عبد العزيز ثلاث: اتفاقية الأقصر بمصر تروم الدعم المتبادل للسينما الإفريقية وتقاسم المعلومات والخبرات

تم، مؤخرا، توقيع اتفاقية شراكة بين مهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية، في شخص عبد العزيز ثلاث مدير الإعلام والتواصل، وعزة الحسيني مديرة مهرجان الأقصر بمصر، وذلك على هامش الدورة 13 من مهرجان الأقصر.
ومن جهة أخرى، وقع عز الدين كريران مدير المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، وأحمد حسني رئيس مهرجان تطوان للسينما المتوسطية، اتفاقية أخرى. وفي هذا الصدد، يبسط عبد العزيز ثلاث في حوار مع جريدة بيان اليوم مضامين الشراكتين، وما يشكلانه من امتداد محلي ووطني وقاري لمهرجان خريبكة للسينما الإفريقية، باعتباره معلمة ثقافية ودبلوماسية موازية. فيما يلي تفاصيل الحوار:

< وقع مهرجان خريبكة الدولي للسينما الإفريقية ومهرجان الأقصر للسينما الإفريقية اتفاقية تعاون، ما هي أهداف هذه الاتفاقية؟ > بداية، انطلق تأسيس مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية من مدينة خريبكة، بحكم أنها كانت “قاعدة” انطلاق تجارب المهرجانات السينمائية وطنيا وقاريا، وساهمت في بروز عديد أسماء مخرجين أفارقة.
لقد تابع فريق مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية هذا الموقع الذي حققه مهرجان خريبكة، قبل وضع حجر الأساس لهذا المشروع السينمائي الإفريقي بمدينة الأقصر، وذلك عبر الاطلاع على تجربة مهرجان خريبكة السينمائي عن كثب، لاكتشاف طريقة اشتغاله وتسييره، وها هو اليوم يراكم مهرجان الأقصر تجربة مهمة، تتمثل في وصوله إلى الدورة 13.
وكما تعلمون فإن المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة، الذي يقوم صناعه حاليا بإعداد الدورة 24، بات يتوفر على تجربة مهمة جعلته يمتد إلى مختلف الدول الإفريقية، وبالتالي بدأت مجموعة من المهرجانات تبحث عن الاستفادة أكثر منه، بالمقابل ظل محفزا للعديد من المدن بتأسيس مهرجانات وملتقيات سينمائية وطنيا، من هنا، أصبحت بلادنا مستوردا ومصدرا للثقافة، وهو ما يمكن أن نطلق عليه بـ”الدبلوماسية الثقافية الموازية”.
وبالتالي، حضورنا إلى جانب إخواننا في مهرجان الأقصر، أتى نزولا عند رغبتهم في تعزيز وتوثيق أواصر علاقاتنا الثنائية.
ومن أهداف الاتفاقية بين مهرجان خريبكة والأقصر، العرض المتبادل للأفلام وتقاسم المعلومات والمطبوعات، وإقامة بانوراما خاصة للسينما المغربية والمصرية في المهرجانين، فضلا عن دعوة المخرجين من المغرب ومصر لكل من المهرجانين وممثل عن إدارة كل مهرجان خلال كل دورة، ووضع شعار التظاهرتين في المطبوعات الخاصة بكل منهما، وعرض فيلم قصير عن الأنشطة التي ميزت كل دورة من المهرجانين.
وتعد هذه الاتفاقية امتدادا لاتفاقيات سينمائية أخرى، من قبيل الإعلان عن تأسيس “الجامعة الإفريقية للأندية السينمائية داخل القارة وخارجها” خلال سنة 2023، في إطار مهرجان واغادوغو الإفريقي للسينما والتلفزيون (بدولة بوركينافاسو)، وفكرة هذه “الجامعة” انطلقت من خريبكة فتوجت بواغادوغو (Ouagadougou).
وأتت فكرة هذا الاتحاد، بعد عقد اجتماعات موسعة باشرها مدير مهرجان خريبكة عزالدين كريرن بين مجموعة من المهرجانات الإفريقية، لإنضاج المشروع، والإعلان عن وثيقة التأسيس التي يتم الاشتغال ضمن إطارها، حاليا، بين المهرجانات الإفريقية.
وتأتي مشاركة مهرجان خريبكة للسينما الإفريقية في مختلف الأنشطة القارية، في إطار اشتغاله الدائم والمستمر منذ سنة 1977 في الشأن الثقافي الذي يحتاج إلى العمل بنفس طويل.
وللإشارة، برزت مجموعة من المحاولات التي بحثت عن الاقتراب من الشأن الإفريقي عبر السينما –وطنيا- بيد أنها أفسدت ما راكمناه من علاقات، وشوشت على هذا الإرث التاريخي، فالسينما الإفريقية تحتاج إلى من يؤمن بها ويدافع عنها ويشتغل عليها بشكل جدي، علما أننا نحن الآخرين، لم نحقق بعد، الكثير من الأشياء، نتيجة غياب الدعم والمساندة، بل يكون الجزاء أحيانا التشويش على هذه التجربة من طرف بعض الجهات.
وعلى الرغم من قوة مساهمة مهرجاننا داخل القارة، تأكيدا للحضور المغربي بالمحافل الإفريقية، استنادا إلى تحمل مسؤوليات بلجن التحكيم أو المساهمة في مداخلات أو عقد شراكات سينمائية، ذلك أننا المهرجان الوحيد بالمغرب، الذي استطاع أعضاؤه أن يفعلوا “الدبلوماسية الموازية” عبر السينما، إلا أننا لا نجد الدعم الكافي من قبل المسؤولين الرسميين. وللتوضيح أكثر، فالسينما الهوليودية مثلا، قامت بإبراز الدولة الأمريكية ونحتت اسمها في المخيال العالمي، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية ذات صيت عالمي، نظرا لدور هوليود الأساسي في ما يسمى حاليا بـ “الدبلوماسية الموازية” التي استطاعت إخضاع العديد من الشعوب قبل الدول.
أما نحن فنقوم بالدبلوماسية الموازية الناعمة منذ عديد سنوات، دون أن يعترف أحد رسميا بما نقوم به، متحملين من جيوبنا وعلى حساب عائلاتنا وانشغالاتنا، هذه المهمة الوطنية الجسيمة التي يدفعنا إليها حب البلد.

