قدم المخرج المغربي سعد الشرايبي، أول أمس الأربعاء، العرض الأول لآخر أعماله السينمائية: “صمت الكمنجات” (100 دقيقة)، في إطار المسابقة الرسمية للدورة 24 للمهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، التي تنظم بين 11 و18 ماي الجاري.
واختار سعد الشرايبي في “صمت الكمنجات”، الاهتمام بالموسيقى، وتحديدا، فن الملحون، مستعينا بفريق يمثل مختلف الأجيال، ويتعلق الأمر بعز العرب الكغاط، وخلود البطيوي، وعادل أبا تراب، ومريم بوزيان، وأميمة الشفشاوني، وإلياس عامل.
وتابع جمهور FFICAK ، مسار الشابة حفصة المولعة بالكمان، مصورا كيف أنها تجتهد كل يوم في تعلم العزف، والاستعداد للامتحان الدولي لهذه الآلة. بيد أن رحلة تعلم الشابة حفصة للكمان لم تكن سهلة، بل شاقة، في ظل الرفض الذي كان يبديه والدها الأستاذ حمزة، وهو يدعوها إلى التركيز على الدراسة وامتحانات الباكالوريا، بدل الفن الذي لن يكون، في تصوره، مصدرا للعيش.
وبعناد الشباب، بقت حفصة مصرة على التعلم، سواء في المعهد الموسيقي أو المنزل. وصور العمل، كيف أن هذا الاهتمام الفني كان يلازم الشابة إلى داخل القسم، استنادا إلى رسم “نوتات” على دفاترها، أو الترتيب رفقة أصدقائها لحصص صقل المهارات الفنية.
وأدى هذا الاهتمام المتزايد بآلة الكمال وفن الملحون الذي وجدت جدها مهووسا به كممارس ومتلق، إلى فقدان حفصة لتركيزها على واجباتها الدراسية، وهو ما أجج غضب والدها الذي تلقى اتصالا من مدير المؤسسة يخبره بتراجع المستوى التعليمي لابنته.
وساهمت المساعدة التي قدمها الجد الحاج علال إلى بروز موهبة حفصة، نظرا للتوجيهات والنصائح التي كان يقدمها لها، إلى جانب مصاحبتها في المعهد ولقاء أستاذها المؤطر على سبيل التشجيع ومواكبة تطور أدائها عن كثب.
ونظير هذه الرعاية التي حظيت حفصة بها من قبل أستاذ فن الملحون علال، استمر والدها في حثها على التركيز أولا على الدراسة وعدم التغيب عن حصصها اليومية، تفاديا للرسوب والفشل في مسارها التعليمي.
وسيفهم المشاهد مع التقدم في تطور الأحداث، أن حمزة لم تكن له قرارات حاسمة في مسار ابنته حفصة، كونه يقطن في بيت الحاج علال والد زوجته المترجمة سعاد، إلى جانب عدم قدرته على أداء التكاليف الدراسية لحفصة التي كان يؤديها جدها أيضا.
رغم التوتر الحاد في العلاقة بين الأب حمزة والشابة حفصة والجد علال، حاولت الأم أن تكون حلقة وصل بينهم، علما أنها كانت تذكر فتاتها في كل مناسبة، بضرورة أن توازي بين تعلم الموسيقى والدراسة.
وحده الشغف وحب الموسيقى من كان يحرك حفصة، التي تربت داخل بيت الفنان الحاج علال، الذي عزف عن سماع الموسيقى بعد اختياره التوقف عن تنشيط الحفلات، أي أن صمت الآلات الموسيقية والمقاطع المسجلة بات يعم المكان، لكن الشغب الطفولي لحفصة أعاد الرجل إلى نشاطه، متناسيا الأزمة الصحية التي كان يمر بها.
ورغم الاهتمامات الموسيقية المختلفة بين الحاج علال العاشق للملحون وحفصة الأكثر قربا من المقاطع الموسيقية الكلاسيكية، إلا أن المشترك بينهما واحد. واهتم المخرج بعوالم الفن من خلال ولوج المعاهد الموسيقية، وأثاث منزل الحاج علال الذي يضم المكتبة الموسيقية والآلات وغيرها، في محاولة لنقل خصوصية الموسيقى المغربية، والاهتمام المستمر بها كتراث لا مادي.
واهتدى الحاج علال إلى وضع كل إمكانياته المادية لتنقل عنه حفصة فن الملحون، الذي يجب الحفاظ عليه بين الأجيال، فبينما كانت تستعد لاجتياز الامتحان الدولي لآلة الكمان، اقترح عليها السفر إلى مكان هادئ، ووضع رهن إشارتها أستاذا يساعدها تقنيا وفنيا في ضبط الإيقاع.
ويشير “صمت الكمنجات” إلى أن الحاج علال حقق هدفه في نقل فن الملحون إلى حفصة عبر آلة الكمان، حيث اجتازت الامتحان بنجاح، غير أنها صدمت فيما بعد بخبر وفاته، وهي في حالة صحية حرجة جراء حادث سير خطير، أدى إلى فقدانها حاسة السمع.
وداخل هذه القصة، نقل سعد الشرايبي حكايات أخرى، اهتمت أساسا بأفكار وهواجس جيل اليوم، وتقديم صورة عن عوالمه التي لها علاقة بالعالم الواقعي والافتراضي، من قبيل علاقات الحب ومساراته الصعبة بين الشباب، والتنمر، والتفكير في الهجرة، والصراع حول النجاح…
واختار سعد الشرايبي أن يقدم لنا صورة نجاح حفصة في المسار الموسيقي فقط، دون أن يقدم للمشاهد نتيجة حصيلتها الدراسية، بعد الحادث الأليم، خصوصا أن والدها أصر أيما مرة على ضرورة تركيزها ونجاحها الدراسي كذلك.
ويعد “صمت الكمنجات” ثامن عمل سينمائي طويل في مسار المخرج سعد الشرايبي، ويتعلق الأمر بفيلم “يوميات حياة عادية” (1990)، و”نساء… ونساء” (1998)، و”عطش” (2000)، و”جوهرة بنت السجن” (2003)، و”الإسلام يا سلام” (2008)، و”نساء في المرايا” (2009)، و”Les 3M، قصة غير مكتملة” (2019).
يوسف الخيدر