مخطط وطني للتخفيف من آثار الجفاف على القطاع الفلاحي

تأكد بالمغرب جليا بأن الموسم الحالي سيكون موسما استثنائيا يغلب عليه طابع الجفاف بالنظر إلى ضعف التساقطات المطرية التي تعد المصدر الأول للسقي في المغرب، مما دفع بالحكومة المغربية إلى إعلان حزمة من الإجراءات الاستباقية لمواجهة خطر يهدد أرزاق الفلاحين ومعها موارد الدولة ويؤثر على القدرة الشرائية للمواطنين. ويهدف هذا البرنامج الاستثنائي الذي جاء تفعيلا للتوجيهات الملكية الاستباقية، إلى التخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية، والحد من تأثير ذلك على النشاط الفلاحي، وتقديم المساعدة للفلاحين ومربي الماشية، حيث أعطى جلالة الملك محمد السادس أمره بأن يساهم صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية بمبلغ ثلاثة ملايير درهم في هذا البرنامج، الذي سيكلف غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم. ويهدف البرنامج الاستثنائي للتخفيف من آثار تأخر التساقطات المطرية الى حماية الرصيد الحيواني والنباتي، وتدبير ندرة المياه؛ وكذا إلى التأمين الفلاحي؛ بالإضافة إلى تخفيف الأعباء المالية على الفلاحين والمهنيين، وتمويل عمليات تزويد السوق الوطنية بالقمح وعلف الماشية، علاوة على تمويل الاستثمارات المبتكرة في مجال السقي”.
ويزداد تأثير الجفاف بالنظر إلى اعتماد المملكة المغربية على الفلاحة مصدرا أولا في بنائه الاقتصادي، فهي تمثل 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وتشغل من 40 إلى 43 في المائة من اليد العاملة.
ومع استنزاف عدد من الفرشات المائية وعدم إيفاء أخرى بالغرض وصعوبة استفادة بعض المناطق من مياه السدود وكذا الكوارث الطبيعية، تتضخم أكثر دائرة الخطر التي تحيط بالفلاحة المغربية، ويزداد معدل سنوات الجفاف في المغرب في كل عشر سنوات، أربع سنوات جفاف ما بين 1996 و2006، مقابل سنة جافة واحدة لكل عشرية ما بين 1940 و1979. وفي هذا العام أعلن رسميا عن مجموعة من الإجراءات الاستعجالية لمساعدة الفلاحين، في وقت يعرف فيه الموسم الفلاحي نقصا كبيرا في التساقطات المطرية؛ حيث بلغ المعدل الوطني للتساقطات لحد الآن 75 ملم، مسجلا بذلك عجزا بنسبة 64٪ مقارنة بموسم عادي. هذه الوضعية المناخية والمائية الحالية تؤثر سلبا على سير الموسم الفلاحي، خاصة الزراعات الخريفية وتوفير الكلأ للماشية. غير أن المجال الفلاحي المغربي الذي يشهد انتشارا كبيرا لصغار المزارعين ممن لا يتوفرون على التقنيات الحديثة، لا يعاني فقط من عدم انتظار التساقطات أو قلتها في سنوات كثيرة، فالموارد المائية التي تصل إلى 18 مليار ملم مكعب للسطحية و4 مليار متر مكعب للجوفية، تعاني من توزيع عدم متلائم كما أنها محدودة وتشهد طلبا متزايدا وتتأثر بالتغيرات المناخية.

أي إجراءات حكومية لمواجهة هذا الجفاف؟

تخصيص الحكومة المغربية مبلغ ثلاثة ملايير درهم سيساهم بها صندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في هذا البرنامج الذي سيكلف غلافا ماليا إجماليا يقدر بعشرة ملايير درهم لمواجهة تداعيات تأخر التساقطات المطرية لعام 2022، منها مبلغ جد مهم سيهم التأمين على المزروعات من المخاطر المناخية، وقد تركزت الإجراءات على تقديم مساعدات للفلاحين المتضررين، وضمان استمرارية تزويد القرى بالماء الصالح للشرب، وتوفير الماء والكلأ والمتابعة الصحية للمواشي، كما ستتدخل وزارة الفلاحة والصيد البحري والمياه والغابات في هذا البرنامج عبر التركيز على حماية الماشية عبر توفير كلأ لها بأثمنة مناسبة وإقامة نقط للماء وثانيا لحماية المزروعات عبر ضمان سقي الزراعات البورية وتأمين بذور الحبوب، أما الثالث فهو ضمان التوازنات داخل العالم القروي بما يمكن من حماية المجال الفلاحي وخلق فرص الشغل وتدبير الموارد المائية، وتبقى سياسات المغرب قوية في مجال مواجهة تداعيات الجفاف مقارنة بالكثير من الدول العربية، فهناك وزارة للماء وهناك وكالات مكلفة بتدبير الأحواض المائية، كما يوجد قانون لتدبير المياه، زيادة على اضطلاع الدولة ببناء الكثير من السدود، فضلا عن القيام بجهود لاستغلال مياه الأمطار في أفضل وقت، ومن ذلك الري بالتنقيط.
