عرف فضاء المدينة القديمة بالدار البيضاء يوم الإثنين 17 شتنبر 2018، عرض مسرحية «صندوق الفراجة» وهي أول تجربة لفرقة «مدينة آرت» من الجديدة ضمن مسرح الشارع.
المسرحية من إخراج بوشعيب السماك وتشخيص هاجر الشركي، زهير أيت بن جدي، بدر الدين هوطار، سعيد محسن.
تستعرض المسرحية في طابع فرجوي محض قصة بسيطة التركيب حيث أننا أمام مجموعة من البهاليل (ولاد بويا رحال) يقدمون فرجتهم المعهودة في الثقافة الشعبية المغربية والمتمثلة في ملاعبة الثعابين وشرب الماء المغلي.. ويحصل أن يتم اختيار إحدى المتفرجات، وهي امرأة منقبة، لمعالجتها من مس ثلاثة من الجن، ومن خلال مقايضتهم بالخروج يشترطون تقديم فرجات شعبية كالتبوريدة والمشاوشة (مصارعة تقليدية مغربية).
لقد استثمر المخرج، في صياغته للعرض المسرحي، عدة أشكال فرجوية، مما يثير المتفرج العادي أو المتتبع المتخصص، حيث يثيرك الإيقاع السريع للمسرحية وتتابع الفرجات التي لا تترك للمتفرج فراغا للتساؤل، ويبدو أننا أمام خيار إخراجي وجمالي يركز على فكرة الأدائية عوض الثبات في التشخيص الدرامي.
يستند البناء البصري للعرض المسرحي على قطبين أساسيين: التشكيل السينوغرافي والتشكيل الجسدي، أما بالنسبة للتشكيل السينوغرافي فقد ركز أساسا على دور الزي المسرحي حيث يوظفه المخرج انطلاقا من مفهوم أساسي، فهو ذلك «اللباس الذي تم التفكير فيه (pensé) والذي يلبسه الممثل على الركح… له وظيفة مثيرة وعلى المتفرج أن يتعرف مباشرة على الشخصية التي لم يرها أبدا»(1). لقد تم استثمار فكرة الزي بطريقة مثيرة، فإذا كانت فكرة الإلباس تخص الممثل / المؤدي عموما لتغريب جسده فنحن هنا أمام تغريب كل ما هو معتاد، فبالإضافة لجسد الممثل هناك «جسد» «وسيلة النقل» (2) التي لعبت دورا حاسما في بناء الفضاء الدرامي فقد تم تغليفها بثوب صوفي مزركش لعله يحيل «للجلابة المغربية».. أما الممثلون فقد تم تحييد أجسادهم عبر ملبوس أسود ملتصق بالجسم يفيد الستر ليتم إضافة قطع أخرى صوفية مرزكشة لتغريب جسد المؤدي وخلق التلاؤم السينوغرافي مع وسيلة النقل خلفهم. إن مسلسل تغريب جسد الممثل وجعله أداة فرجوية بامتياز اكتمل باختيار تلك القطع المضافة على مستوى الصدر، الأكمام أو أسفل الجسد في شكل تنورة (jupe)، حيث أنها نفت التمييز الجنسي (رجل أو امرأة) وهذا ما جعل من الممثلين أجسادا تؤدي فرجة فحسب، فألغيت لدى المتلقي فكرة تمييز جنس المؤدي الماثل أمامه ليركز في الفرجويات المتتابعة أمامه.
لقد استخدمت مسرحية «صندوق الفراجة» أشكالا فرجوية أخرى تعدت الإبهار السينوغرافي المعتاد (ديكور، أكسسوار، أزياء..) إلى استثمار وسيلة النقل أو صندوق الفرجات والذي خرج منه هؤلاء البهاليل (الممثلون) مع بداية المسرحية ليفاجئ المتفرج بكون «وسيلة النقل» حاملة في سقفها مجموعة من الكراكيز وهم أولئك الجن الذين يشكلون عقدة الحدث الدرامي.
يقول جواد الأسدي: «أيها الممثلون إما أن تعتلوا خشبة المسرح كقديسين أو اتركوا المسرح للعرائس تحتله لتنفي وجودكم الساكن»(3)، إن المتأمل في هذه القولة الوازنة يكاد يجدها حجر زاوية التصور الجمالي لهذا العرض المسرحي، حيث يبدو وكأننا أمام تحد بصري بين جسد الإنسان وجسد الدمية، وهو تحد له أساسه الدرامي في صراع (ولاد بويا رحال) مع الجن، ولا يخفى أن استحضار هذا الموروث الثقافي المغربي وما تحمله تيمة المقدس كانت بمثابة الامتحان العسير لمجموع فرجات «صندوق الفراجة»؛ غير أن النتيجة البصرية كانت مطمئنة حيث تجاوز المتفرج طقس التقديس لصالح طقس الفرجة المسرحية التي أبانت عن حنكة المؤدي وقدرته على استحضار المقدس ونفيه في آن واحد لصالح الفرجة، ويظهر هذا في الغرض المسرحي المستعمل من ثعابين بلاستيكية و»مقاريج»(4) لا يبدو عليها أثر دخان حارق.
لقد انضافت للجماليات السينوغرافية جماليات جسدية مهمة في سياق عرض فرجات المسرحية وخاصة ديناميكية الجسد المدهشة والتي كان لها دور في تأثيث الفضاء وخلق إيقاع المسرحية.. وإذا كان قاسم البياتلي يعرف هذه الديناميكية بأنه «يراد بها الحركة الداخلية التي تحدث في الجسد العضوي (تحت الجلد) وتظهر في الحركة المرئية من الخارج»(5)، فقد تم رصد مثال مقارب لكنه يختلف عن المقاييس التي استنبط منها التعريف وخاصة نموذج الكابوكي. ففي عرض صندوق الفراجة نلاحظ بالأساس أدرمة هاته الديناميكية وخاصة حين تبهر المرأة الملثمة وهو في الأصل ملثم تم زرعه بين المتفرجين الراصد بحركات أكروباتية من قفز وغيره حيث تكسر المنتظر الطبيعي في شكل طقس الجذبة لتأتي الحركة المرئية مخالفة لما نظنه يحدث تحت الجلد.
لقد عبرت مسرحية «صندوق الفراجة» عن نموذج مبتكر من صيغ الفرجة المسرحية المفتوحة أو تلك المنضوية تحت اسم مسرح الشارع حيث أنها استثمرت نموذجا من الموروث الشعبي في سياق يحترم الدراما ولا يبقى حبيسا لها، فأبدع في تجميع فرجات متعددة وعرضها في سياق رائق.
> بقلم: أسامة السروت
الإحالات والهوامش:
> مادة costume في معجم المسرح لميشال ألبين، وقد تم ترجمة عبارة «fonction curieuse» بعبارة وظيفة مثيرة لكون كلمة «فضولية curieuse « لا تفيد المعنى المقصود.
> تم استخدام وسيلة النقل المعروفة بالهوندا وهي مخصصة عادة لنقل الحمولات الصغيرة
> جواد الأسدي (المسرح والفلسطيني الذي فينا) دائرة الثقافة والأهالي، 1992 ص122
> مقاريج وهي الأواني النحاسية التي تستخدم لغلي الماء وتكون متضمنة في الغالب لمصدر حراري «مجمر» أسفلها ليشكل هذا التركيب وحدة يقوم المؤدي باستخدامه في حركات أكروباتية في طقس الجذبة المعروفة.
> قاسم البياتلي في مادة ديناميكية الجسد من كتاب مفاهيم ومصطلحات مسرحية، طبعة 2013، كوردستان العراق.