 51 مركز للطمر التقني ومراكز تثمين النفايات، و270 مشروع لتأهيل أو إغلاق المطارح العشوائية، وذلك خلال الفترة الممتدة من 2025 إلى 2034 بتكلفة إجمالية تقدر بـ27 مليار درهم، موزعة بين إنجاز وتمويل مشاريع مراكز الطمر التقني وتثمين النفايات بمبلغ قدره 24.248 مليون درهم، ومشاريع تأهيل وإغلاق المطارح العشوائية بمبلغ قدره: 3347 مليون درهم.
جهة سوس ماسة وحصتها من اتفاقية برنامج تدبير النفايات
بالنسبة لجهة سوس ماسة، والتي تعرف انتشارا واسعا للمطارح العشوائية التي غالبا ما تلجأ لحرق النفايات، فيقدر المبلغ الخاص بإنجاز وتمويل مشاريع مراكز الطمر التقني وتثمين النفايات، بـ812 مليون درهم، تساهم فيه جهة سوس ماسة بـ42 مليون درهم، بينما يوزع باقي المبلغ بين الشركاء، وزارة الاقتصاد والمالية 362 مليون درهم، ووزارة الداخلية بـ26 مليون درهم، وشركاء آخرون غير محددين 382 مليون درهم.
أما فيما يخص تأهيل وإغلاق المطارح العشوائية بالجهة، فتقدر التكلفة الإجمالية للمشروع بـ367 مليون درهم، تساهم فيه جهة سوس ماسة بـ34 مليون درهم، ووزارة الانتقال الطاقي بـ171 مليون درهم، ووزارة الداخلية بـ137 مليون درهم، ووزارة الاقتصاد والمالية بـ24 مليون درهم.
تشكل إدارة وتدبير النفايات المختلفة، بجهة سوس ماسة خصوصا وبالمغرب عموما، موضوعا أرق بال الفاعلين والمؤسسات الساهرة على تسيير وتدبير القطاع، كما يعتبر هذا القطاع من بين القطاعات والأنشطة التي خصص لها حيز كبير على مستوى القوانين والأنظمة وملاءمتها مع القوانين الدولية وكذلك التمويلات ونقل الخبرات والتجارب، والتي تمثل أولوية من حيث متطلبات احترام البيئة ونهج سبل التنمية المستدامة.
ويتوفر المغرب منذ سنة 2006 على القانون رقم 28-00 المتعلق بتدبير النفايات، والذي يخضع للمراجعة والتتميم كلما استجدت أمور خاصة بالقطاع. كما نهج المغرب تعزيز المقاربة المتكاملة لتدبير النفايات، من خلال التحول نحو نموذج الاقتصاد الدائري، عبر إعادة الاستخدام وإعادة التدوير وكذلك نهج سبل تثمين النفايات، مع تقليلها واستغلال الموارد، والحد من النفايات بكل أنواعها بما فيها نفايات البناء والنفايات الزراعية.
الأمم المتحدة تدق ناقوس خطر تنامي كميات النفايات عبر العالم
وحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تشكل النفايات عبر العالم مشكلة بيئية خطيرة للغاية، لا تقل أهمية عن مشكلة التغير المناخي، ومن مسبباته كذلك نتيجة ارتفاع التلوث الذي يضرب البيئة، في وقت تتوفر فيه وسائل إعادة التدوير والتثمين التي تسمح أولا بالحد من التلوث وتحسين الظروف الاقتصادية لسكان المناطق المعنية، من خلال إنشاء اقتصاد دائري. وقد قدر نمو وتزايد حجم النفايات الصلبة في البلديات من 2.1 مليار طن في سنة 2023، إلى 3.8 مليار طن بحلول سنة 2050. وفي سنة 2020، قدرت التكلفة العالمية المباشرة لإدارة وتدبير النفايات بنحو 252 مليار دولار أمريكي. وعند الأخذ في الاعتبار التكاليف الخفية للتلوث وسوء الصحة وتغير المناخ الناجم عن الممارسات السيئة للتخلص من النفايات، ترتفع التكلفة إلى 361 مليار دولار. وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن إدارة وتدبير النفايات، بحلول سنة 2050، يمكن أن تتضاعف هذه التكلفة السنوية العالمية تقريبا لتصل إلى مبلغ مذهل يبلغ 640.3 مليار دولار. وبذلك تدرك السلطات والبلديات والمنظمات والخبراء والاقتصاديين والمجتمع المدني بشكل متزايد الحاجة إلى وضع أنظمة لتدبير وتثمين النفايات بمختلف أنواعها لمواجهة هذه التحديات.
النفايات بالمغرب في أرقام
وبناء على أرقام ومعطيات رسمية، فقد تجاوز حجم النفايات بمختلف أنواعها بالمغرب ما يفوق 27 مليون طن سنويا، مع استثناء النفايات الفلاحية، حيث يبلغ حجم النفايات المنزلية (DMA) بحجم بلغ 7.4 مليون طن، منها 5.8 ملايين طن في الوسط الحضري، و1.7 مليون طن بالنسبة للعالم القروي، وهو ما يعادل حوالي كيلوغرام لكل فرد يوميا في المجال الحضري، و0.5 كيلوغرام لكل فرد في المجال القروي، وحوالي 5.4 مليون طن من النفايات الصناعية (DI)، و 14 مليون طن من نفايات البناء والأوراش (DCD).
وتتوزع نسبة هذه النفايات كالتالي: 52 بالمئة نفايات البناء والاوراش، وحوالي 28 بالمئة من النفايات المنزلية والمماثلة لها، و20 بالمئة من النفايات الصناعية، وتعتبر النفايات إشكالية كبيرة تتأثر بالتحولات المرتبطة بالنمو الديمغرافي والتوسع العمراني السريع والتغيرات في أساليب إنتاج وانماط استهلاك السكان.
وقد كلف تدبير النفايات بالمغرب سنة 2022 ما قدره 1064 مليون درهم، على الرغم من أن كبريات المدن تعاني إشكالات تدبير النفايات والتخلص من أحواض عصارة النفايات (الليكسيفيا) وروائحها التي تزكم الأنوف، وهو ما يتعارض مع الاستعداد الجيد والفعال للاستحقاقات المستقبلية الوطنية والدولية للتظاهرات الكبرى المزمع تنظيمها، حيث يجب البحث لها عن حلول جدية مستدامة، تقطع دابر العشوائية.
أكادير- رشيد فاسح