كتاب “البرلمان وحقوق والإنسان مرجعيات وممارسات” يؤكد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الإنتاج المعرفي

نظمت جمعية “عدالة” مؤخرا ندوة حول: “دور البرلمان في حماية الحقوق و الحريات” ساهم فيها الفاعل الحقوقي والسياسي الأستاذ النقيب عبد اللطيف أوعمو بمداخلة هامة خصصها لتقديم قراءة في كتاب الباحث والفاعل الحقوقي عبد الرزاق الحنوشي حول “البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات” الصادر مؤخرا. وفيما يلي النص الكامل للمداخلة :

يصدر كتاب “البرلمان وحقوق الإنسان: مرجعيات وممارسات”، للأستاذ عبد الرزاق الحنوشي، بعد مرور 10 سنوات على دستور المملكة وما تتيحه الوثيقة الدستورية من مكتسبات تعزز الحقوق والحريات، وبعد مرور 10 سنوات على ولاية المجلس الوطني لحقوق الإنسان في صيغته الدستورية الجديدة.

كما يصدر هذا الكتاب بعد مرور 10 سنوات على تبنى مبادئ بلغراد حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات (بلغراد صربيا 22- 23 فبراير 2012).

ويأتي هذا الإصدار الجديد ليؤكد الحاجة إلى مثل هذا النوع من الإنتاج المعرفي في علاقة بالمؤسسة التشريعية من جهة وفي علاقة بحقوق الإنسان من جهة أخرى.

فالكتاب ينقسم إلى شقين:

  1. الشق النظري والمرجعي، بالتعريف بمختلف المرجعيات والأدبيات المتعلقة بحقوق الإنسان في شموليتها وفي تفرعاتها المختلفة.

وفي هذا السياق يتضمن الكتاب عدة محاور تهم بالخصوص توثيق ووصف وتحليل المرجعيات والأدبيات ذات الصلة بالمنظومة الدولية لحقوق الإنسان والتعريف بالوثائق المرجعية التي تتناول موضوع البرلمان وحقوق الإنسان، بهدف التعريف بها وبالممارسات الفضلى انطلاقا مما صدر عن الاتحاد البرلماني الدولي والجمعية البرلمانية للبحر الأبيض المتوسط والمفوضية السامية للأمم المتحدة لحقوق الإنسان.

  1. الشق العملي والتطبيقي، بالتعريف بحصيلة البرلمان بمجلسيه الذي تناول مجمل ما أنجزه البرلمان في هذا المجال خلال الولاية العاشرة سواء تعلق الأمر بالتشريع (من أصل 312 نص 62 نص يهم مجال حقوق الإنسان) أو في مجال مراقبة العمل الحكومي الأسئلة الموجهة للحكومة (من أصل 000 سؤال حوالي 7000 يهم المجال الحقوقي).

كما تولى المؤلف التعريف بالمبادرات البرلمانية في مجال التفاعل مع منظمات المجتمع المدني ومع المنظمات الغير حكومية والهيئات الدولية وتحليلها.

من مميزات الكتاب:

  1. حضور لمسة الخبير الحقوقي في التحليل وضبط المعطيات

أبى الأستاذ الحنوشي إلا أن يضع مسار خبرته العلمية والمهنية في مجال حقوق الإنسان رهن إشارة الجمهور الواسع والمختص.

وذلك من خلال عدم اقتصاره في بحثه على المؤشرات الكمية، بل حضرت لمسة الخبير الحقوقي في المجهود التوثيقي المبذول لإخضاع الكم الهائل من المعطيات، لجهد نوعي في ارتباط مع مجالات التشريع التي انبثقت عن اتفاقية بلغراد بصيغتها المغربية بما فيها القضايا الخلافية كعقوبة الإعدام وغيرها.

فوضعنا بذلك أمام إصدار يؤشر على جيل جديد من الكتابات الرصينة التي ستساعد على قراءة هادئة ومتأنية للتجربة المغربية في بعدها المؤسساتي من خلال علاقة البرلمان المغربي مع مؤسسة المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

ولم يتوقف عند ضمان دستور يقر بالحقوق والحريات بل تجاوزه إلى سؤال الفاعلين وسؤال الأداء وسؤال التأهيل في علاقة بالأدوار والوظائف فيما يهم قضايا حقوق الإنسان في علاقة بالمؤسسة التشريعية.

  1. الكتاب يساهم في بناء جسور بين الفاعلين الحقوقيين والعاملين في المجال التنظيمي والتشريعي

من منطلق أن هناك:

 – حاجة لتقوية وتحسين معرفة البرلمانيين في مجال حقوق الإنسان.

