دلالات رحلة العبور بين الحضور والغياب عبر مرفإ قصيدة “غدا حين تبحث عني”

تعتبر رحلة العبور من الحضور إلى الغياب تجربة إنسانية عميقة تتناول التحولات التي يمر بها الفرد في حياته. رحلة تعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه الإنسان بين الرغبة في البقاء والتواصل، وبين حتمية الفقدان والغياب.

الحضور يمثل الحياة والفاعلية والانخراط في العالم. ويرتبط بالتجارب والعلاقات والذكريات. بينما الغياب فهو يعكس حالة الفقد والوحدة والانفصال. قد يكون غيابا جسديا أو معنويا، مثل الفراق عن الأحبة أو الانسحاب من التجارب الحياتية.

والعبور يوحي بعملية انتقال من الحضور إلى الغياب، أو العكس، وقد يتضمن صراعات وآلاما، وأيضا فرصا للنمو والتغيير.

   تأمل في العنوان: غدا حين تبحث عني

يمكن فهم العنوان كدعوة للتأمل في كيفية تفاعلنا مع الحضور والغياب في حياتنا اليومية. كيف نعيش اللحظات الحالية، وفي الوقت نفسه، كيف نستعد لتقبل الفقد والغياب؟

عنوان يوفر إطارا مثيرا لاستكشاف حالات من الوجود والفقد، بصفة عامة أي معنى للحياة.

إلا أن العنوان ترك مجالا واسعا للتأويلات والتفسيرات المتعددة.

 –  الشخصية: يمكن أن يشير الضمير “أنت” إلى شخص محدد أو إلى فكرة مجردة (مثل الحب، الحياة، الموت، الوطن..).

كلمة “غداً” تشير إلى المستقبل القريب، انتظار ما هو آت. هناك شوق وحنين مستقبليان ضمن العبارة، وكأن الشاعرة تتوقع من سيسأل عنها في المستقبل القريب.

 –  الجانب العاطفي: عبارة “حين تبحث عني” تحمل دلالة على وجود علاقة عاطفية قوية بين الشاعرة والشخص الذي تخاطبه، سواء كان ماديا أو معنويا.

هناك انتظار لاعتراف بهذا الحب أو لهذه العلاقة في المستقبل.

قد تحمل العبارة دلالة أعمق على البحث عن الذات والمعنى في الحياة. قد تكون الشاعرة تتحدث عن رحلة البحث عن الهوية أو مكانة في العالم، متوقعة أن تجد إجابات عنها في المستقبل.

دلالات العنوان:

إن عنوان القصيدة يعكس مجموعة من المشاعر المتداخلة، مثل الشوق، الحنين، الانتظار، والأمل. وهو يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الشاعر والشخص المخاطب، وحول المعنى الأعمق الذي تبحث عنه الشاعرة.

وهذا يتطلب خوض غمار التنقيب عن التفسيرات والتأويلات من خلال دلالات النص بالكامل.

فالعنوان كعتبة للنص قد لا يفي بالغرض، خصوصا الغموض الذي أحاط بالمخاطب:

هل شخص قريب جدا من الشاعرة !؟

أم فكرة تراوض خيالها!؟

أم حدث ما ترك انطباعا قويا في نفسية الشاعرة !؟.

لا شك أن الجواب قد يتوارى عن أنظارنا بداية، فالكتابة الشعرية لها من القدرة على إخفاء الحقيقة، نظرا للجوء إلى الانزياحات، والاستعارات التي تتلبس بدلالات عدة، مع قابليتها للتأويل ..

غدا حين تبحث عني

ستدرك أني هاجرت

ولن أعود،

في هذا المقطع الأول من النص، نجد دلالات قوية تعكس مفهوم الفراق والفقد الذي سيطر على مضامين النص بالكامل، فاستخدام كلمة “غدا” هنا يشير إلى انتظار الحدث، مما يضيف إحساسًا بالتشويق والترقب “حين تبحث عني”، وهذا يبين أن الفراق ليس مفاجئا، بل هو نتيجة لتراكم مشاعر وأحاسيس سابقة.

كما أن كلمة “غدا” قد تشير إلى المستقبل الغامض والمجهول.

وهذه المتلازمة التي ستكرر طيلة النص لها من الدلالات ما يخدم المعنى العام المشار إليه.

ففعل “هاجرت” يحمل دلالات عميقة تتجاوز الرحيل الجغرافي إلى هجرة المشاعر والذكريات. كما يعكس فكرة الابتعاد عن الذات والمكان، مما يعزز إحساس الفقد.

