زلازل وكوارث هزت العالم.. -الحلقة 15-

على إثر الزلزال المدمر الذي هز تركيا وسوريا الشهر الماضي، والذي تلاه ما يزيد عن 4000 هزة ارتدادية، وهزات أخرى كانت أعنف، تعود بين الفينة والأخرى مجموعة من السيناريوهات التي تقض مضجع الناس حول ماهية هذه الكوارث وطبيعتها وكيف تحول حياة الناس بين ليلة وضحاها.

وخلال الأشهر القليلة الماضية فقط ضربت عدد من الهزات الأرضية دولا متعددة، وسجلت دول أخرى فيضانات وسيول جارفة، وأدت هذه الكوارث في مجملها لوفاة الآلاف من الناس والتأثير بشكل مباشر أو غير مباشر على الملايين بدول مختلفة.

بيان اليوم ومن خلال هذه النافذة الرمضانية، تعيد شريط مجموعة من الأحداث التي عرفتها دول مختلفة، وضمنها بلادنا المغرب، حيث هزت، بين ليلة وضحاها، كوارث طبيعية شعور الناس وشدت الانتباه إليها وخلقت حالة من التحول في مسار الملايين.

 زلزال جاوا.. الكارثة التي عمقت جراح الإندونيسيين

بعد الزلزال المدمر الذي تحدثنا عنه في الحلقة 12 والذي ضرب صبيحة يوم 26 دجنبر 2004، الساحل الغربي لشمال سومطرة في إندونيسيا، والذي تراوحت شدته بين 9.1 و9.3 على سلم ريشتر ليكون بذلك ثالث أقوى زلزال في العالم، ومن أسوأ عشر زلازل في التاريخ البشري لما كان له من خسائر مهولة على المستوى البشري والمادي، بعد هذا الزلزال ضرب زلازل أخرى وتكررت بشكل كبير في اندونيسيا.

ولم يكن زلزال سومطرة وتسونامي الذي رافقه آخر الكوارث التي تضرب هذا البلد الأسيوي الذي اعتاد على غضب الطبيعة واهتزاز الأرض وهيجان البحار المحيطة به من كل جهة، ذلك أن إندونيسيا باعتبارها بلدا أرخبيليا اعتادت على الكوارث التي يختلف تأثيرها باختلاف حجمها.

وإذا كان زلزال وتسونامي سومطرة سنة 2004 الأسوأ في التاريخ إلى حدود اليوم، إلا أن البلاد عانت من ويلات الكوارث المتتابعة، ذلك أنه بعد سنتين فقط، سيضرب زلزال مدمر آخر سواحل إندونيسيا وسيؤدي إلى خسائر مهولة، وهو ما يسمى بزلزال جاوا الذي ضرب البلاد في 2006.

تعود تفاصيل هذه الكارثة إلى 27 ماي 2006، أي أقل من سنتين على كارثة سومطرة حيث ضرب زلزال بقوة 6.4 في المحيط الهندي في جنوب الجنوب الغربي لمدينة يوجيكارتا في أندونيسيا في الجهة الجنوبية لجزيرة جاوا وحسب تقديرات المركز الأمريكي فإن مركز الزلزال يقع تقريبا 37 كيلومتر جنوب يوجياكارتا و33 كيلومترا تحت قاع البحر.

تلت الهزة الأرضية التي ضربت في صباح 27 ماي، هزات ارتدادية أخرى، جعلت ساكنة المدينة والمدن والقرى المجاورة لها في حالة ذعر وخوف، خصوصا بعد تردد كثير من المخاوف بشأن أن تكون هذه الهزات الأرضية المتتالية مؤشرا على ثوران بركان ميرابي في جزيرة جاوا الذي كان حينها نشيطا.

 وأسهمت حالة الرعب هذه في ارتباك كبير في عمليات الإنقاذ التي استمرت لفترة طويلة، حيث أن مخاوف من انفجار بركاني أدت غلى فرار عدد من الناجين خارجة الجزيرة نحو مدن أخرى، في الوقت الذي كان فيه بعض المتطوعين إلى جانب فرق الإنقاذ يعملون على إنقاذ الناجين من تحت الأنقاض.