< بالإضافة إلى هذه الاتفاقية، وقعتم في مهرجان خريبكة اتفاقية، أيضا، مع مهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، ما هي مضامين هذا الاتفاق الثنائي؟ > صحيح، وقع المهرجان الدولي للسينما الإفريقية بخريبكة ومهرجان تطوان لسينما البحر الأبيض المتوسط، اتفاقية شراكة لتعزيز التعاون بين المهرجانين، وساهمت في هذه الشراكة الثنائية، المرجعية الثقافية بين المهرجانين، فالأول انبثق عن نادي الشاشة السينمائي بتطوان، والثاني عن النادي السينمائي بخريبكة، رغم وجود 10 سنوات عن ميلاد التجربتين.
والملاحظ عن المهرجانين، هو القدرة على الاستمرارية في الاشتغال، في الوقت الذي لا تقدر فيه بعض المهرجانات على الانتظامية، بل تكتفي أحيانا بتنظيم دورة واحدة فقط، وهذا يعني وجود نفس سينيفيلي مناضل بخريبكة وتطوان.
وأرى أن السينما الإفريقية، سينما مناضلة، ومهرجان خريبكة وتطوان أسسه مناضلون سينيفيليون، وتجدني أحيانا جد مندهش لهذه القدرة على الاستمرار في واقع غير عادل، حيث عشنا فترات مجحفة في بعض السنوات، بفعل التدبير المحلي والوطني، وعلى فكرة، كنت أكتب –في إطار التقييم- نهاية كل دورة من دورات مهرجان خريبكة عبارة: “لا ندري ما هي العاصفة، لكننا ننحني لتمر، وننطلق من جديد”.
وبفعل الجذور التاريخية الممتدة بين مهرجان خريبكة وتطوان، جاءت فكرة وضع اتفاقية شراكة فيما بيننا، نظرا لوجود بعض الإكراهات التنظيمية، المتعلقة بتاريخ تنظيم الدورة التي تكون قريبة أحيانا، وتفادي تشابه البرمجة رغم أنه لم يسبق أن كانت متشابهة، لأن لكل مهرجان هويته، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى، تم الاتفاق على تفادي اختيار مشاركة نفس الأفلام، لا سيما التي تتعلق بحوض البحر الأبيض المتوسط، جهة الجنوب تحديدا، لأن الشمال لا نشترك فيه، بحكم أن الإنتاج في بحر الأبيض المتوسط جد قليل، فمثلا الجزائر لا يتعدى حجم إنتاجها السنوي فيلمين أو ثلاثة، وكذلك تونس، وانضافت إليهما مصر لأسباب معينة انعكس على حجم الإبداع لديها، لأن الأفلام التي يتم انتقاؤها للمشاركة في المهرجان لا بد أن تحترم بعض الشروط المعينة، وبالتالي، لا يمكن أن نتسابق فيما بيننا حول نفس الأفلام، لننتج نسخة كربونية لبعضنا البعض.
وفي سياق متصل، تقاسمنا الأفكار التي تشير إلى الحاجة لإصلاح القطاع، كما ناقشنا إمكانية تطوير المهرجانات، بداية بأنفسنا، وأرى أنه بعد النجاح في هذه التجربة بين مهرجان خريبكة وتطوان، يمكن العمل على تعميمها بباقي المهرجانات المغربية، والرهان أقوى على الجيل القادم لإغناء هذه التجربة التي تزيد عن 40 سنة، بحكم أن كل جيل ينظر إلى الأشياء بشكل مختلف، لكن المهم هو تحقيق الاستمرار بنفس جديد، السينما نص مكتوب بناء على رؤية تتحقق عبر الصورة.
عموما، سيحاول المهرجانان، تعزيز الإشعاع الثقافي للمغرب في إطار الدبلوماسية الفنية الموازية، وتناول تيمات مختلفة في الموائد المستديرة التي تؤثث فقرات المهرجانين، ناهيك عن الرفع من وتيرة تبادل الزيارات بين المهرجانين وتعزيز قنوات التواصل الثقافي وتبادل الخبرات، مع تشجيع حضور ممثلي كل مهرجان في فعاليات المهرجان الآخر. إذن، تبقى المرجعية الثقافية للأندية السينمائية هي الأساس الذي بني عليه هذا الاتفاق.

