حول قضية المجرم دانييل

في بلاغ الديوان الملكي الذي صدر على خلفية الضجة التي أثارتها استفادة «سفاح القنيطرة» المجرم دانييل كالفان من عفو ملكي بمناسبة عيد العرش، هناك إقرار واضح بوجود خطأ، وبأن جلالة الملك «لم يكن قط ليوافق على إنهاء إكمال دانيل لعقوبته بالنظر لفداحة هذه الجرائم الرهيبة التي اتهم بها»، وقد أمر أن يتم «فتح تحقيق معمق من أجل تحديد المسؤوليات ونقط الخلل التي قد تكون أفضت لإطلاق السراح هذا الذي يبعث على الأسف، وتحديد المسؤول أو المسؤولين عن هذا الإهمال من أجل اتخاذ العقوبات اللازمة»، وبأن التعليمات ستعطى لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله.
المطلوب اليوم إذن، هو أن يتم إجراء التحقيق الوارد في بلاغ الديوان الملكي، وإطلاع الرأي العام على سيره، وعلى نتائجه، كما أنه واعتبارا لكون المسطرة المؤطرة لممارسة حق العفو تتضمن العديد من الضوابط التي يتعين التقيد بها من قبل المؤسسات الساهرة على إعداد اللوائح المقترحة للعفو، فإن المنتظر من التحقيق هو الوقوف على المستوى الذي تم فيه ارتكاب هذا الخطأ الفادح قبل عرض لائحة العفو على النظر الملكي، وبالتالي تحديد المسؤوليات وترتيب الجزاءات اللازمة جراء ذلك.
الأمر لا يحتمل إذن الخلط وسطحية الكلام، ذلك أن المشكلة هي في ورود اسم مجرم إسباني ضمن المستفيدين من العفو الملكي من دون أن يستحقه، ولابد من التحقيق لتحديد من كان وراء هذا الخطأ الفادح وترتيب الجزاء في حقه، أما من ينطلق من هذا للحديث عن العفو باطلاقية فجة، أو لتقديم ما حدث كما لو أنه مسؤولية شخصية للملك، فرجاء «الرجوع لله».
في كثير من الدول يمتلك رئيس الدولة حق العفو، وهناك مساطر لتنظيم ذلك، وكل غباوة الكون لا تبيح الاعتقاد بأن رئيس الدولة سيقضي كل وقته في فحص لوائح السجناء جميعهم للتأكد من استحقاقهم للعفو، وإنما هناك مصالح ومؤسسات تتولى ذلك، وإذا وقع خطأ فيجب أن يتوجه التحقيق إلى هذه المؤسسات الساهرة على إعداد اللوائح، وهذا ما أعلنه بلاغ الديوان الملكي، بل وأكد أن التعليمات ستعطى لوزارة العدل من أجل اقتراح إجراءات من شأنها تقنين شروط منح العفو في مختلف مراحله.
القضية، من جهة ثانية، كشفت تحركا قويا لفئات مختلفة من الشعب المغربي للاحتجاج والتعبير عن الغضب، وهذا إيجابي، ويبرز انشغال شعبنا وشبابنا بما يمس بلادهم وصورتها الحقوقية، وما يستهدف كرامتهم، وقد تجسد هذا الزخم الاحتجاجي الشعبي في مظاهرات ووقفات شهدتها مناطق مختلفة من المملكة، وفي عرائض ومناقشات عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الانترنيت، لكن الغريب أن هذه الاحتجاجات، وخصوصا في العاصمة الرباط، قوبلت بقمع همجي من لدن قوات الأمن لم يسلم منه فنانون وإعلاميون وحقوقيون.
إن العنف المبالغ فيه الذي تعاملت به قوات الأمن مساء الجمعة في الرباط كان بلا أي مبرر أو معنى، عدا أنه إساءة متعمدة لبلادنا في وقت كان الموضوع يحضر في مختلف وسائل الإعلام العالمية، ولدى كثير من المنظمات الحقوقية الدولية والأوساط الديبلوماسية والسياسية، وهذه الرعونة تستدعي هي أيضا تحقيقا جديا لتحديد المسؤولين عنها واتخاذ المتعين في حقهم.
ليس المطلوب اليوم «تمرير» ما حدث، أو نسيانه، ولكن من شأن «فتح تحقيق معمق من أجل تحديد المسؤوليات ونقط الخلل…» أن يقود إلى طي الصفحة، والحيلولة دون استغلالها والركوب عليها لغايات أخرى.

Top