في الساعات الأولى التي تلت الزلزال كان الحديث يقتصر عن أزيد من 100 قتيل فقط وعدد من الجرحى، لكن مع البحث في الركام والأنقاض، تبين لفرق الإنقاذ والسلطان أن حجم الكارثة كان أكبر مما تم تصوره.

بعد مرور ايام قليلة عن الكارثة ومع جهود الإنقاذ المبذولة، أعلنت السلطات عن مقتل أكثر من 5782، وجرح الآلاف الآخرين، فيما كانت تقارير لاحقة قد كشفت عن مقتل ما لا يقل عن 28 ألف و903 شخصا جراء توابع الزلزال، فيما رصدت التقارير إصابة أزيد من 137 ألف شخص، ونزوح ما يزيد عن 779 ألف شخص آخر في منطقة بانتول ومدينة يوغياكارتا.

وحول الخسائر المادية سجلت السلطات أن دمارا هائلا شمل عشرات المباني، من ضمنها مباني ومنشئات عمومية، فيما رصدت التقارير أن الزلزال  دمر أكثر من 127 ألف منزل وأدى إلى تضرر 451 ألف منزل آخر في المنطقة.

وعموما قدرت الخسائر الإجمالية بحوالي 3.1 مليار دولار، وهي الخسائر التي تعد مهولة للغاية لبلاد مثل اندونيسيا، لاسيما وأنها لم تمضي سوى عام ونصف تقريبا على كارثة سومطرة التي أودت بحياة ما يزيد عن 227 ألف شخص في 14 دولة، وأدت إلى خسائر امتدت لبلدان عديدة بآسيا وإفريقيا وأمريكا.

 

إن ما يجعل من اندونيسيا دولة زلازل هو كونها تقع تحت ما يسمى حزام حلقة النار الذي يعتبر ناشطا تكتونيا وفيه الصفائح التكتونية الضخمة تتحرك وتنزلق ببطء أعلى أو تحت الصفائح الأخرى وهو الذي يؤدي إلى حدوث الزلازل.

إلى أن ما يزيد الطينة بلة ويثير المخاوف بهذه البلاد هو كون الزلازل دائما ما ترافقها فيضانات ضخمة وتسونامي بالنظر لكونه دولة تتكون من ما يزيد عن 17 ألف جزيرة، وهو ما يجعل مراكز الزلزل دائما في البحر مما يؤدي إلى ارتفاع مستوى منسوب المياه وارتفاع الأمواج الذي يفوق في بعض الكوارث 30 مترا، كما أن الزلازل التي تضرب إندونيسيا دائما ما تؤثر حتى على البلدان المجاورة التي تصلها توابع الزلزال وتسونامي، وتتعرض هي الاخرى لفيضانات جارفة.

ستكرر فيما بعد هذه الكارثة كوارث أخرى لكنها كانت أقل حدة، ومنها زلزال سومطرة سنة 2009، والذي ضرب بشدة 7.6 على سلم ريشتر، ببادان التي تعد عاصمة لسومطرة، وأدى هذا الزلزال إلى مقتل ما لا يقل عن 1115 شخصا وإصابة 2181 بجروح.

وإلى جانب الهلع الذي أدى له نتيجة مخاوف السكان من حدوث تسونامي، فقد أدى هذا الزلزال إلى تدمير أو تضرر ما يزيد عن 181 ألف مبنى، كما أدى إلى نزوح حوالي 451 ألف شخص في بادان.

 قدر الضرر سنة 2009 بنحو 2.3 مليار دولار، وهي الخسائر التي تتكرر بقوة في كل كارثة تضرب البلاد، حيث ما تزال إندونيسيا إلى حدود اليوم تعيش على وقع الكوارث المتكررة.

وبالرغم من كون الساكنة اضحت تتعايش مع مثل هذه الكوارث المتكررة، إلى أنها وفي كل كارثة تعيش على وقع الهلع من أن يرافق هذه الكارثة كوارث أخرى تعصف بالبلاد وتعمق خسائرها البشرية والمدية على حد سواء.

< إعداد: محمد توفيق أمزيان

Related posts

Top