سينماهم .. على وجوههم

عاد نواب الحزب الأصولي  للتأكيد على موقفهم المعروف من الفن وخصوصا السينما، وبلورة خطاب شعبوي يربط بين الدعم العمومي الموجه للإنتاج السينمائي، وما يسمونه المس بالقيم والأخلاق في الأفلام، ومن ثم جعل الناس يعتقدون أن الدولة تبذر ملايين المال العام من أجل دعم انتاجات تهدد قيم الأمة وإيمانها، وبالتالي وجب وقف ذلك، ولم لا محاربة هذا… المنكر. يعرف الكل أن الدعم الموجه للسينما تقرر فيه لجنة، تترأسها في كل ولاية شخصية وطنية معروفة، وهذه المرة يترأسها الأستاذ محمد العربي المساري، كما أن الدعم نفسه جاء استجابة لمطلب طالما رفعه السينمائيون أنفسهم، وتفرضه الحاجة إلى النهوض بهذا القطاع الذي يشغل العديد من الفنانين والتقنيين، وترتبط به الكثير من المهن والتخصصات، فضلا على أنه تحول، عبر العالم، إلى صناعة قائمة الذات، وبإمكانها أن تدر مداخيل وتنتج فرص شغل، واليوم مازال مطلب الرفع من الدعم وتطويره قائما وسط المهنيين ومنظماتهم التمثيلية.
من جهة ثانية، إن إيمان المغاربة وتشبثهم بهويتهم الحضارية وبمعتقداتهم الدينية، ليس بهذه الهشاشة التي يقيم الأصوليون حولها المناحات، ويطالبون كل مرة بحالة استنفار.
المسألة الثالثة، وهي عمق الموضوع، تحمل سؤالا إلى الأصوليين :
هل تقبلون أصلا بوجود سينما في البلد؟ وإذا كنتم مضطرين، وفق أسلوب التقية الذي تجيدونه، للجواب بنعم، فرجاء حددوا لنا نوع السينما التي تفضلون، وقولوا لنا، لمزيد من الفهم، هل توجد سينما في بلد ما أنتم تميلون إليها، وتريدون من المغاربة أن يمارسوها وحدها حتى يكون بإمكانهم نيل شهادة (إيزو) وتزكية جودة انتاجاتهم، ومنح مبدعينا خاتم (حلال) من لدن مشايخكم…
وقبل ذلك، فقط اسمحوا لنا بالقول إن البلدان التي أنتم معجبون بأنظمتها، أو يروج لها مفكروكم لا  سينما لديها ولا هم يحزنون، كما أن بعضها تحرم الموسيقى وباقي الفنون، مثل ما تحرم على المرأة سياقة سيارة، أو ممارسة التمثيل، أو أن ترفع صوتها بالغناء…
وحيث أن السينما ارتبط الإقبال عليها بالإقبال على الحياة، فإنها توجد في عمق الاختيارات المجتمعية، ومن هنا فالهجوم عليها وعلى مبدعيها، هو اصطفاف، في الواقع، إلى جانب اختيار مجتمعي معروف بنكوصيته وماضويته، وهنا جوهر الاختلاف.
وقريبا من موضوع السينما والفن، ما معنى الهجوم الأصولي على مهرجان العطاوية الذي يحتفي بالموسيقى الشعبية والتراثية المغربية ؟ هل فلكلورنا هو الآخر يتربص بالقيم وبالأخلاق ؟
أليس ماجرى في العطاوية دليلا على أن مهاجمة  الأصوليين للمهرجانات وللفن والفنانين، تنطلق من مرجعية فكرية ومن اختيار مجتمعي واضح ؟
المغرب اختار طريقه مجسدا في تعزيز الديمقراطية والحداثة، وفي هذه المعركة الاصطفافات واضحة…

Top