عن حقائب إيكوميديا

الافتتاحيتان الصادرتان أمس الاثنين في كل من «لصباح» و»ليكونوميست» بقلم مدير نشرهما الأستاذ عبد المنعم دلمي قد تمثلان، دفعا بحسن النوايا، نقاشا سياسيا بين حزب يساري عريق في الساحة الوطنية يشارك في الحكومة الحالية، وإعلامي صاحب مقاولة صحفية معروفة وأستاذ جامعي برزت لديه غيرة ما على «ضمير اليسار»، وفي هذه الحالة يكون الحوار إيجابيا ومنتجا، وأيضا مساهما في إبراز التزامات الأحزاب، وكذا النخب الاقتصادية والإعلامية والجامعية تجاه المشروع المجتمعي.
سيكون من باب البلاهة حقا العودة بالحديث اليوم إلى التأكيد على قيم التقدم والاشتراكية المستمدة أصلا من تسميته ومن تاريخه ومن مواقفه التي كانت ريادية في الكثير من محطات تاريخ بلادنا، وسيكون من باب عمى الأبصار والبصيرة أن نعتبر حزبا مثل التقدم والاشتراكية بمثابة كيان ماسخ لا هوية له، ويكتفي بالجلوس في زوايا الأمكنة والأحداث ينتظر من ينقط له سلوكه السياسي من علِ.
في قضية أمينة الفيلالي، مثالا لا حصرا، لن نذكر أسماء المناضلات والمناضلين في الجمعيات وفي الأقاليم الذين كانوا في الميدان وفي الساحات، بل نلفت فقط إلى أن واحدا من قياديي الحزب البارزين، وهو النقيب الأستاذ عبد اللطيف أوعمو بادر منذ البداية إلى طرح مقترح قانون متكامل لتعديل بنود القانون الجنائي ومدونة الأسرة، والنص مودع في مجلس المستشارين، وقد تم نشره على أعمدة هذه الصحيفة كاملا، كما خصصنا له مواد كثيرة أخرى، وكتب صاحب المقترح مقالا حول الموضوع، وأعطى حوارات لعدد من الصحف الوطنية بشأن ذلك، علاوة على تدخلات الحزب في مجلس الحكومة أو في اجتماعات زعماء الأغلبية.
وفي قضية التصريحات المتعلقة بالمهرجانات الفنية تابع كل من أراد ذلك تصريحات محمد نبيل بنعبدالله وزير السكنى والتعمير وسياسة المدينة والأمين العام للحزب، ثم تصريحات وزير الثقافة، وتطرقت الكثير من الصحف والكتابات إلى موقف حزب التقدم والاشتراكية وتدخلات وزرائه.
قد يكون الأمر غير كاف برأي بعض منقطينا الجدد، وقد يكون كل هذا لم يصل إلى آذانهم، أو إلى أبراجهم، ولكن ليس معنى ذلك أنه لم يكن، كما أنه ليس مفروضا في حزب سياسي أن يطلب من كتاب الافتتاحيات رسم معالم طريقه السياسي والسلوكي، أو بلورة خارطة طريق لعمل وزرائه..
المثير للغرابة حقا، أن الحرص على «ضمير اليسار» غاب عند شن حملة مدروسة ضد وزير الصحة البروفيسور الحسين الوردي، فقط إرضاء للوبيات ما، ونفس الفقدان لحق بهذا الضمير، يوم لم ير في وزير التشغيل والتكوين المهني عبد الواحد سهيل سوى طارئ على السياسة وعلى الفهم وعلى المعنى..
إن الدفاع العجيب اليوم عن «ضمير اليسار» في الحكومة الحالية، يفرض منطقيا على الأقل متابعة مواقفه وتصريحاته، وعدم الانخراط في حملات مخدومة لتشويه وزرائه، أما التلويح اليوم بخلاصة من طيش، بأن التقدم والاشتراكية مهدد بالابتلاع، فالرد في عمر الحزب نفسه، وفي كامل مساره، أما قبول الابتلاع مقابل حقائب وزارية، فتلك انتهازية لا توجد عند الأحزاب ذات التاريخ، وربما تكون هذه التخريجة التي تنتهي إليها الافتتاحيتان دلالة علة في الذات، أوعلامة سلوك يعتقد البعض أنه بالإمكان تعميمها على الآخرين.
[email protected]

Top