حكم مبدئي لمحكمة الدار البيضاء: ممثل الشخص العام ملزم بتسديد غرامة عن التأخر في التنفيذ

أصدر المستشار محمد لمزوغي رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، أمرا بتحديد غرامة تهديدية شخصية في مواجهة عامل إقليم برشيد عن كل يوم تأخير في تنفيذه لحكم قضائي. الأمر القضائي الذي نشرته المفكرة القانونية، يأتي تدعيما لاتجاه القضاء الإداري في المغرب  وفي عدد من  بلدان المنطقة في إيجاد  حلول مبتكرة لمعضلة تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهة الإدارة، من خلال  إعمال الغرامة التهديدية اليومية في حق المسؤول الإداري شخصيا عوض المرفق الإداري.

ملخص القضية

تعود فصول القضية الى تاريخ 03/05/2021 حينما تقدمت مدعية بطلب أمام رئيس المحكمة الإدارية بالدار البيضاء، تعرض فيه بأنها استصدرتْ حكما قضائيا نهائيا في مواجهة عمالة برشيد يتعلق باسترجاع مأذونية نقل، إلا أن عامل الإقليم امتنع عن تنفيذه، رغم سلوك كافة الإجراءات القانونية، ملتمسة تحديد غرامة تهديدية قدرها 3000 درهم، يؤديها المدعى عليه بصفة شخصية لفائدة المدعية عن كل يوم تأخير عن تنفيذ الحكم.
وأجاب المدعى عليه بمذكرة جوابية أثار فيها عدم الاختصاص النوعي للمحكمة الإدارية للبتّ في القضية طالما أن الدعوى رفعت في مواجهة المسؤول بصفة شخصية، ملتمسا أساسا عدم الاختصاص أو عدم قبول الدعوى شكلا، واحتياطيا في الموضوع التصريح برفضه، لانعدام أساس قانوني يبيح إمكانية الحكم بالغرامة التهديدية الشخصية عن عدم تنفيذ حكم صادر في مواجهة الإدارة.

موقف المحكمة

من جهة أولى، أكّد رئيس المحكمة الإدارية اختصاص القضاء الإداري نوعيّا للنظر في الطلب اعتمادا على الحجج التالية:
< إن القول بأنّ مساءلة شخص ذاتيّ عن خطئه في اتجاه اعتباره دعوى مسؤولية شخصية للموظف الممتنع عن التنفيذ يجعل الاختصاص منعقدا للقضاء العادي وليس الإداري هو تحوير للطلب يتنافى مع المنطق السليم وروح القانون؛
< إن مسايرة التبريرات التي أثارها المدعى عليه في الدفع بعدم الاختصاص تؤدي إلى العدالة البطيئة التي تعدّ نوعا من الظلم، علما بأن السياسة العامة للدولة تعمل على مواجهة فقدان ثقة المواطن في قضائه بسبب بطء العدالة؛
< إن رئيس المحكمة الإدارية يستمد اختصاصه من القانون المنظم لإجراءات التنفيذ وهو قانون المسطرة المدنية الذي يحيل عليه القانون المحدث للمحاكم الإدارية؛
< الغرامة التهديدية سواء المرفقية أو الشخصية تعدّ من وسائل التنفيذ الجبري للأحكام القضائية.
وانطلاقا من هذه العلل، خلص رئيس المحكمة الإدارية إلى تأكيد اختصاص القضاء الاستعجالي الإداري للنظر في القضية.
من جهة ثانية، وبخصوص ما دفع به المدعى عليه بأنه يعتبر ممثلا لشخص معنوي، ولا يعبّر عن إرادته الشخصية، اعتبر رئيس المحكمة أنّ الشخص الذاتي الممثل للشخص المعنوي العام لا ينطبق عليه وصف الغير، وبالتالي يكون معنيا بالتنفيذ بصفته الشخصية، على اعتبار أن تصرفاته كشخص ذاتي هي ذاتها التي تنصرف الى الشخص المعنوي الذي لا سبيل لتفعيل إرادته باستقلال عن إرادة الأشخاص الممثلين لها. فإذا صدر عن الشخص الذاتي تجاوز للقانون لعدم اتخاذ الإجراءات الواجبة لتنفيذ حكم قضائي، فإن إهماله لاتخاذ تلك الإجراءات وما ينتج عنه من أضرار للمحكوم لفائدته ومن مسّ لسمعة القضاء وثقة المتقاضين يجعله في حكم المتعنّت، وبالتالي وجب تحميله عاقبة تعنّته بصفته الشخصية دون الاختباء وراء الشخص المعنوي الذي يمثله.
وكان مثيرا في الأمر الصادر عن رئيس المحكمة أنّه أشار إلى وجوب التمييز عند تطبيق الغرامة التهديدية بين الامتناع عن التنفيذ لأسباب ترجع للمرفق العام كعدم وجود الاعتمادات المالية اللازمة لتنفيذ حكم قضائي، والامتناع المنسوب بصفة شخصية للممثل القانوني ما دام معنيا بالتنفيذ وبإرادته المنفردة.
وفي دراسته للقضية، اعتبر رئيس المحكمة أنّ عزوف عامل الإقليم المدعى عليه، عن استقبال مأمور إجراءات التنفيذ رغم انتقال هذا الأخير اليه عدة مرات، يشكل قرينة قاطعة على أنه لا يرغب في تسجيل أيّ تصريح باسمه الشخصي لمأمور إجراءات التنفيذ، وأن ممارسة التسويف والمماطلة وعدم اتّخاذ أي موقف إيجابي بخصوص تنفيذ الحكم يتنافى مع حسن تسيير المرفق العمومي الذي يستوجب أن يكون دائما في خدمة المواطن.
وأضاف الأمر القضائي أن “امتناع المسؤول عن تنفيذ الحكم القضائي لم يراعِ الحاجة الملحة للمدعية الأرملة لاستغلال مأذونيتها التي تمنح مراعاة لوضعيتها المادية والاجتماعية”. وعليه، تكون شروط تطبيق الغرامة التهديدية الشخصية دون الغرامة التهديدية المرفقية ثابتة، على اعتبار أن الغرامة الشخصية لها دور فعال في جبر الممثل القانوني لأيّ شخص معنوي على التنفيذ وبالتالي لا ينبغي تحويلها الى الغرامة الرفقية لأن من ذلك التشجيع على عدم التنفيذ وإبقاء الحالة على ما كانت عليه مع ما ينتج عنه من إهدار للمال العام”.
وخلص الأمر في الأخير للتأكيد على أن “الأحكام القضائية تبقى واجبة التنفيذ في مواجهة الأشخاص المحكوم عليهم سواء كانوا من أشخاص القانون العادي أو من أشخاص القانون العام، ومن المفروض على أشخاص القانون العام ومن بينهم الولاة والعمال أن يسهروا أكثر من غيرهم على تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة في مواجهتهم، وأن يتعاملوا مع المكلفين بتنفيذ الأحكام بكل جدية، وأن يسهروا على احترام إجراءات التنفيذ بدون تعصب أو تعنت، على اعتبار أن من شأن ذلك المس بثقة المواطنين عامة والمتقاضين بصفة خاصة في القضاء والإدارة على حد سواء”.
وعليه، أصدر رئيس المحكمة الإدارية أمره بتحديد مبلغ 3000 درهم يؤديه العامل المدعى عليه بصفته الشخصية ومن ماله الخاص كغرامة تهديدية شخصية عن كل يوم تأخير في تنفيذ الحكم الصادر عن المحكمة موضوع الطلب.

Top