يهوي الأفغاني عبد الوهاب بمطرقة ثقيلة على قطعة معدن ساخنة لدرجة الاحمرار لتشكيلها كي تصبح جزءا من شاحنة..
راح العرق الكثيف يتصبب من وجهه الذي بدا متسخا يكسوه السخام من النار وكذلك تركيز وجدية يندر أن يرتسما على وجه طفل عمره 11 عاما. تقول الحكومة إن عبد الوهاب هو واحد من نحو 1.2 مليون طفل أفغاني يعملون دواما كاملا أو لبعض الوقت في بلد أوجدت فيه الحرب والفقر والبطالة المنتشرة على نطاق واسع وتفضيل تكوين عائلات كبيرة سوق عمل ضخمة للصغار.
وكشفت دراسة للمفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان في عام 2010 أن قطاعا كبيرا من الأطفال الأفغان البالغ عددهم 15 مليونا أي ما يصل إلى 40 في المائة من سكان البلاد يرجح انخراطهم في نوع ما من الأعمال المدفوعة الأجر. وتقول جماعات الإغاثة وحقوق الإنسان إن قوانين عمالة الأطفال يجري تجاهلها بشكل روتيني.
وفي حين يستطيع الأطفال الأفغان العمل بشكل قانوني حتى 35 ساعة في الأسبوع بدءا من سن الرابعة عشرة فليس مسموحا لهم القيام بأعمال تنطوي على خطورة مثل العمل الذي يقوم به عبد الوهاب في ورشة الحدادة التي يملكها والده في كابول.
وقال عبد الوهاب الذي تبدو كتفاه اعرض بالنسبة إلى سنه بسبب العمل البدني الذي يقوم به الحداد «أود الذهاب إلى المدرسة لكن والدي وحيد هنا لذلك يتعين علي مساعدته. «والدي لا يستطيع إطعامنا بمفرده لأن الطعام في السوق غال جدا … نحن لا نحصل على أي مساعدة من الحكومة».
وقال والده عبد الرزاق انه انتقل هو وزوجته وأطفاله الأربع إلى العيش في كابول قبل عامين من مدينة هرات بغرب أفغانستان.
وأضاف عبد الرزاق الذي يكسب نحو 1500 أفغاني (33 دولارا) في الأسبوع في منطقة باروان 3 بكابول وهي مركز لورش اصلاح السيارات «يتعين علينا العمل. لا أحب أن يعمل ابني هنا. أريده أن يذهب إلى المدرسة لكن علينا أن نعمل».
وبعد ثلاثين عاما من الصراع باتت أفغانستان واحدة من أفقر دول العالم ويشكل الأطفال فيها نصف السكان ويلقى ربع الأطفال حتفهم قبل سن الخامسة ويبلغ متوسط عمر المواطن الأفغاني 44 عاما.
ويعمل بعض الأطفال في ورش اصلاح السيارات وفي الزراعة وغزل السجاد وبيع السلع والبضائع في الشارع ويتسولون المال بمسح المركبات التي يعلوها التراب في الاختناقات المرورية المزمنة في كابول أو يجمعون العلب والزجاجات من مستودعات القمامة.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن متوسط الدخل السنوي للمواطن الأفغاني يبلغ 370 دولار في العام وان كثيرا من الأسر يتعين عليها المفاضلة بين تعليم أبنائها والدفع بهم إلى سوق العمل.
وقال نادر نادري رئيس المفوضية المستقلة لحقوق الإنسان في أفغانستان «معظمهم يبدؤون العمل من سن التاسعة ولدينا أطفال دون التاسعة يبيعون أشياء في الشارع. جزء كبير من هؤلاء الأطفال… يعولون أسرهم».
وذكر أن عمالة الأطفال لم تعد تسبب صدمة للأفغان بعد لكنها أصبحت مشكلة أساسية اجتماعيا وفيما يتعلق بحقوق الإنسان. وتقول المفوضية إن ما لا يقل عن 5ر1 مليون طفل يعولون أسرهم.