أما عبارة “ولن أعود” تعكس الحسم والإصرار على الفراق، مما يضيف عمقا للشعور بالانفصال. ويبرز عدم إمكانية استعادة الماضي، كما يعكس الألم الناتج عن هذه القطيعة.

ويمكن اعتبار هذا المقطع النتيجة الحتمية لكل ما ورد في النص، حيث يركز على الفكرة العامة للفراق..

وسنجد أن تكرار جملة “حين تبحث عني” يعكس الحاجة الملحة للبحث عن الارتباط، كما يظهر كيف أن الذكريات تبقى حية رغم الغياب. وتتمثل في البحث عن الآخر، وهذا سيعكس رحلة داخلية للذات، حيث أن الفراق يفرض على الشخص إعادة تقييم مشاعره وهويته.

وقد يكون هناك ترجيح لمعنى الهجرة النهائية من خلال التأكيد على “لن أعود”.

ولفهم المعنى بشكل أدق، يجب النظر إلى باقي سياق القصيدة كاملة حتى يتضح الخفي وراء هذا البحث عن الذات أو الآخر المتجسد في ضمير المخاطب..

غدا حين تبحث عني

بين شذا نسمات الصباح

ستداعبك فسيفساء حروفي

التي غادرت دون عودة،

ستغفو رغوة قهوتك في الفنجان

فلم يعد لها في صباحاتي مكان،

هذا الشطر يعزز فكرة الفراق والغياب، حيث لن تعود الشاعرة لتكون جزء من حياة الآخر.

وتبقى الذكريات هي القاسم المشترك بين التي سيتذكرها الشخص الآخر، والتي تشكلت عبر الزمن “فسيفساء حروفي”.

فالفسيفساء تشير إلى جمال التفاصيل الصغيرة التي تصنع الكل. وهذا ما سيؤلمه في غياب الشاعرة، ولن يبقى أمامه سوى تذكر:

” رغوة قهوتك في الفنجان” والتي ترمز إلى الحضور اليومي الذي كان يجمع الشاعرة بالشخص الآخر، إلا أن هذا الحضور صار ناقصًا بغيابها.

فتحولت بذلك الأشياء الملموسة اليومية إلى رموز تعبر عن المشاعر والأحاسيس.

لترسم الشاعرة صورة حية لمشهد الفراق، سيجعل الشخص الآخر يتخيل اللحظة التي سيفتقدها فيها، نتيجة الذكريات المشتركة للحياة اليومية التي كانا يتشاركاها سوياً، وهذا سيزيد من عمق المعاناة والألم. مستخدمة الشاعرة بذلك كافة الحواس من شم وذوق ولمس (رغوة القهوة) لجعل المشهد يبدو أكثر واقعية وحسية، ولتخلق جوا مليئا بالشجن، ومعبرا عن تجربة إنسانية عميقة تتعلق بالفقد والحنين.

غدا حين تبحث عني

في حنايا أروقة بيتك الكبير

ستجيبك ضفائر شراشف الحرير

أنها لك لن تلين ولحلمك لن تسير

فقد تبللت بسيول الوجع

ونقشت التجاعيد في تخوم الذاكرة،

بهذا ترسم الشاعرة صورة قاتمة عن الغد المنتظر، حيث ترى أن كل شيء في البيت الكبير سيشهد على غيابها وحزنها. حتى الأشياء المادية التي كانت تحمل ذكريات جميلة ستتحول إلى رموز للألم والوجع.

تعبير “البيت الكبير” يحمل دلالات متعددة في هذا السياق الشعري، منها:

–  يمثل البيت الكبير مكانا يجمع الذكريات والأحداث المهمة، ورمزا لعائلة كبيرة أو لحياة مليئة بالتجارب.

–  يوحي البيت الكبير بالشعور بالانتماء والألفة، مما يعكس الفراق الذي تعاني منه الشاعرة. فغيابها عن هذا المكان يضاعف الشعور بالفقد.

–  قد يصبح البيت الكبير مكانا للفراغ، حيث تبدو المساحات الواسعة خالية من الحياة والذكريات، مما يعكس الشوق إلى الحضور.

–  في ثقافتنا، يمثل البيت الكبير مركزا للعائلة والتقاليد، مما يعزز قيمة الروابط الأسرية بين الطرفين.

