كانت الأسماء الإبداعية في مختلف المجالات: القصة، الشعر، المسرح، التشكيل.. إلى غير ذلك، حتى وقت قريب، معدودة جدا، إلى حد أنه يمكن تذكر أسمائها دون عناء، بالنظر إلى أن الساحة الثقافية كانت لا تزال بكرا، إذا صح التعبير، غير أنه في العقدين الأخيرين على الأقل، تضاعف حضور المبدعين على اختلاف اتجاهاتهم.
في هذه السلسلة، تفتح جريدة بيان اليوم، على امتداد الشهر الأبرك، نافذة للإطلالة على عوالم الأسماء البارزة الممثلة للجيل الجديد، وللإصغاء إلى انشغالاتها وطموحاتها.
الشاعر بوشعيب العصبي: الشاعر حين يبدع بصدق يصبح أكبر من الأشكال والقوالب الجاهزة
للشاعر بوشعيب العصبي ديوان شعري بعنوان “عبرت الغيمات”، كما أن له إسهامات إبداعية في مجموعة من الإصدارات الجماعية: “فسيفساء الإبداع” و”قصائد نثر مختارة” و”سرديات” وغيرها من الكتب.
كما له مساهمات نقدية في كتب جماعية كذلك، نذكر من بينها على الخصوص “بلاغة الجمهور وآفاق تحليل الخطاب وتأويله”.
**********
* كيف كان انخراطك في مجال الإبداع الأدبي؟
– انخرطت في الإبداع منذ كنت تلميذا في السلك الثانوي التأهيلي، من خلال كتابة بعض المحاولات الشعرية، التي لقيت صدى طيبا لدى أستاذ اللغة العربية المختار الوالي، الذي شجعني، مشكورا، وبمناسبة اليوم العالمي للشعر استضافت الثانوية التأهيلية الجرف الأصفر بسيدي إسماعيل الأديب عز الدين الماعزي، وألقيت أول نص شعري لي آنذاك أمام الحضور في القسم الداخلي للمؤسسة، ثم بدأت العلاقة تتوطّد أكثر بالشعر قراءة وكتابة في جامعة أبي شعيب الدكالي بتوجيه من أساتذة مسلك الدراسات العربية. كمااستفدت كثيرا من التجارب الإبداعية المحلية بوصفها نماذج إبداعية في هذا السياق، وأذكر على سبيل المثال تجربتي الدكتور الحبيب الدايم ربي، والأديب العزيز الطاهر لكنيزي.
* ماهي أهم أعمالك الإبداعية؟
– لديّ عمل إبداعي فردي وحيد وسمته بعنوان “عبرت الغيمات” وهو عبارة عن مجموعة شعرية تجمع بين الشعر العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر، مرفق بدراسة نقدية للناقد العراقي جعفر كمال. تضاف إلى هذا العمل سلسلة أعمال جماعية في الشعر والهايكو والنقد، أذكر من بينها:
“فسيفساء الإبداع”، وهو كتاب يجمع بين الشعر والقصة والزجل، قدمه الدكتور الحبيب الدائم ربي و”قصائد نثر مختارة” من تقديم الدكتور أنور غني الموسوي، إضافة إلى كتاب “سرديات”، وهو مجموعة شعرية مشتركة، قصائد نثر، صدرت في العراق قدمها للقراء الدكتور أنور غني الموسوي، و”كتاب غاليري في شعر الهايكو”، تأليف مجموعة من الكتاب، تقديم الروائي المغربي مصطفى لغتيرى.
شاركت في مجال النقد بمجموعة من القراءات في نصوص إبداعية مختلفة، ومن بين أعمالي المشتركة في هذا المجال مساهمتي في كتاب “بلاغة الجمهور وآفاق تحليل الخطاب وتأويله”، إشراف وتنسيق الدكتور عبد الوهاب صديقي، إضافة إلى مشاركتي في أعداد مجموعة من المجلات المحكّمة مثل مجلات ” الخطاب”،”دراسات”،” العلامة”، “منيرفا” التي تشرفت بالعمل مراجعا لدى هيئة تحريرها، فضلا عن النشر في الملاحق الثقافية للجرائد المغربية والعربية.
* ماهي الرسالة التي تحملها هذه الأعمال الإبداعية؟
– أعتقد أن ما تحمله أعمالي الإبداعية من رسائل، لاسيما الشعرية منها، لا يختلف عن جل الأعمال الإبداعية والفنية على اختلاف أشكالها، إذ إن محاولاتي رسائل مفعمة بالأمل والحياة والحب السلام.. تحاول أن تصل إلى القارئ ولو بعد حين، للتعبير بكل ما تتيحه الاستعارة من حرية، عن مدى حبها للإنسان، واحتجاجها ضد كل من ينتهك حقوقه وحرياته.