وقال نادري «إذا لم يجر التعامل مع هذه المشكلة وإذا ترك الأطفال دون تعليم فإننا ساعتها لن نطيل أمد الصراع فحسب بل سنقوض أيضا أي إمكانية للنمو والتنمية المستقبلية للبلاد».
وتحمل بيبي جول – البالغة من العمر عشرة أعوام وترتدي فستانا احمر متسخا وسروالا اخضر – حقيبة مصنوعة من الخيش لتجمع فيها الركام المعدني. وقتل والدها في حادثة بمصنع ويتعين عليها كسب المال لامها وإخوتها الأربع بدلا من الذهاب إلى المدرسة.
وقالت جول وهي تمسح انفها في غطاء رأسها الأسود «أفعل ذلك من أجل المال … أبيعه لأن والدي قتل».
ورغم توقيع أفغانستان اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل عام 1994 دعت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) الشهر الماضي إلى سن قانون شامل للأطفال الأفغان لتوفير حماية كاملة لهم.
وقال نائب رئيس الوزراء للشؤون الاجتماعية وسيل نور مهند أن الحكومة لديها شبكة عمل لحماية الأطفال وهي مبادرة مشتركة مع جماعات حقوق الإنسان تعمل في 28 من أقاليم البلاد الأربعة والثلاثين وتغطي ثلث الأطفال المعرضين للخطر وعددهم 5ر6 مليون طفل.
وأضاف مهند أن عقودا من الحرب في أفغانستان أفقدت كثيرا من الأطفال آباءهم وجعلتهم مسؤولين عن الأسرة وهو ما دفع الحكومة إلى السماح بعمالة من هم دون السن القانونية لكن ليس في الأعمال الخطيرة.
وقال مهند «شعب أفغانستان مسؤول عن تطبيق القانون. نريد أن يذهب أطفال المستقبل إلى المدرسة لا إلى العمل وهذه مسؤولية الحكومة وهذه مسؤولية أبائهم».
وقال متحدث باسم منظمة أنقذوا الأطفال إن مرونة التعليم بدرجة تسمح باستيعاب الأطفال العاملين هي إحدى سبل التأكد من أن بعض الأطفال لا يفوتهم التعليم أو برامج التدريب المهني وكذلك الموضوعات التقليدية.
وأضاف «كثير من الأطفال يذهبون إلى المدرسة … هم حقا يتعلمون القراءة والكتابة لكن لا عمل لهم وستقل فرصة حصولهم على عمل إذا لم يتمكنوا من القراءة والكتابة».
وقال إنه في حين أن وجوب تعليم الأطفال من مرتكزات الثقافة الأفغانية وفي الإسلام فقد أصبح مقبولا اجتماعيا إرسالهم إلى العمل في ظل الحالة البائسة التي باتت عليها الأسر.
وفقد أريس البالغ من العمر سبعة أعوام اثنتين من الأسنان الأمامية ويرتدي ثوبا ضيقا جدا عليه يتكون من قطعة واحده وله غطاء للرأس به مزق. ويود أن يكون معلما عندما يكبر لكنه يعمل في إصلاح السيارات منذ عامين. وقال بخجل وهو جالس أعلى الإطار الجديد لشاحنة ممسكا بمفتاح ربط «أعمل في اصلاح السيارات بشكل عام».
ويذهب إلى المدرسة من السادسة صباحا إلى التاسعة صباحا ثم يعمل ما لا يقل عن ثماني ساعات ليكسب 50 أفغانيا (دولارا) في الأسبوع ويرتدي قلادة فضية حول عنقه لوقايته من الشرور. وقال أريس الذي له أخت وثلاثة أشقاء «أحب المدرسة وأحب أن اعمل هما من اجل مستقبل أفضل».