كشفت وزارة الدفاع الجزائرية الإثنين أن قائد أركان الجيش الجنرال سعيد شنقريحة شرع في زيارة إلى روسيا، في أعقاب محطتين بارزتين في مسار العلاقات الجزائرية – الروسية، وهما الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون إلى موسكو في يونيو الماضي والقمة الروسية – الأفريقية.
وتلغي الزيارة آخر مسافات الأمان التي يراهن عليها الغرب لتحقيق اختراق في التقارب المتسارع بين الجزائر وروسيا، كما تبدد المناورة الجزائرية لإقناع الغرب بالحياد بينه وبين روسيا.
وتأتي الزيارة لتثير تساؤلات غربية بشأن عزم الجزائر على المضي قدما في عقد صفقة سلاح كبرى مع روسيا كان قد تم تأجيلها أكثر من مرة بسبب مخاوف من ردود فعل عنيفة خاصة من الولايات المتحدة.
وتجدّد زيارة شنقريحة إلى روسيا مخاوف وتوجس الأوروبيين والأميركيين من التعاون العسكري بين موسكو والجزائر وإمكانية إبرام صفقات تسليح جديدة بعدما خف الحديث عنها خلال الأشهر الأخيرة، ولم تكن مطروحة حتى خلال زيارة تبون إلى موسكو، بسبب الضغوط التي يُحْتمل أن الغرب مارسها على الجزائر.
وغاب الرجل الأول في المؤسسة العسكرية الجزائرية عن الوفد الرسمي الذي رافق الرئيس تبون إلى موسكو، وغاب مع ذلك الحديث حينها عن التعاون العسكري في المحادثات، مما اعتبر رسالة طمأنة من الجزائر إلى الأميركان والأوروبيين المنزعجين من التقارب بين البلدين.
لكن الزيارة الحالية تجدّد مخاوف هؤلاء، خاصة وأنها تلغي ما يعرف بمسافة الأمان التي كانوا يراهنون عليها لتحقيق اختراق في التقارب الجزائري – الروسي وتقلص فرص تحييد ولاء الحليف المهم لروسيا في شمال أفريقيا وعلى مسافة قريبة من الخاصرة الأوروبية.
ويتبادل المسؤولون الروس والجزائريون في السنوات الأخيرة زيارات رسمية لمختلف الوفود والمسؤولين في المؤسستين العسكريتين. كما أجرى البلدان عدة مناورات عسكرية بمختلف الأسلحة، كانت آخرها تلك التي جرت خلال شهر نوفمبر الماضي في محافظة بشار بأقصى الحدود الغربية، بحسب ما أعلن عنه مسؤولون روس، لكن الجزائر أعلنت عن إرجائها إلى وقت لاحق ضمن مسار تضليل الغرب والإيهام بالحياد.
وكان أعضاء في الكونغرس الأميركي قد طالبوا إدارة جو بايدن بإدراج الجزائر في خانة الدول المعادية للمصالح الأميركية وفرض عقوبات عليها، بدعوى إبرام صفقة تسليح ضخمة مع روسيا تقدر بنحو 11 مليار دولار، مما سيوفر للروس سيولة مالية تسمح لهم بمواجهة العقوبات المفروضة عليهم من طرف الغرب في إطار الحرب القائمة بين روسيا وأوكرانيا.
وبحديث البيان المقتضب لوزارة الدفاع الجزائرية عن “المسائل ذات الاهتمام المشترك”، يدرج مراقبون الأوضاع الإقليمية -خاصة في منطقة الساحل والصحراء- في أجندة المباحثات بين رأس المؤسستين العسكريتين، لاسيما بعد إعلان قيادة مجموعة فاغنر عن توجهها إلى أفريقيا وتوسعها اللافت داخل عدة دول أفريقية، خصوصا أن الجزائر تعتبر البوابة الرئيسية للقارة السمراء.
وتتزامن زيارة شنقريحة إلى روسيا مع الانقلاب العسكري في دولة النيجر التي تقتسم مع الجزائر حدودا برية تقدر بنحو ألف كيلومتر، وهو الانقلاب الذي أدانته الجزائر في بداية الأمر ثم التزمت تجاهه الصمت رغم ما يشكله من تحول وتأثير على مصالحها في المنطقة.
ومع وجود تكهنات بوقوف روسيا وراء انقلاب العسكر في النيجر، في إطار إستراتيجية قصقصة نفوذ فرنسا في أفريقيا عبر سحب البساط من تحت أقدام أنظمة سياسية موالية لها وتنصيب أخرى تجاهر بولائها للروس، فإن مراقبين لا يستبعدون أن تكون الزيارة فرصة أمام الروس لتقديم ضمانات إلى الجزائر للحفاظ على مصالحها مقابل عدم رفضها التغييرات الجارية في نيامي.
وتتجه العلاقات الجزائرية – الروسية إلى المزيد من التناغم والانسجام، مما يزيد من صعوبة تفكيكها بالنسبة إلى الغرب، ويكرس التحولات الجيوسياسية في المنطقة بشكل يصنف الجزائر في خانة القوى الموالية للمعسكر الشرقي، رغم قربها الجغرافي من أوروبا وإلحاح الولايات المتحدة على عدم الانحياز لصالح خصميها الروسي والصيني.
وجاءت هذه الزيارة لترفع كل أشكال الحرج السياسي والإستراتيجي، خاصة وأنها مرشحة لأن تفرز آليات تعاون عسكري بين الطرفين وتمهّد لإبرام صفقات تسليح، لاسيما في ظل اهتمام الجزائر بقطاع الدفاع الذي خصصت له خلال الموازنة السنوية للعام الجاري نحو 23 مليار دولار.
وتراهن القيادة السياسية في الجزائر على الاندماج السريع في المعسكر الشرقي، وعلى العلاقات الانتقائية مع العواصم الأوروبية، حيث أبانت عن رغبة جامحة في الولوج إلى مجموعة بريكس، وقدمت مليارا ونصف مليار دولار كمساهمة في بنك المجموعة، كما أبرمت اتفاقيات مهمة مع الصين تقدر بنحو 36 مليار دولار.
وأعربت عن توسيع تعاونها العسكري من مجال التسليح إلى التكنولوجيات الفضائية والنووية والصناعات العسكرية مع موسكو وبكين، في حين تراهن على إيطاليا والبرتغال كشريكين أوروبيين لتعويض علاقاتها السابقة مع فرنسا وإسبانيا.
والزيارة التي يقوم بها رئيس أركان الجيش الجزائري إلى موسكو بدعوة من وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، هي الثالثة منذ شغله منصب قائد الأركان في نهاية عام 2019، خلفا للجنرال الراحل أحمد قايد صالح.
وذكر بيان صادر عن وزارة الدفاع الجزائرية أن هذه الزيارة “تندرج في إطار تعزيز التعاون بين الجيش الوطني الشعبي والقوات المسلحة الروسية، وستمكن الطرفين من التباحث حول المسائل ذات الاهتمام المشترك”.