كل من يتابع ردود الفعل، وما يترتب عنها من تداعيات مختلفة قادمة من أرض الفراعنة، بعد فوز الوداد البيضاوي في نهائي عصبة الأبطال الأفريقية لكرة القدم، على حساب الأهلي المصري، إلا وينتابه الكثير من الاستغراب والحسرة في نفس الوقت، من كل هذه الهستيرية الصادرة من أناس المفروض فيهم التحلي بشيء من الرزانة والتروي والترفع والحكمة.
اتهامات باطلة وانتقادات مجانية من طرف صحفيين ومحللين وحتى “المهرجين”، وحتى من طرف مسؤولين اجتهدوا في شن حملة على الوداد وجمهوره العظيم، والمسكين الحكم الغامبي بكاري غاساما الذي رحبوا في البداية بتعيينه لقيادة مباراة العودة بالدار البيضاء، بعد أن ساهم في قيادة مصر لمونديال روسيا، إثر منحه بكثير من السخاء لضربة جزاء في الوقت بذل الضائع من المواجهة ضد الكونغو.
يومها سكت المختصون في الحملات المغرضة عن الكلام المباح، بما فيهم المحلل وائل جمعة بقناة “بي إن سبورت” الذي حرم على الوداد ما حلله على منتخب بلاده، انفعل وأزبد، ملغيا أدنى درجة الاحترام لمرافقيه في الأستوديو.
وائل هذا فجر جام غضبه متحديا كل الحضور بما فيهم المختص التحكيمي جمال الشريف، بل إنه تحدى حتى اللقطات الحية التي بثت بحضوره وأمام عينيه وبالعرض البطيء، إلى درجة أن الحكيم التونسي طارق ذياب، وبعد صمت طويل وهو يتعجب من درجة الانفعال والهستيرية التي أصابت الرجل، قال جملة معبرة “إحنا تحدثنا أكثر عن الأهلي والحكم ولم نتحدث عن الوداد وهو الطرف الفائز”.
بعض التعاليق الصادرة من أشقائنا المصريين ذهبت إلى حد التهجم عن جمهور الوداد، هذا الجمهور الظاهرة الذي تجمع كل الآراء -ومن أكثر من جهة- على أنه جمهور عظيم يشجع بطريقة مثالية، جمهور راق في دعمه، إلا أنه وصف من طرف بعض الجهات بمصر بـ “الجمهور العنيف”، إذ مارس في نظرهم العنف في حق لاعبي الأهلي .. إنها قمة الهستيرية التي أسس لها شخص غير سوي تماما، وهو رئيس الزمالك المدعو مرتضى منصور الذي يصدر عنه كالعادة كلام غريب، لا يمكن أن يصدر عن شخص متعقل.
مرتضى هذا وصف الحكم الغامبي علانية بـ “المرتشي”، وهو يتلاقى في ذلك مع لاعب في نهاية المشوار اسمه عماد متعب، الذي يبدو أن تعب من محاولة البقاء في الواجهة، ولم يعد لديه ما يقدمه على أرضية الملعب، إلا محاولة استمالة عطف الجمهور عندما أشار بعلامات الأصفار نحو الطاقم التحكيمي، وهى اللقطة التي تابعها ملايين المشاهدين عبر القنوات التلفزية بالمباشر.
ومن حسن الحظ أن هناك عقلاء ممن يتحلون بالرزانة والتحليل الموضوعي، على غرار أحمد شوبير ومعتز مطر وغيرهما من الشخصيات المؤثرة والتي تحظى بكثير من التقدير بسبب عدم مسايرتهم لتراهات أشخاص غير المتزنين أمثال مرتضى منصور ومن يسير على هديه، هذا الشخص الذي يمثل حقيقة ظاهرة صوتية مزعجة للبلاد والعباد.
فازت الوداد وأخفق الأهلي في مباراة لكرة القدم، وهذه النتيجة ليست نهاية العالم، ولا يمكن بعدها أن تلغي كل شيء، فالحياة ستستمر والعلاقة بين الشعبين المغربي والمصري ستستمر، رغم أنف المتعصبين والمهرجين، وليس مقبولا أن نعرض دائما علاقة شعبين شقيقين للتوتر بسبب مقابلة رياضية، كما سبق أن حدث في تصفيات مونديال البرازيل سنة 2014، عندما تحولت المقابلة بين منتخبي مصر والجزائر إلى مسألة حياة أو موت، لما شهدته من فصول درامي من جراء صراع فاق كل الحدود المسموح بها في مقابلة رياضية بعدما، وصلت إلى حد التهديد بقطع العلاقات بين البلدين.
إنها الهستيرية التي لا يمكن التمادي فيها، ومن حسن الحظ أن هناك عقلاء يبرزون بمواقفهم المتزنة والرزينة التي تلعب دور التوازن المطلوب، الذي يحافظ على صلابة الخيط الرابط بين الأشقاء الذي تجمع بينهم الكثير من القواسم المشتركة، التي لا يمكن أن تتأثر بلحظات تعصب عابرة تنمحي هي وأصحابها بسرعة من الذاكرة …
محمد الروحلي