– حاجة لتقوية وتحسين معرفة الحقوقيين لمجال العمل البرلمانيين.

الكتاب يساهم في تحسين صورة البرلمان والمؤسسة التشريعية والتعريف بأدائها في مجال حقوق الإنسان، بحكم أن اهتمام جزء من الفاعلين وكذا الرأي العام بمنجز المؤسسة البرلمانية ما يزال محدودا.

كما يتناول المؤلف قراءة نقدية بقصد تحسين الأداء البرلماني..

ويوفر المؤلف رصيدا مرجعيا مهما مرتبطا بالتعاون المؤسساتي من خلال توفير جرد وإحصاء هامين لعدد من التقارير والمذكرات والآراء الاستشارية واللقاءات الدراسية والندوات العلمية بمبادرة من المجلس الوطني لحقوق الإنسان أو بمبادرة مجلس النواب أو مجلس المستشارين أو بمبادرة من بعض اللجان البرلمانية الدائمة أو الموضوعاتية.

وقد ساعدت هذه الحصيلة إلى حد كبير في تجويد التشريع المغربي وتقوية الدور الرقابي للبرلمان المغربي بمجلسيه وفي دعم مجال الدبلوماسية الموازية.

  1. الكتاب يمكن من استعراض مجالات التعاون وفق مبادئ بلغراد في مجالات:

– تقديم مشورة المجلس الوطني لحقوق الإنسان من أجل مقاربة حقوق الإنسان في إنتاج التشريعات الوطنية ذات الصلة بالاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني الذي صادقت عليها المملكة أو انضمت إليها.

 – استشارة المجلس الوطني لحقوق الإنسان في مجال دراسة أثر مشاريع المعاهدات والاتفاقيات المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني والموجودة قيد المصادقة على المنظومة القانونية الوطنية وعلى التزامات المملكة في مجال حقوق الإنسان.

– التعاون والتنسيق من أجل إعداد استراتيجية لمتابعة التوصيات التي تقدمها الآليات الإقليمية والدولية المعنية بحقوق الإنسان.

– تنسيق المبادرات المشتركة في مجال الدبلوماسية البرلمانية والموازية.

– دعم المجلس لإنجاز الدراسات والأبحاث في مجال حقوق الإنسان والحريات العامة.

  1. الكتاب يساهم في التعريف بأداء المؤسسة التشريعية:

حرص الأستاذ الحنوشي على تضمين كتابه لاقتراحات وتوصيات بخصوص ترصيد العمل البرلماني في مجال حقوق الإنسان مع إدراج بعض الوثائق المرجعية الأساسية كملاحق يمكن الاسترشاد بها.

كما وفر الإمكانية السياسية والقانونية والحقوقية للبيانات النوعية والكمية للتجربة البرلمانية خلال الولاية التشريعية العاشرة.

مع الحرص على استكشاف فرص جديدة للتفكير في مجال حقوق الإنسان في كل ما يتعلق بالبرلمان وبالخصوص نحو ترصيد الجيل الجديد لحقوق الإنسان واستكشافها.(باستحضار  القضايا والإشكاليات الحقوقية الناشئة كالمقاولة وحقوق الإنسان والتحديات الحقوقية الجديدة المرتبطة بالرقمنة وحماية المعطيات الشخصية وإعمال الحق في الوصول إلى المعلومات والأخلاقيات في المجال البيولوجي والجيني نموذجا)

بعض العناصر المشجعة والمحفزة على تفعيل دور البرلمان في حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.

أولا: صدور قرار المجلس الدستوري رقم 924  بتاريخ 19 نونبر 2013  القاصي بمطابقة مقتضيات النظام الداخلي لمجلس النواب مع أحكام الدستور، والقرارين رقم 938.14 بتاريخ 14 يونيو 2014 و942.14 بتاريخ 21 يوليوز 2014 القاضيين بمطابقة مقتضيات النظام الداخلي لمجلس المستشارين مع أحكام الدستور.

ثانيا: تنصيص النظام الداخلي لمجلس المستشارين (نموذجا) على العلاقة مع مؤسسات وهيئات حماية الحقوق والحريات والحكامة الجيدة والتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية (المواد 281 إلى 284)

ثالثا: المساهمة في عملية تخصيب مبادئ بلغراد في التجربة المؤسساتية المغربية في ارتباط مع النقطتين 20 و22 من هذه المبادئ حول العلاقة بين المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان والبرلمانات، حيث تم توقيع مذكرة تفاهم بين مجلسي البرلمان والمجلس الوطني لحقوق الإنسان في 10 دجنبر 2014 ثم تحيينها في 10 يونيو 2021

رابعا: إقرار مجلس المستشارين في استراتيجيته (2015-2017) خاصة على مستوى الهدفين 1 و8 لأهداف فرعية تهم مأسسة دراسة مشاريع ومقترحات القوانين من منظور ملاءمتها مع الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب أو انضم إليها.

