تنطلق نهاية هذا الأسبوع بمراكش أشغال المؤتمر الوطني الثاني للفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، التي تمتد على مدى يومي السبت والأحد فاتح وثاني يونيو 2024..
يأتي هذا المؤتمر في سياق ثقافي وطني ودولي يتسم بتنامي الحاجة للمسرح والفنون في ظل سيادة ثقافة الموت والحرب والعدوانية، من جهة، وأمام صعود ثقافة التفاهة والتبخيس في معاداة واستصغار كل عمل منظم وجاد..
وإذا كان المسرح في العالم ومن بينه المسرح المغربي، يعرف نهضة هامة على المستوى الإبداعي والفني والجمالي، فإنه يعيش أو يكاد، أزمة وعي تنظيمي سواء لدى الفنانين أو لدى الدولة ومؤسساتها..
بالإضافة إلى ذلك، فالمسرح المغربي ومهنيوه ومؤسساته الإنتاجية والتسويقية ومنظماته التمثيلية والسلطات الحكومية الوصية على القطاع.. لازالوا جميعهم يعيشون مفارقة بين واقعين متناقضين، مفارقة يشوبها الكثير من الغموض واللبس: واقع مسرحي مغربي يشهد باضطراد نوعا من التطور والتألق الإبداعي المتجلي كما وكيفا على جميع الأصعدة في العروض والتظاهرات المسرحية بما في ذلك التتويج والتثمين داخل وخارج الوطن، وبما في ذلك أيضا المواكبة الأكاديمية والبحثية والنقدية الوازنة، مقابل واقع اللامبالاة بالوضع الاقتصادي للقطاع وتجاهل (أو جهل) الدور التنموي للفن والثقافة عموما في النسيج المجتمعي، ولاسيما ما تعكسه السياسات العمومية المتبعة في هذا المجال…
ومن دون شك، يلتئم المؤتمر الفدرالي لصناع ومنتجي العرض المسرحي المغاربة، في ظل هذه المفارقة السافرة التي اتسعت رقعتها إلى درجة أن طالت أيضا الوضع الاجتماعي والمادي للفنانين والمهنيين وخدشت وضعهم الاعتباري والرمزي في المجتمع..
فالفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، منذ تأسيسها قبل 12 سنة، وهي تحاول مقاربة العديد من الأسئلة المرتبطة بواقع الفرق المسرحية باعتبارها المؤسسات المنتجة للمسرح، أسئلة تتناسل حول مفهوم الإنتاج المسرحي في حد ذاته وسماته وخصوصياته.. وكذا طبيعة هذا الإنتاج وما يميزه عن باقي أصناف الإنتاج الأخرى، سواء من الناحية الصناعية (الصناعات الثقافية والإبداعية)، أو من الناحية التجارية (التسويق والترويج)..
وهنا ينهض سؤال مؤرق ما أكثر ما طرحناه في محافل عدة، مفاده: أمام ما تتطلبه العملية الإنتاجية في المسرح من آليات وميكانيزمات وتقنيات وأدوات في باب التنظيم والتمويل والتواصل، هل لازالت البنية الجمعوية (الفرقة) قادرة على استيعاب وتحمل الحاجيات والمتطلبات الجديدة لعملية الإنتاج في الفن المسرحي؟ نعتقد أن هذا السؤال / الهاجس سيظل قائما ما لم يتوفر، لدى الجميع، وعي عميق بضرورة إحداث وصياغة وأقول إبداع “نموذج اقتصادي” خاص بالإنتاج المسرحي تكون الهيكلة أساسه وعماده.. ولا أظن، في مغرب اليوم، أن الأمر يكتسي استعصاء ما، ما دامت القوانين المؤطرة للاقتصاد والصناعة والتجارة المعتمدة في بلادنا تتيح إمكانية التفكير، من داخلها، في سن نموذج لائق بخصوصية وطبيعة الممارسة المسرحي، بما في ذلك القوانين المرتبطة بالثقافة والفنون، كقانون الفنان والمهن الفنية، وقانون الصناعة السينيماتوغرافية، وقانون الصحافة والنشر، ومنظومة حقوق التأليف والملكية الفكرية…
أعتقد أن الانتقال من البنية الجمعوية التقليدية إلى البنية المقاولاتية العصرية، سيتيح إمكانية الولوجية إلى حلول ناجعة في سيرورة تنمية الإنتاج المسرحي؛ بل إن القانون المنظم للجمعيات بدوره في حاجة إلى مراجعة جذرية تراعي الجيل الجديد من الممارسة الجمعوية سواء في الثقافة أو التربية أو حقوق الإنسان أو التنمية أو ما شابه.. ولعل التغيير الذي طرأ على المنظومة القانونية للرياضة في بلادنا يشكل نموذجا متقدما وناجعا في التعاطي مع الرياضات لاسيما في شقها الاحترافي.. وإذن مساحة التفكير والاقتراح متاحة، يكفي فقط التشبع بقيم جديدة وتوفر الجرأة في اتخاذ المبادرة..
الفدرالية المغربية للفرق المسرحية المحترفة، منذ تأسيسها وهي تشتغل على ورش الهيكلة، واقترحت صيغا مهمة لم تنل حظها من التفاعل والتجاوب، من جميع الأطراف، (الدولة والفرق).. وأعتقد أن الفرصة مواتية اليوم للترافع بشكل أقوى في هذا الموضوع لاسيما أن الوزارة الوصية ما فتئت تروج للصناعات الثقافية والإبداعية حتى أنها وصلت إلى جد الدخول في مشاريع الألعاب الإلكترونية مع خبرات أسيوية.. لكنها، إلى جانب ذلك، مع الأسف، خنقت مسارح المغرب بغرس شاشات تعيق الخشبات وتعرقل التمثيل وتضيق مجال وفرص شغل منتجي ومهنيي المسرح..
نعتقد أنه حان الأوان للحسم في موضوع الإنتاج المسرحي وهيكلته والانتقال إلى السرعة الثانية.. فإلى العمل..
< بقلم: الحسين الشعبي