ذاكرة الدار البيضاء

تتواصل الأشغال الجارية في إطار مشروع إعادة تهيئة وتأهيل المدينة القديمة للدار البيضاء بغاية الرفع من مستوى الإطار المعماري للمدينة القديمة وتحقيق إدماج أفضل لها في محيطها العمراني.
وفي عمق الورش المذكور تستمر أيضا مبادرات وجهود منظمات المجتمع المدني، وحرص عدد من الفعاليات الثقافية والفنية والجمعوية والحقوقية والهندسية على صيانة ذاكرة كازابلانكا، والاحتفاء بالمكان وبالإنسان فيها.
المدن الأصيلة تصر على الحفاظ على ذاكرتها، ولا تقبل أن تكون مثل غيرها، أو مجرد مكان يشبه غيره، ويتحول إلى كتل من الإسمنت بلا روح، ويصير شاهدا على البشاعة، وعلى غياب المعنى والروح في الألوان وفي المعالم وفي المواضع..
في الدار البيضاء كثيرة هي الأمكنة العامرة بالتاريخ والحكايات وبالوجوه التي عبرتها، وعندما تصاب بالإتلاف أو تتعرض للهدم، فإن جانبا لا يعوض من ذاكرة المغاربة يرحل بلا رجعة أو أثر.
عندما نحتفي بأحياء معينة في عاصمتنا الاقتصادية، وتتحلق حولها المبادرات والبرامج، فلأن ذلك يعرض أمامنا رحلة شعبنا وتاريخه في النضال وفي الفن وفي الثقافة وفي المعمار وفي العيش وفي … الحياة.
وعندما يتركز الجهد على المدينة القديمة، فإن ذلك يعيد لمدينة المصانع والمتاجر والصفقات والفنادق والأضواء أصلها، ويرسم بداية الحكاية، ويربط الامتداد بأصله وبعمق الأشياء…
ليس الاحتفاء بالمدينة القديمة تحنيطا لها أو للأمكنة فيها أو للإنسان، إنما هو تأسيس لجعل المكان مفتوحا على التطور، والانتقال به ليكون قاطرة جر المدينة برمتها إلى المزيد من التنمية والتقدم و…الامتداد.
كازا هي وجه المغرب الحداثي، المنفتح والحاضن لكل القادمين نحوها، وتأهيلها يكون شموليا وفي كامل الزوايا حتى يكتمل المشهد.
في الدار البيضاء، برز منذ فترة عديد فاعلين من أبناء المدينة وهم يقودون مبادرات نوعية لحماية ذاكرة المكان وهويته الحضارية، ومثلت تجاربهم الجمعوية النضالية إسهاما نوعيا في التأسيس لديناميات البرامج والمسلسلات التأهيلية التي تنفذ اليوم على الأرض، وهم أيضا فاعلون فيها بالرأي وبالاقتراح وبالمساهمات الجدية في التأطير الفني والثقافي، وفي الإنجاز.
هؤلاء جميعهم يستحقون هم أنفسهم الاحتفاء، ويجب صيانة حماستهم، واستثمار تجاربهم ومعارفهم لمواصلة العمل في باقي زوايا وأماكن ومعالم هذا المكان الكبير المسمى…الدار البيضاء.
عندما نعاين المآلات التي بلغتها الدار البيضاء نتيجة غياب منتخبيها، وعندما نستعرض كل المعضلات الكبرى التي تعانيها المدينة، نقف على اختلال آخر يتمثل في أن كفاءات وطنية حقيقية من أبناء المدينة يمتلكون الخبرة والدراية والمصداقية يوجدون خارج المنظومة الديمقراطية التمثيلية.
أمثال هؤلاء المناضلين الحقيقيين الذين يقبضون اليوم على ذاكرة المدينة، بلا عمودية وبلا تفويض توقيع، يستحقون تولي شأن المدينة وأهلها، والمدينة تستحق اليوم منتخبين في مستوى موقعها الاقتصادي والمجتمعي، وفي حجم تطلعاتها التنموية والإستراتيجية.
[email protected]

Top