ويتميز المغرب بمناخ شديد التباين مع هطول الأمطار والنظام الهيدرولوجي الذي يسوده عدم انتظام شديد للغاية في الزمان والمكان مع تناوب فترات الأمطار وفترات الجفاف، والتي يمكن أن تستمر عدة سنوات. وحسب آخر التقييمات، تقدر إمكانات الموارد المائية الطبيعية في المغرب بحوالي 22 مليار متر مكعب/سنة، مقسمة إلى 18 مليار متر مكعب/سنة من المياه السطحية و 4 مليار متر مكعب/سنة من المياه الجوفية ؛ أي ما يعادل 700 م 3/ ساكن/سنة، ولتلبية الاحتياجات المائية، التي تتزايد باستمرار بسبب النمو السكاني. ولدعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للبلاد اعتمد المغرب سياسة قائمة على التحكم في الموارد المائية وتعبئتها من خلال إنشاء البنيات التحتية الهيدرولوجية بهدف توفير مياه الشرب للسكان وتطوير الري وتحسين الحماية ضد الفيضانات وتعزيز هذه الهياكل الهيدروليكية من خلال إنتاج الطاقة الكهرومائية، ومع ذلك لا يزال قطاع المياه في المغرب يواجه قيودا كبيرة تتعلق بشكل أساسي بندرة الموارد المائية تحت تأثير تغير المناخ وعدم كفاية الموارد المائية مع الاحتياجات المائية المتزايدة، وبالتالي في إطار توجهات الاستراتيجية الوطنية الأولوية للماء الصالح للشرب ومياه السقي 2020-2027 والمخطط الوطني للماء 2050، تم اعتبار استخدام موارد المياه غير التقليدية، ولاسيما إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة بمثابة تنمية بديلة وفي الواقع يمكن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لري المساحات الخضراء، أو في القطاع الصناعي ولاسيما أو لإعادة تغذية المياه الجوفية.
لطالما كان الجفاف حاضرا في تاريخ المغرب، وقد فرض نفسه بقوة في العقود الأخيرة كعنصر هيكلي لمناخ البلاد. يشهد المغرب حاليا أطول فترة جفاف في تاريخه المعاصر تتميز بانخفاض معدل هطول الأمطار واتجاه واضح نحو ارتفاع درجات الحرارة. وأظهر توصيف الجفاف المناخي خلال الفترة 1961-2004 زيادة معنوية في تواتر حالات الجفاف وشدتها وتغطيتها المكانية. تترافق ديناميكية الجفاف هذه مع احترار كبير مرتبط بتغير المناخ العالمي، مما يجعل هذه السنوات الجافة صعبة بشكل متزايد على مختلف القطاعات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، ومن المتوقع أن يزداد الجفاف تدريجيا في المغرب حتى عام 2050 تحت تأثير انخفاض هطول الأمطار -11٪ وزيادة درجات الحرارة + 1.3 درجة مئوية، ونتيجة لذلك تعاني البلاد من عجز حاد في هطول الأمطار، وبحسب البيانات الرسمية ، فإن احتياطيات السد في أدنى مستوياتها، حيث بلغت نسبة الملء 33٪ فقط مقابل 46٪ العام الماضي. ودفع الجفاف العاصمة السياحية مراكش في يناير الماضي إلى تقنين المياه “بشكل صارم” وحظر ري المروج في الملاعب والمتنزهات خلال النهار حيث يمكن للجهات الأخرى اتخاذ نفس القرار، وتم اتخاذ تدابير أكثر صرامة في عام 2020 في أكادير حيث تم قطع مياه الصنبور ليلا. وهذه المدينة السياحية هي موطن لأول محطة لتحلية مياه البحر في البلاد، والتي دخلت الخدمة في بداية هذا الأسبوع لسد العجز في مياه الشرب والري من 275000 متر مكعب من المياه المحلاة التي يمكن إنتاجها يوميا تم تخصيص 125000 متر مكعب للزراعة.
ويعتبر الجفاف إحدى الكوارث الطبيعية التي أثرت بعمق في حياة الناس على مر العصور. ليس له تعريف عالمي. لكن هناك العديد من التعريفات للجفاف كما هو الحال بالنسبة لاستخدامات المياه: الجفاف هو بالفعل عجز في توافر المياه مقارنة بالوضع الذي يعتبر طبيعيا لفترة معينة، ومنطقة معينة واستخدامات محددة.
