شخصيات تحجز تذكرة سفر نحو الذاكرة

محمد توفيق امزيان
في جلسة حميمية، مملوءة بالشوق للماضي، احتضنتها المكتبة الوطنية بالرباط ليلة الجمعة الماضية، عادت الذاكرة بشخصيات بارزة من الرباط وسلا إلى سنوات الثلاثينيات إبان عهد الحماية وسنوات الستينيات بعد استقلال المملكة، حيث سردت هذه الشخصيات ذكريات وحكايات وطرائف رائعة عادت بالحاضرين إلى الماضي، وإلى تراث العدوتين.
 اللقاء الذي سيره الإعلامي الصديق معنينو، والذي يدخل في إطار أيام التراث التي تحييها جمعية ذاكرة الرباط – سلا، تميز بتقديم تصورات للحاضرين عن تاريخ مجموعة من الأماكن بالرباط وسلا.
  أول من قدم خزان ذاكرته للحضور كان مولاي إسماعيل العلوي الذي عاد بالحضور إلى ذكريات حومة باب احساين بسلا، مبرزا أن التسمية الحقيقية التي كانت تطلق عليها هي بابا احساين، وهو شخص كان يقطن بالمنطقة في عهد السعديين وأخذت الحومة اسمه.
 وحكى إسماعيل العلوي عن أسلوب الحياة بالحي الذي كان من الأحياء الراقية بسلا آنذاك حيث كان يتميز بنموذج عمراني منفرد، ورونق خاص، كما أن غالبية الأسر التي كانت تقطنه هي أسر برجوازية أو تتمتع بمكانة اجتماعية.
 كما استحضر العلوي ذهابه وإيابه إلى المدرسة والأوقات التي كان يقضيها بمرح بزقاق الحي مع إخوته وتارة بين متعلمين في ورشة للنجارة، حيث لم يفته سرد مجموعة من الطرائف التي عاشها خلال طفولته في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي.
وللجالية اليهودية أيضا مكان في الذاكرة، يقول ديفيد توليدانو، رجل أعمال ورئيس الجالية اليهودية بالرباط – سلا، متحدثا عن الميعارة بسلا، حيث قال “إن العديد ممن يسمعون هذه الكلمة لا يعرفون معناها”، مشيرا بطرافة إلى أن المنطقة الوحيدة التي يعرف جميع سكانها الميعارة هم سكان سلا، مسلمون ويهود، لأن الميعارة في اللهجة اليهودية هي المقبرة”.
كما تحدث توليدانو عن عدة مواقف عاشها في فترات من الزمن، والتي توقف فيها على التعايش والتمازج الذي كان بين المسلمين واليهود بسلا وخصوصا التعاون فيما بينهم والاحترام والحب الذي جمعهما، كما حكى عدة ذكريات له مع عدة أماكن في سلا وقصص الملاح.
ومن جهته عاد عبد الكريم بناني رئيس جمعية رباط الفتح إلى دراسته بثانوية مولاي يوسف بالرباط سنوات الستينيات حيث استحضر مجموعة من الطرائف التي عاشها خلال دراسته، خصوصا وأنه تعلم آنذاك على أيدي أساتذة فرنسيين حيث عادت به الذاكرة إلى عدة مواقف طريفة مع أساتذته.
كما تحدث نور الدين اشماعو عن تاريخ ساحة باب المريسة، وعادت به الذاكرة إلى موكب الشموع الذي يقام كل سنة، مشيرا إلى أنه، في سنة 1954، حاولت فرنسا أن تنظم موسم الشموع، مدعية أن الموسم يعبر عن فرح المغاربة، فما كان من الوطنيين إلا أن تسللوا إلى الغرفة التي كانت فيها الشموع فأحرقوها، مما أغضب المستعمر وأفشل خطته. وبعد ذلك ومنذ فجر الاستقلال، يقول اشماعو، بدأ الوطنيون يحتفلون بموسم الشموع.
وتوقف المتحدث أيضا على أول مسرحية شاهدها بساحة باب المريسة بسلا حيث كانت تنظم عدة مسرحيات بالساحة، كما تناول تفاصيل تنظيم الانتخابات البرلمانية كحدث شكل بالنسبة له، آنذاك، ذكرى متفردة ميزها الإقبال الجماهيري الكبير على الساحة.
وعاد عبد الله شقرون الكاتب المسرحي إلى قضية مسيرة الشموع التي تحدث عنها نور الدين اشماعو حيث استحضر يوم اتهامه بحرق الشموع، بعد وشاية لأحد الجواسيس لدى شرطة الحماية التي استدعته للتحقيق.
كما قدم شقرون تفاصيل ضافية عن ساحة باب المريسة والإقبال الذي كانت تشهده الساحة خلال تقديمها لعدة مسرحيات، كما عادت به الذاكرة إلى ظروف الحياة في ظل الحرب، حيث كانت مدينة سلا شبة منعزلة، حتى على مستوى النقل.
وللنساء أيضا مكان في ذاكرة الرباط سلا. فقد استحضرت البتول بركاش، أستاذة الفنون التشكيلية، ذكرياتها بمؤسسة مولاي رشيد الابتدائية، حيث سردت إحدى الوقائع التي تعرضت لها رفقة مجموعة من صديقاتها في المدرسة، إذ فوجئن، بعد عطلة مدرسية صادفت العيد، بمجموعة من الفتيات اللواتي يدرسن معهن، “بدون شعر”.
قالت بركاش، في لحظة حنين دافق إلى الماضي، إن الأمر شكل صدمة لها ولصديقاتها، خصوصا وأنهن دخلن بثياب جديدة وشعر ممشوق، الشيء الذي جعلها وصديقاتها يتساءلن عن السبب، ليعلمن أن الأمر يتعلق بنزيلات لدار الأيتام.
 قررنا، تقول أستاذة الفنون التشكيلية، بنبرة قوية، التعاطف معهن بصلع رؤوسهن كذلك، الأمر الذي لم يتقبله الآباء والأساتذة. ومنذ ذلك الحين، تضيف بركاش، “نسجنا علاقات اجتماعية مع مجموعة من هؤلاء الفتيات، وأصبحت، بمعية صديقتي، نولي اهتماما كبيرا بالأعمال الخيرية ولا سيما رعاية الأيتام”.
من جانبها، توقفت المتخصصة في علم الاجتماع عائشة بلعربي في مداخلتها على القضايا النسائية في الماضي، حيث استحضرت مدى التمييز الذي كان بين المرأة والرجل، كما توقفت على قضية تعدد الزوجات حيث أشارت إلى أن معظم النساء “السلاويات” كن يرفضن تعدد الزوجات وكن يغادرن أزواجهن في حالة إقبالهم على الزواج مرة أخرى. كما استحضرت مجموعة من الأغاني الموجهة إلى الأطفال والتي كانت تتميز بتنوعها الجنسي. فمنها ما هو موجه للأطفال الذكور، ومنها الأغاني التي تستهدف البنات، حيث سردت أغنيتين مختلفتين تعود إلى الخمسينيات والستينيات تبرز النظرة التي تكنها الأم لابنتها من زاوية، ولابنها من زاوية أخرى.
يشار إلى أن هذا اللقاء الذي حضرته العديد من الهيئات السياسية والفنية والمجتمعية، يدخل في إطار برامج أيام التراث التي تنظمها جمعية الرباط – سلا الذاكرة للتعريف بتراث المدينتين والعمل على خلق إشعاع محلي ووطني لهذا التراث من أجل صيانته في الذاكرة.

Related posts

*

*

Top