خامسا: إحداث وحدة لدى رئاسة المجلس مكلفة بقضايا حقوق الإنسان مهمتها تقديم الدعم التقني لمختلف أجهزة مجلس المستشارين (مكتب – فرق – لجان دائمة) في مجال ملاءمة المنظومة القانونية الوطنية مع القانون الدولي لحقوق الإنسان.

سادسا: تزايد طلبات الآراء الاستشارية الصادرة عن مجلسي البرلمان والموجهة إلى المجلس الوطني لحقوق الإنسان.

بعض العناصر المؤثرة على فعالية أداء البرلمان في حماية حقوق الإنسان.

أولا: هناك ضعف للمبادرة التشريعية للبرلمان واستمرار هيمنة السلطة التنفيذية في إعداد مشاريع القوانين وهو تعبير عن اختلال في التوازن بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، مع ضرورة تشكيل حافز كافي لتنشيط المبادرة التشريعية لكلا المجلسين.

بالنسبة للمبادرة التشريعية في المجال الحقوقي، فهي تأتى من الحكومة أساسا والهاجس الحكومي هو بالأساس أن تتناغم مع التزاماتها في بعض الاتفاقيات التي لها ارتباط بسياستها في حين ان هاجس البرلمان هو أساسا توسيع نطاق التشريع ليجعل منظومة حقوق الإنسان مرجعا شاملا لجميع التشريعات الحكومية.

ثانيا: هناك بالفعل ورش لملاءمة القوانين مع دستور 2011 والمعايير ذات الصلة، لكنه ورش متعثر.

ثالثا: تشكل حقوق الإنسان جزء من اختصاصات لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلسي البرلمان، لكن لا يكفي أن نتوفر على لجنة دائمة، إذا لم نكن نتوفر على أداة ناجعة من أجل تحليل الخطاب، ودعم حاجيات وخاصية التشريع، ليكون منسجما مع منظومة حقوق الإنسان.

فالبرلمان يحتاج إلى آلية تقنية للخبراء الذين يشتغلون باستمرار لبلورة مشاريع قوانين ومقترحات قوانين بهدف سد الفراغ وملاءمة التشريع.

بعض المداخل الأساسية لجعل البرلمان حارس حقوق الإنسان وممثل الشعب

  1. إيلاء المزيد من الاهتمام للتحمل الأفقي لحماية حقوق الإنسان في الأداء البرلماني ووضع آليات تنظيمية فعالة ومناسبة في مجال التتبع والملاءمة وقياس درجة الأثر. 
  2. تقوية الروابط وخلق تكامل مع الجهد الحمائي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان مع احترام الاختصاصات الدستورية لكل مؤسسة وتعبئة الدور الاستشاري لمؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها.
  3. خلق وحدات للدعم الإداري والتقني والقانوني على مستوى غرفتي البرلمان في مجالات الملاءمة مع التزامات المغرب بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان وفي مجال تطبيق الاختيار المنهجي لتقييم السياسات العمومية وفقا للمقاولة المرتكزة على حقوق الإنسان.
  4. استثمار وتوفير برنامج دعم اللجان البرلمانية لحقوق الإنسان الذي يقدمه الاتحاد البرلماني الدولي واستحضار التجارب البرلمانية المقارنة في المجالات ذات الأولوية (المساواة بين الجنسين، مكافحة العنف ضد النساء، حقوق المهاجرين، محاربة الإرهاب، الكرامة …)
  5. استحضار الارتباط المنطقي والعضوي بين مختلف أدوار البرلمان الدستورية (التشريع، المراقبة، تقييم السياسات العمومية، وحماية حقوق الإنسان…)
  6. وضع الميزانيات العامة للدولة من منظور حقوقي.
  7. ضرورة تمكين البرلمان من استكمال مهامه التمثيلية بما فيها الحق في مراقبة ومناقشة وتعديل الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان وتقدير الآثار وفق ما تقتضيه مصلحة البلاد.
  8. ضرورة تكوين القضاة وتجويد كفاءتهم المهنية في مجال القوانين الدولية الإنسانية ودعم قدرتهم على ترجيح القاعدة الدولية على القانون الوطني عند اتخاذ القرار وإصدار الأحكام.
  9. تفعيل الولاية التشريعية العامة.

بقلم: النقيب الأستاذ عبد اللطيف أوعمو

 فاعل حقوقي وسياسي وبرلماني سابق

Related posts

Top