بات من المألوف الاطلاع على إعلانات عن لقاءات فكرية وفنية، مذيلة بعبارة جاهزة: “اللقاء يعقد مع احترام تام للتدابير الاحترازية”.
كما أن قارئ الإعلان لا يحتاج إلى السؤال عن طبيعة هذه التدابير الاحترازية، فهو يعرفها مسبقا منذ اليوم الأول لتفشي الوباء، رافقته الشعارات والخطابات التحسيسية ذات الصلة طيلة هذه الفترة الطويلة ولا تزال، خصوصا مع الارتفاع الجديد لعدد الإصابات بالوباء عينه.
الجمعيات الثقافية المعروفة بنشاطها المتواصل، عانت كثيرا لأجل تنشيط حياتنا الثقافية وسلكت عدة سبل في شأن ذلك، منها الجمع بين التنشيط الحضوري والتنشيط عن بعد، بالنسبة للندوات لا يطرح هناك عائق، فالنقل المباشر عن طريق المنصات الإلكترونية بات يفي بالغرض، غير أن هناك عروضا لا تحتمل تقديمها عن بعد، وحتى عندما يحصل ذلك وقد حصل بالفعل في عدة مناسبات، فإن التلقي غالبا ما يحاط بالنقص، على اعتبار أن المكان الأنسب لتلقي الفرجة الفنية: مسرحية أو فيلم سينمائي أو حفل غنائي أو لوحة تشكيلية أو أي شيء من هذا القبيل، مكانها الأنسب هو القاعة الخاصة بها.
لقد جرى خلال الأيام القليلة الماضية الإعلان عن تخفيف حالة الطوارئ الصحية، تم السماح للقاعات السينمائية وللمسارح ولقاعات الندوات ولغيرها من الفضاءات الثقافية؛ بإعادة فتح أبوابها ومواصلة أنشطتها المعهودة، مع التنصيص على الاحترام التام للتدابير الصحية الوقائية المعمول بها، وكان من المعتقد أن نشهد فورة للأنشطة الثقافية والفنية على اختلاف أشكالها وأنواعها، خاصة وأنه كانت قد مرت فترة لا يستهان بها، ظلت خلالها تلك الفضاءات معطلة، فالإنسان عندما يكون في اشتياق طال أمده، يتضاعف لديه الحماس للإقبال على ذلك الشيء المعين الذي يشتاق إليه.
غير أن شيئا من ذلك لم نلحظه، لم ألحظه شخصيا على الأقل. هناك فتور لا يزال يحيط بحياتنا الثقافية، فنادرة هي الجمعيات التي أعلنت عن برنامج ثقافي يغطي الفترة الفاصلة بين لحظة الإعلان عن تخفيف حالة الطوارئ الصحية وبين اللحظة الآنية، ربما قد يرجع السبب في ذلك إلى بداية فصل الصيف الذي عادة ما يعد بمثابة نهاية الموسم الثقافي لدى العديد من جمعياتنا الثقافية. غير أن هناك مؤسسات كثفت من أنشطتها خلال هذه المدة، أستحضر بهذا الخصوص دار الشعر بمراكش التي يديرها الشاعر عبد الحق مفراني، في الوقت الذي ركنت مثيلتها بتطوان إلى السكون. أما بيت الشعر فقد اكتفى ببعض الأنشطة التي كان قد قدمها عن طريق منصته الإلكترونية خلال فترة الحجر الصحي والتي لم يكن معنيا بها سوى الأجيال الجديدة ممن لهم دراية بتقنية التواصل عن بعد. وحاليا تستعد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك بالدار البيضاء لتنظيم المهرجان الدولي للمسرح الجامعي، وعندما نذكر المسرح، نذكر شروط العرض الذي لا يكتمل تلقيه سوى داخل الفضاء الخاص به، فهل تكرر الإدارة تجربة السنة الماضية وتقتصر على تقديم العروض عير منصتها الإلكترونية؟
ومن المنتظر أن يعقد اتحاد كتاب المغرب مؤتمره الوطني الاستثنائي خاصة بعد أن تم تخفيف حالة الطوارئ الصحية التي كانت من بين الأسباب التي أجلت انعقاده.
هناك إذن انتظارات كثيرة للنهوض بحياتنا الثقافية على جميع الأصعدة، طبعا مع الاحترام التام للتدابير الصحية الوقائية: ارتداء الكمامة، احترام مسافة الأمان.. إلى آخره.
عبد العالي بركات