بالتالي، فـ “البيت الكبير” يستخدم كرمز قوي يعكس تعقيدات العلاقات الإنسانية، والحنين، والشعور بالانتماء في مواجهة الفراق.

وهذا ما يوسع دائرة الحزن والتوتر لتشمل كل شيء داخل البيئة المحيطة بالشاعرة، مما يفقدها نعومتها المعتادة “ضفائر شراشف الحرير”.

يشير الحرير إلى الرفاهية والجمال، مما يعكس اللحظات الجميلة التي كانت تجمع بين الشخصين.

وبإضافة العبارة إلى ضفائر، جعلها تمثل التعقيد في العلاقات الإنسانية، إذ تتشابك المشاعر بالذكريات كما تتشابك خيوط الضفائر.

وأيضا، الضفائر تدل على الزمن الذي مضى، تذكرنا بتفاصيل الحياة الماضية، وهذا ما يثير مشاعر الشوق إلى تلك الأوقات. وظهور التجاعيد، مما يعكس التجارب والألم الذي تراكم عبر السنين.

باختصار، “ضفائر شراشف الحرير” تجسد جمال العلاقات وتعقيدها، مما يعكس عمق الفراق والشوق في النص.

غدا حين تبحث عني

في ثنايا ذاك الفستان

سيتمزق على باب الصوان

سيحكي قصته لخاتمي الأبيض

وأن من لبسته دون خجل أرملة الفرح،

“الفستان” و”الخاتم الأبيض” يرمزان إلى السعادة، والجمال والحب اللذين فقدتهما الشاعرة بسبب الفراق. حيث تتخيل اللحظة التي سيجد فيها المخاطب الفستان الذي كانت ترتديه، وسيدرك من خلاله مدى الألم والمعاناة التي تعيشها.

والفستان هنا ليس مجرد قطعة قماش، بل هو شاهد على قصة حب انتهت بشكل مأساوي “أرملة الفرح” استعارة قوية تعبر عن فقدان السعادة والحياة التي كانت تعيشها الشاعرة.

غدا حين تبحث عني

بجانب الموقد الرخامي

سيردد الحطب نوتات لحن رقصتي

على كمنجات الهجر

ويذكرك

صدى صهيل دموعي على سرير الأحلام.

صور بلاغية وأحاسيس عميقة تدفقت مع سيول هذا المقطع الشعري الجديد، دون التخلي عن المتلازمة التي تتكرر مع ميلاد كل مقطع، ليزيد من ارتباط عناصر النص وفقراته.

تتضافر كل هذه الصور والمشاعر لتخلق مشهدا شعريا جديدا معبرا عن ألم الفراق والحنين إلى جمال الذكريات التي تأبى النسيان ..

لوحة للفنان جسن عين الحياة

“بجانب الموقد الرخامي” يعود إلى البيت الكبير، ويمثل الموقد مكانًا دافئا، يعكس الألفة والحنان. لكن وجوده بجانب الفراق يخلق تناقضًا بين الدفء والفقد.

لذا، استخدمت الشاعرة كلمة الحطب كرمز للماضي، حيث يتحول إلى أداة تعبير عن الذكريات والأحاسيس المدفونة. أما النوتات فتشير إلى اللحظات الجميلة التي كانت تترافق مع الرقص، مما يجسد حالة الشوق والحنين للذكريات الجميلة..

و”على كمنجات الهجر” يضيف بعدًا موسيقيا، مما يبرز الألم الناتج عن الفراق. الكمنجات بصيغة الجمع تمثل العواطف المعقدة، حيث يختلط الحزن بالجمال. على إيقاع صوت الدموع:

“يذكرك صدى صهيل دموعي”

فتصبح بذلك الأحلام مكانًا للفقد

“على سرير الأحلام”

فتبقى ذكريات الأمل في العودة محصورة في عالم الأحلام.

صورة مؤثرة لمشهد الفراق، حيث سيتخيل الآخر اللحظة التي سيفتقد فيها الشاعرة. وقد ربطت الشاعرة بين هذا الفراق والأشياء المادية التي كانت شاهدة على حبهما، والتي ستتحول الآن إلى دلالات وإشارات للألم والحزن.

غدا حين تبحث عني

في مرافئ نهر السين

سأركب اليخت القديم في النيل العظيم

ألتقي صديقتي كليوباترا الحالمة

لأتكحل من موجات كحلها الوردي

فتنمو لي رموشا لن تتبلل بعد اليوم،

الجمع بين نهر السين والنيل يرمز إلى تداخل الثقافات والتاريخ. اليخت القديم يعكس الحنين إلى زمن مضى، والعودة إلى لحظات جميلة.