< هذا يعني أن تجربة الأندية السينمائية، كانت مهمة لضمان استمرار مهرجان خريبكة وتطوان.. > أكيد، تعتبر فكرة النادي السينمائي جد مهمة، فمدينة خريبكة مثلا، تتوفر على نادي سينمائي منذ سنة 1934، تم الحفاظ عليه لحدود اليوم، حيث يقيم عروضا سينمائية أسبوعية، للمساهمة في خلق القدرة على المشاهدة لدى الجمهور.
وجمهور المهرجان، ينبثق عن الجمهور الذي يتكون من الأندية السينمائية، ومقياس نجاح المهرجان يتجلى في الجمهور، وهذا الأخير، لا يستطيع الحضور إلى المهرجان إلا بعد تعلمه لمجموعة من الأدبيات والأخلاقيات داخل فضاء النادي السينمائي، بمعنى آخر، نتربى على كيفية مشاهدة العرض في طقس خاص، ونتعلم القدرة على إبداء الرأي واحترام الرأي الآخر، أي أننا نكتسب أدوات الدخول بأدب وانضباط في المجتمع.
وتعد هذه التفاصيل مهمة في إفراز شخص مفكر قادر على التعبير بحرية، وهو ما يجعلنا فيما بعد نتحدث عن ناقد سينمائي من شأنه تذوق الفيلم وتحليله، أو مخرج يمكن أن يصور عملا، وبالمناسبة، يوفر مهرجان خريبكة، تكوينات لفائدة المهتمين بالمجال، وتعرض أعمالهم في فقرة خاصة ضمن البرامج السينمائية للنادي السينمائي، بهدف تحفيزهم على الاشتغال مستقبلا على أشرطة سينمائية جديدة، ومثل هكذا مبادرات، تشكل حافزا للاستمرار والتقدم نحو الأمام.

Top