كلمة محمد قاوتي المدير الفني للدورة في حفل الافتتاح

نَحُجّ مرة أخرى إلى رحابة محفل المركز الدولي لدراسات الفرجة، وهو يتماثل مع أناه، الْمُولَعِ حَدَّ الْوَلَعِ بـ «مهرجان طنجة للفنون المشهدية»؛ ولِحَجَّتِنا، كما هو حالُنا في كُل حَوْلٍ، طَعمُ ما يَنْبَجِسُ عن الاحتفاءِ الفَرِحِ بـ «سَنَةٍ أخْرَى تَنْضَمُّ إلَى تَدَانِينَا العلميِّ والمعرفيِّ والروحِيْ، مسترجعين ومستحضرين بعضًا مِمَّا ضَمَّتْ مَقاماتُ محفلِنا هذا من «وَقْفَاتٍ» علمية وفنيةْ، تَبْتَغِي الْفَحْوَى فِي الْمَعْنَى، بِمَا كان لها من أوْجُهِ الفضلِ في «وقْفتنا» على المراتبِ بِتَنَوُّعِ لُوَيْنَاتِنا ومَشارِبِنا وأهْوائِنا، حيث، وكَمَا عَبَّرْتُ عَنْ ذَلِكَ فِي السَّنَةِ الْفَارِطَةِ، كان لسانُ حالِنا ولا يزالُ يُعَبِّرُ عَمَّا يَلْتَمِعُ في الأفئِدَةِ والألْبَابْ: «بَقِيَ عِلْمٌ بَقِيَ خاطِرٌ، بَقِيَتْ مَعْرِفةٌ بَقِيَ خاطِرٌ»(1)…
نَحُجّ حجَّتَنَا الثَّالِثَةَ عَشَرَ لنُؤسس معًا أفُقًا مشتَركا لبناءٍ يَرُومَ تنميةَ الإنسان ثقافيا ووجدانيا ومعرفيا، ويُرَسِّخَ قِيَمَ الجمال التي يعمل المسرح، على الخصوص، على تَجْسِيرِهَا بين الحساسيات والجغرافيات الثقافية، خدمةً لقيم التنوير، والحداثة، والجمال، والتربية على ثقافة السلم في هذا الزمن المُهَدِّدِ للاختلافِ، الشَّاهِرِ كُلَّ أشْكَالِ الْمَحْوِ وَالإبادَةِ، ونُحَقِّقُ مَعًا، ألَقًا فِكْرِيًّا وَفَنِّيَّا مُشْرَعًا على رحابة تناسُج الثقافات، وُمْنَفتحا على مُختلف أصواتِ العالم.
وَمِنْ جِهَتِنَا، وإدْرَاكًا لهَذِهِ الْغَايَاتِ حَمَّلْنَا أنْفُسَنَا تنظيمَ المؤتمر الدولي حول كتابة طنجة وأصوات طنجة وطنجة المشهدية بدءًا، ثم مهرجان طنجة الدولي للفنون المشهدية، وذلك خلال إثنى عشر سنة متوالية، استضفنا خلالها سَبْعَ مَائَةَ وَتِسْعَةَ عَشَرَ مُشَارِكًا(719)، من سَبْعَةٍ وَثَلاَثِينَ بَلَدًا (37)، في الندوات المخصصة لأربعَ عشر مَوْضوعاتٍ؛ كما فَتَحْنَا رحاب العروض المسرحية، التجريبية منها على الخصوص، لثَلاَثَةٍ وَسِتِّينَ عَرْضًا وَفُرْجَةً (63) لِمُبْدِعِينَ يَنْتَمُون لأرْبَعَةَ عَشَرَ بَلدًا؛ كَمَا حَرِصْنَا على نشر أعمال كل ندواتِنا ضمن مصنفات جماعية، حرصا مِنَّا عَلَى الإذعان الطَّوْعِي لِوَاجِبِ الْحِفَاظِ عَلَى الذَّاكِرَةِ بِتَوْثِيقِهَا وَأرْشَفَتِهَا بِوَسَائِطَ مُحَكَّمَةٍ بلغت سِتَّةً وخمسين إصدارا، بين كُرَّاسَاتٍ، ودراسات، ونصوص مسرحية وَمَجلاَّتٍ مُتَخَصِّصَّةٍ؛ وَكَمَا جَعلْنَا من ثَقَافَةِ العرفان والتقدير رُكْنًا قَائما، لمْ نَعُدْ نَسْتسيغُ مَحْفلَنا بدونه، حيث نظمنا تكريمات لكل من