شخصية كليوباترا تمثل القوة والجمال،

مما يضفي على اللقاء طابعًا أسطوريًا.

هذا اللقاء يرمز إلى البحث عن الجمال والقوة في الفراق.

الكحل يرمز إلى الجمال والأنوثة، بينما “موجات كحلها الوردي” تعكس الرغبة في استعادة الجمال الذي فقد.

“فتنمو لي رموشا لن تتبلل بعد اليوم”

لتعبر الشاعرة عن الأمل في التجديد والنمو بعد الفراق.

والرموش التي لن تتبلل تعكس قوة الشخصية وقدرتها على التغلب على الألم.

مشهد شعري يمزج بين الجمال والحنين، مما يعكس الرغبة في استعادة اللحظات الجميلة والتغلب على الفقد.

وبذلك تحاول الشاعرة جاهدة رسم صورة خيالية لمستقبلها، حتى تهرب من واقعها المؤلم إلى عالم من الأحلام والأساطير. وكأنها تريد أن تجد السلام والراحة في حضن التاريخ، وأن تتخلص من كل الآلام التي عانت ولازالت تعاني منها.

غدا حين تبحث عني

ستدرك أني هاجرت منك

عبرت الجبال المازوخية

قطعت حبل الشوق

مزقت جواز السفر

أضعت مفاتيح الحنين

فقد ركبت سفينة الأنين

في رحاب السندباد

كي لا أعود.

وهذا ما جعل مشاعر الفراق والهجرة تبرز هنا بشكل مكثف.

الهجرة هنا تمثل الابتعاد الجسدي والعاطفي.

والجبال ترمز إلى التحديات والصعوبات، بينما كلمة “مازوخية” تشير إلى الألم المتعمد، مما يعكس عمق المعاناة..

تعرف “المازوشية.. أنها اضطراب ولذة في تعذيب النفس والتعرض للتعذيب الجسدي أو النفسي أو اللفظي أو الجنسي من طرف الآخر،”

و”سميت المازوخية كذلك نسبة ليوبولد ساشر مازوخ (مازوش) الروائي النمساوي الذي اشتهر أبطال روايته بالسقوط تحت سلطة المرأة”، فالمازوخية “هي اضطراب وانحراف جنسي يدفع بصاحبه إلى التلذذ بالألم النفسي أو الجنسي أو الجسدي الذي يلحقه به الشريك.”

المازوخية الجنسية.. تعذيب للنفس أم هوس سادي؟

نور الهدى نوريانا/ مدونات الجزيرة نت 25/07/2017

وهذا ما دفع الشاعرة إلى قطع كل حبال الوصل والارتباط العاطفي: “قطعت حبل الشوق” كما يظهر الرغبة في التحرر من مشاعر الشوق والألم.

لذا استعملت كلمة جواز السفر رمزا للحياة السابقة والهوية، والعبور إلى حياة جديدة. وتمزيقه يعكس الرغبة في ترك الماضي وراءها والابتعاد عن الذكريات المؤلمة. بل مما يزيد من الشعور بالفقد والفراغ أنها أضاعت مفاتيح الشوق:

“أضعت مفاتيح الحنين”

لتخوض غمار رحلة جديدة:

“ركبت سفينة الأنين”

ولكنها تحمل طابع الألم، مما يظهر أن الخروج من الفراق ليس سهلًا.

لكن هذا لا يمنع من خوض غمار البحث عن الذات في أماكن جديدة.

“في رحاب السندباد”

والسندباد يُشير إلى المغامرة والاكتشاف دون توقف او عودة إلى الخلف:

“كي لا أعود”

تعبير نهائي يعكس التصميم على الفراق المشار إليه منذ انطلاقة النص :

غدا حين تبحث عني

ستدرك أني هاجرت

ولن أعود،

مما يبرز واقع الصراع بين الألم والحرية في آن واحد.

تجربة شعرية غنية، تعبر عن عمق الفراق والمعاناة، مع التركيز على الرغبة في التحرر من الألم والبحث عن الهوية الجديدة كيفما كان نوعها، ومن كان المقصود.

القصيدة بشكل عام تتناول موضوع الفراق والألم، وكل شطر قدم زاوية مختلفة لهذا الموضوع.

