سيدتي الفاضلة فرنسا …

أما حان الوقت لديك يا سيدة الجمال والأناقة الأولى في العالم، أن تلتفتي إلى مرآتك، وتنظرين بعقلية الصادق الأمين، وقلب طيب وغير حاقد، على صورتك اللامعة وبشرتك الجذابة. لتدركين حقيقة ما يجري، وتعترفين علنا ودون أدنى تردد أو وصاية من جهة ما، بقيمة الأفارقة. من كانوا ولازالوا وراء كل عمليات التجميل وحصص التدليك التي تبقي على رشاقتك. وتعلنين للرأي العام الدولي، ولذريتك الفرنسية القحة، أن البصمة الإفريقية حاضرة بقوة في كل مظاهر الحياة والتنمية والاستقرار لسكان برج إيفل، الذي لم يعد يفتن السياح والزائرين. وتدركين أن الأفارقة المقيمين ومعهم الأجيال المتناسلة من التزاوج الإفريقي/الفرنسي، أكثر وطنية وحب لك سيدتي وطبعا لأوطانهم. وأن تتغذي بجرأة وصراحة أكثر، وتؤكدين أن الجريمة والإرهاب من صنع الفشل السياسي والاضطهاد الاجتماعي. مظاهر تولد وتترعرع في الهوامش، دون اعتبار للعرق والقبيلة والجنس والدين. وتتغذى من الفقر والإقصاء والإهانة و(الحكرة). وأنها مسؤولية الأنظمة والحكومات ولا علاقة لها بالشعوب إسلامية أو إفريقية أو غربية. وأنه لا دخل لها بتلك السلالات المتحورة للجنس البشري.
سيدتي الفاضلة فرنسا: أما حان للمتربعة على عرش العطور والطبخ والأزياء والدلال، أن تكشف بالأرقام والكتل، مساهمات الأفارقة في تنمية اقتصادها، وتطوير علومها وثقافاتها وفنونها، وإنعاش مجتمعها بالمبادرات والبرامج الهادفة والصادقة. وأن تدرك مدى الالتحام والحب بين الأفارقة والفرنسيين، ومدى التوازن الذي تنسجه أيادي وأدمغة الأفارقة، ومستوى التوافق الراقي والمعاشرة الطيبة، والتسامح السائد على الدوام. فأنت سيدتي مزيج من الأفارقة والفرنسيين. وهو التمازج الذي زاد من طيب عطرك، كما سما برونق أناقتك وجمالك، ورسخ تفوقك في الطبخ. لكنك رافضة للاعتراف والشكر بكل أنانية واستعلاء. وهذا لن يزيدك إلا ضررا وضعفا. وأكيد سيعجل بهرمك وسقوطك.
سيدتي الفاضلة فرنسا: أما حان لك أن تقري أنك لازلت تعتبرين الأفارقة عبيدا لك، أو على الأقل بشر من الدرجة الثانية. ما إن تقع كارثة في بلاد ما، إلا ويتهموا أنهم خلفها. فهم من نفخوا في أمواج البحار والمحيطات لتعلوا وتتحول إلى تسونامي. وهم من ولجوا باطن الأرض لتحريك الزلازل. وهم من كانوا وراء الاعتزال المبكر للنجم الفرنسي إيريك أبيدال بعد صراع طويل مع المرض. وهم من تسببوا في مرض أسطورة كرة القدم الهولندي يوهان كرويف بالمرض الخبيث. لكن الجهات الرسمية حملتها للتدخين. سيدتي أنت تعتبرين أن الأفارقة ملك لك. فكرهم وأراضيهم وقواهم وثرواتهم وعقائدهم وطموحهم وماضيهم. وخصوصا من سبق أن استعبدوا من طرفك لعقود خلت. أما حان أن تقري بأن اقتصادك مبني على استغلال وابتزاز الأفارقة. وأنك لازلت تفرضين ما تبقى لك من قوة، بعد ظهور قوى كبرى عالمية، لكي تستنزفين اقتصاد العرب. وأن بعض الأفارقة لا يجدون لك بديلا في الصناعة والتجارة والاستثمار، ولا يجدون السبيل للتخلص من لغتك الفرنسية، التي تدار بها كل إداراتهم، وجامعاتهم ومعاهدهم وفنونهم وثقافاتهم. في الوقت الذي لم تعد فيه لتلك اللغة قيمة اقتصادية ولا صناعية أمام لغات الدول العظمى (الصينية، اليابانية، الإنجليزية…).
سيدتي الفاضلة فرنسا: أما حان لك أن تبحثي في عمق عقول وقلوب الأفارقة، وأن تحللي دواخيلهم بكل صدق وموضوعية، لتكتشفي أنهم ربما أكثر وطنية من بعض الفرنسيين أنفسهم. وأنهم يرفضون ما تقوم به تلك المنظمة الإرهابية (داعش)، وغيرها من المنظمات والحركات التي تستهدف أمن واستقرار الشعوب. إن محاولاتك المتكررة لإذلال الأفارقة والتدخل في شؤونهم الداخلية. كلما سنحت لك الفرصة، بدون موجب حق أو قانون. يعتبر ضعفا بارزا في شخصيتك، وكرها مبطنا لهذه الفئة من البشر. ويقتضي أن تعرفي أن فرنسا بلا أفارقة، ستتحول إلى دمية لا روح داخلها. وأنك لن تجدي القوة للوقوف والمشي، وستشتهي القفز والعدو، ولن تجدي له سبيلا. دمية تنشط يديك ورجليك في حك باقي جسدك بقوة ولهفة غريبتين باعتماد بطاريات يتم تغييرها كلما نفذ تعبئتها. أملا في أن تعثري على ممر أو ضوء أو بصيص أمل في الحياة التي ينسجها معك الأفارقة. وستحاولين البحث في ذاكرتك وباطنك عن هوية أو هدف دون جدوى. ومع مرور الأيام والشهور ستدركين أن عمليات (الحك) التي تداومين عليها لم تكن بهدف التنقيب والبحث عن حلول لعودة بريقك وبهائك. ولكن ويا للأسف ستدركين بعد فوات الأوان أنك أصبت بكل بساطة بمرض الجرب. وأنك ستقضين أيامك في الحك الذي يفرز الحك ثم الحك. وأكيد أنك لن تفوزي بشيء. وستنتهي بتقشير جلدك وتصبحين في عزلة تامة عن أقرب أقربائك الأوربيين والأمريكيين، لأنهم يخافون من العدوى. ورغم كل ما تفعلينه في المسلمين والأفارقة، ستجدين المئات والآلاف منهم يسارعون من أجل مدك بوصفات إزالة الجرب. لأن الأفارقة والمسلمين ببساطة أناس طيبون مخلصون للسلام والحب والوفاء. وربما هذا ما ينقصكم سيدتي الفاضلة.

بقلم: بوشعيب حمراوي

[email protected]

Related posts

Top