محمد شكري، وحسن المنيعي، ورَانْدِي وِيتْسُنْ، وعبد الرحمن بن زيدان، ومحمد العميري، وإكرام القباج، والشيخ سيدي عبد الله شقرون، وإيريكا فِيشَرْ لِيتْشْ، ومحمد قاوتي، وثريا جبران، وعبد الحق الزروالي، ومحمد مفتاح، وجمال العبراق، ومَارْفِنْ كَارْلْسُنْ. وَعَملاً بهذه العادة الحميدة، سَنَسْعَدُ هذه السنة بتكريم الباحثة كريستَلْ فَايْلَرْ، والْكَاتِبْ محمد بهجاجي.
وجَرْيًا على عادتنا القائمة على الحوار الدائم بين المسرح وباقي فنون المدينة من جهة، والإبداع والنقد من جهة ثانية باجتراح أسئلة الإبداع والنقد، انطلاقا من الارتباط العضوي بين العروض الفنية، والندوات الفكرية، والورشات، والمعارض الموازية.
ومن فقرات هذه الدورة تقديم أحد عشر عرضا مسرحيا، وفرجويا / أدائيا من المغرب، ألمانيا، فرنسا، مصر، إسبانيا، وبلدان أخرى… وكذا إقامة ثلاثة أوراش فنية: الأولى من تأطير الفنان الكوريغراف التونسي/ الفرنسي رضوان المؤدب، والثانية حول القناع والمسار الفني (تمثيل، إخراج، سينوغرافيا وملابس..) من تأطير الفرنسية جويل ريشيتا، والثالثة من تأطير الألماني فاكنر ليبوك. كما سيتم الاحتفاء بأكثر من سبعة إصدارات مسرحية جديدة وتقديمها بحضور مؤلفيها. كما ستقام معارض للصور الفوتوغرافية والمنشورات طيلة أيام المهرجان، إضافة إلى معرض منشورات المركز الدولي لدراسات الفرجة.
وإلى جانب العروض الفنية، تحرص إدارة المهرجان، سيرا على ما دأبت عليه، على تضمين برنامج «طنجة المشهدية» محورا علميا متمثلا في المؤتمر الدولي الموازي والمرتبط بموضوع الدورة أيام 24-25-26-27 نونبر، إذ سيجتمع ثلة من الباحثين والمفكرين المرموقين من مختلف ربوع المعمور لتدارس موضوع الدورة والتفاعل مع الفرجات المسرحية المغربية وغيرها؛ كما ستقدم أيضا محاضرات افتتاحية من توقيع مفكرين دوليين إلى جانب نخبة من خيرة الباحثين في مجال البحث والنقد المسرحيين…
لهذا نجدنا مستَرْجعين لرجع «الكلام»: «بَقِيَ عِلْمٌ بقيَ خاطرْ، بَقِيَتْ معرفةٌ بَقِيَ خاطرْ»(2)… بَقِيَ شيءٌ… بَقِيَتْ أشياءْ:
«فَمَا تُعَدُّ وَلاَ تُحْصَى عَجَائِبُهَا
وَلاَ تُسَامُ عَلَى الإكْثَارِ بِالسَّأمِ
لا تعجَبْنَ لِحَسُودٍ رَاحَ يُنْكِرُهَا
تَجَاهُلاً وَهْوَ عَيْنُ الحَاذِقِ الْفَهِمِ
قَدْ تُنْكِرُ الْعَيْنُ ضَوْءَ الشَّمْسِ مِنْ رَمَدٍ
وَيُنْكِرُ الْفَمُّ طَعْمَ الْمَاءِ مِنْ سَقَمِ»(3)

والسلام.
هوامش:
1 أبو عبد الله محمد بن عبد الله النفري ـ كتاب المواقف ـ النصوص الكاملة للنفري – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة (2005)
2 أبو عبد الله محمد بن عبد الله النفري ـ موقف المراتب ـ
3 البردة. البوصيري.

 

Top