الشطر الأول يركز على الفكرة العامة للفراق؛

والشطر الثاني يركز على تأثير الفراق على الأشياء المادية؛

الشطر الثالث يركز على تأثير الفراق على المكان والذكريات؛

الشطر الرابع يتحدث عن تأثير الفراق على الأشياء الشخصية التي ترتبط بالشاعرة.

أما الشطر الأخير فانتقل بنا من المكان القريب إلى الأماكن البعيدة والأسطورية.

ليبقى النص منفتحا على العديد من القراءات والتأويلات والعوالم المتعددة.. نتيجة التضاد إلى جانب الاستعارة والتكرار والجناس بشكل مكثف، وإلى تعدد رموزه كما وضحنا سابقا، المستخدمة بكثرة في النص، للجمع بين الفرح والحزن، بين الأمل واليأس، بين الحياة والموت، بين الحضور والغياب، بين القرب والبعد. ما خلق تباينًا لافتًا للنظر.

ولفهم عمق المعنى وجمالية التعبير، كان لابد من تتبع بعض الصيغ الصرفية التي استخدمتها الشاعرة لإضفاء الموسيقى والمعنى على النص. من أبرز هذه الصيغ:

–  الأفعال: استخدمت الشاعرة أفعالًا ماضية ومضارعة تجسدت من خلالها العلاقة بين الماضي والحاضر، مما أضفى على النص حركة وديناميكية. كما استخدمت أفعالًا مجردة ومزيدة، زادت من قوة التعبير.

–  الأسماء: استخدمت الشاعرة أسماء جامدة ومؤنثة ومذكرة، مما أضاف تنوعًا إلى النص. كما استخدمت أسماء مجردة ومحسوسة، ساعدت على بناء الصور الشعرية.

–  الصفات: استخدمت صفات وصفية وتفضيلية، مما زاد من دقة الوصف ووضوح الصورة، والمقارنة بين الزمنين الماضي والحاضر ..

–  بالنسبة للحروف: نجد الحروف الزائدة والحروف المشددة، مما أثر على إيقاع الأشطر.

وقد تفننت الشاعرة في استخدام كل هذه الصيغ الصرفية بشكل ملفت، مما أدى إلى خلق نص شعري متميز ومتماسك البنيان.

 

خلاصة القول:

تعتبر قصيدة “غدا حين تبحث عني” نموذجًا للشعر الرومانسي الذي يعبر عن المشاعر والأحاسيس بعمق. وقد استخدمت الشاعرة مجموعة متنوعة من الأساليب البلاغية لبناء صور شعرية جميلة ومعبرة. كما أن المعاني التي تحملها القصيدة تتجاوز مجرد قصة حب فاشلة كما قد يعتقد البعض، بل تعبر عن تجربة إنسانية عميقة تتعلق بفقدان الحبيب، والبحث عن الهوية، والرغبة في النسيان.

                                                                                                                                  ***************************

غدا حين تبحث عني

للشاعرة كريمة نور عيساوي

غدا حين تبحث عني

ستدرك أني هاجرت

ولن أعود،

غدا حين تبحث عني

بين شذا نسمات الصباح

ستداعبك فسيفساء حروفي

التي غادرت دون عودة،

ستغفو رغوة قهوتك في الفنجان

فلم يعد لها في صباحاتي مكان،

غدا حين تبحث عني

في حنايا أروقة بيتك الكبير

ستجيبك ضفائر شراشف الحرير

أنها لك لن تلين ولحلمك لن تسير

فقد تبللت بسيول الوجع

ونقشت التجاعيد في تخوم الذاكرة،

غدا حين تبحث عني

في ثنايا ذاك الفستان

سيتمزق على باب الصوان

سيحكي قصته لخاتمي الأبيض

وأن من لبسته دون خجل أرملة الفرح،

غدا حين تبحث عني

بجانب الموقد الرخامي

سيردد الحطب نوتات لحن رقصتي

على كمنجات الهجر

ويذكرك

صدى صهيل دموعي على سرير الأحلام.

غدا حين تبحث عني

في مرافئ نهر السين

سأركب اليخت القديم في النيل العظيم

ألتقي صديقتي كليوباترا الحالمة

لأتكحل من موجات كحلها الوردي

فتنمو لي رموشا لن تتبلل بعد اليوم،

غدا حين تبحث عني

ستدرك أني هاجرت منك

عبرت الجبال المازوخية

قطعت حبل الشوق

مزقت جواز السفر

أضعت مفاتيح الحنين

فقد ركبت سفينة الأنين

في رحاب السندباد

كي لا أعود.

بقلم: سعيد محتال

Top