* ما هي الأعمال الإبداعية الأدبية التي كان لها أثر على تجربتك الإبداعية؟
– لا أستطيع أن أحدد عملا بعينه، وأقول إن هذا الكتاب كان له تأثير كبير في تجربتي الإبداعية، ولكن أرى أن كل ما قرأته من شعر ورواية وقصة، بما في ذلك الشواهد اللغوية والبلاغية في الشعر والنثر رفدت تجربتي بما هي عليه الآن. ويبقى الشعر في العصرين العباسي والجاهلي نموذجا بالنسبة لي، وهو رأي شخصي تذوقي، قد أختلف فيه مع الكثيرين، لذلك تأسرني الصورة الشعرية لدى طرفة وامرئ القيس والبحتري وأبي تمام والمتنبي، ولا أجد حرجا في قراءة نصوص هؤلاء الشعراء والاعتزاز بها.
* هل يمكن الحديث عن منحى تجريبي في إنتاجك الإبداعي؟
– بحكم تأثري بالشعر الكلاسيكي، انعكس شكله على محاولاتي، لكن أعتقد أن المضمون يحمل نوعا من التجديد في قصيدتي العمودية نفسها، من خلال توظيف معجم يمتح من الواقع المعيش، ويناقش قضايا العصر، ويتفاعل معها، إضافة إلى ابتكار صور شعرية جديدة ترتبط بالثقافة المعاصرة، ولا أخفي القارئ الكريم سرا أن الاشتراك في مجموعات شعرية على الفايسبوك في المغرب والمشرق مكنني من الانفتاح أكثر على تجريب قصيدة النثر، وشعر الهايكو، والكتابات التي تهتم بالشذرات والصور الشعرية الخاطفة، التي تستجيب لعصر السرعة الذي أعتقد أنه كان من بين الأسباب التي فرضت هذا النوع من الإبداع الوجيز والمكثف.
* كيف هي علاقتك بالتواصل الرقمي؟
– علاقتي بالتواصل الرقمي وطيدة، وأعتقد أن مجموعة كبيرة من مبدعي هذا الجيل فرضت نفسها في الساحة الأدبية بفضل عمق تجربتها أولا، وكذا بما وفره هذا العالم الافتراضي من إمكانيات للنشر والتفاعل والتواصل المباشر مع نصوص كبار الشعراء، عن طريق القراءة أو الاستماع، فنحن محظوظون جدا بما يمنحه هذا العالم الرقمي من مرونة في الوصول إلى الدواوين الرقمية للشعراء ومختلف الأعمال الفكرية والإبداعية، ولا ننكر أننا بفضل التواصل الرقمي نتلقى ملاحظات بناءة حول ما نكتب من قبل من لهم تجربة أكبر، وتشجيعات كان لها الأثر الكبير في تجربتنا الإبداعية.
* هل يمكن الحديث عن منعطف جديد في التجربة الإبداعية للجيل الحالي؟
– إضافة إلى ما يراكمه الإنسان المبدع من قراءات، وما يترسب في ذاكرته من تجارب وما يمتلكه من موهبة، يؤثر الوسط، كذلك، تأثيرا كبيرا في المنتج الشعري للشاعر أو القاص أو الروائي.. ومن ثم لا بد أن يتماشى الإبداع وروح العصر، فهناك قصائد عمودية للجيل الحالي ذات شعرية عالية، وتفوز بجوائز قيمة، لكن صورها الشعرية مستحدثة، وأسلوبها قريب من المألوف، ولا نشعر بغربتها إذا ما قورنت بقصائد التفعيلة أو قصيدة النثر؛ فالشاعر حين يبدع بصدق يصبح أكبر من الأشكال والقوالب الجاهزة، فالأفكار لا تموت، وإنما تلبس في كل عصر معاني جديدة ومناسبة.
* ما هي مشاريعك الإبداعية القادمة؟
– أحاول الكتابة كلما وجدت نفسي قادرا على ذلك، ولو أن الشعر أحيانا يتمنع، فهو يتطلب نوعا من الشغف بالقراءة المتخيرة والإنصات إلى الذات الإنسانية.
وجوابا على السؤال الأخير من هذا الحوار الهادف؛ لدي نصوص لم تنشر ورقيا؛ تجمع بين الشعر العمودي وقصيدة النثر، إضافة إلى عمل سردي، أتمنى أن تسفعني الحياة لمواصلة رحلتي الإبداعية البسيطة، ونشر كل كتاباتي للقراء.
> إعداد: عبد العالي بركات