هناك أربعة أنواع رئيسية من الجفاف: الأرصاد الجوية والزراعية والهيدرولوجية والاجتماعية الاقتصادية. وقد لا تحدث هذه الأنواع من الجفاف في وقت واحد لكن جفاف الأرصاد الجوية لا يزال القوة الدافعة وراء الأنواع الأخرى، ويتميز بانخفاض أو توزيع سيئ، حتى بغياب الأمطار في منطقة معينة لفترة من الزمن.
وقد أظهرت الدراسات أن المغرب غالبا ما شهد فترات من الجفاف الشديد في الماضي، وعادت حالات الجفاف هذه بشكل دوري وأحيانا جلبت المجاعات والأوبئة، وهكذا تسبب جفاف 1597-1608 في حدوث مجاعة قضت على ثلث السكان كما كان الجفاف سببا لحركات الهجرة الكبيرة في المنطقة.
ولا يزال الجفاف مكونا قويا للمناخ المعاصر للمغرب حيث أظهرت دراسة حديثة أن المغرب شهد في الفترة من 1896 إلى 1996 إحدى عشرة فترة من الجفاف المعمم الذي كانت شدته معتدلة إلى قوية وأخرى أقل تعميما ولكن شعرت بقوة، ويشهد المغرب حاليا أطول فترة جفاف في تاريخه المعاصر خلال الخمسين عاما الماضية انتقلنا من حالة جفاف واحدة كل عشر سنوات في الخمسينيات والستينيات إلى مرتين إلى ثلاث حالات جفاف كل عقد بالإضافة إلى الطبيعة الهيكلية لتكرار موجات الجفاف فإنها تزداد حدتها أكثر فأكثر كما يتضح من الجفاف الأخير في 1994-1995 الذي شل اقتصاد البلاد، ولاسيما القطاع الزراعي الذي يساهم في المتوسط ​​بنسبة 17٪ من إجمالي الناتج المحلي. وإذا كان للجفاف بعدا مهما في المغرب، فذلك لأنه يهيئ قطاعا رئيسيا من الاقتصاد الوطني: الزراعة التي يعتمد حوالي 85٪ منها على مياه الأمطار، والتي تخضع مباشرة للأخطار المناخية، آثار الجفاف غير هيكلية ومعقدة ويصعب قياسها على عكس تأثيرات الأخطار الطبيعية الأخرى ويرجع تعقيد هذه الآثار إلى تنوع القطاعات التي تستخدم المياه لإنتاج السلع والخدمات. ويمكن تصنيفها إلى ثلاث فئات: الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ولقد تم إجراء العديد من الدراسات والبحوث في المغرب حتى الآن وتتعلق بالجفاف الزراعي والهيدرولوجي، وتتعلق هذه الدراسات بالسنوات التي سبقت عام 1995. وقد تم تسليط الضوء على ذلك في التقرير الرابع للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ الذي يصف تطور تغير المناخ على مستوى كوكب الأرض وأظهرت خلالها أعمال الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ أن المناخ شهد كوكب الأرض احترارا كبيرا مصحوبا بظروف حادة شديدة الأحداث بما في ذلك الجفاف والفيضانات، تم تسجيل 32 عام من الاحترار بين عامي 1972 و2004 حيث كان الاحترار قويا على مدى الإثنتي عشر عاما الماضية، وكان متوسط ​​درجة الحرارة خلال هذه الفترة أعلى مما كان عليه في الفترة 1961-2004، حيث يتجاوزها بأكثر من 0.6 درجة مئوية في مدينة أكادير. ويتوافق هذا الاتجاه مع ظاهرة الاحتباس الحراري المسجلة خلال الخمسين عاما الماضية. مع تسارع هذه العملية خلال الفترة 1993-2005 والتي تعد من بين أكثر الأحداث سخونة بينما قبل عام 1972 كانت حالات الجفاف نادرة، ونادرا ما أثرت على جميع المدن. بعد عام 1972 كان هناك المزيد والمزيد من حالات الجفاف التي تؤثر على غالبية المدن حيث أصابت خمس حالات جفاف جميع المدن وشهدت السنوات الاثنتي عشرة الماضية عشر سنوات من الجفاف الجزئي منها اثنتان معممتان مما جعله العقد الأكثر جفافا. ولمعرفة شدة الجفاف من أجل توصيف حالات الجفاف التي حدثت ومستوى خطورتها، نذكر أنه تراوح تواتر الجفاف المعتدل بين 20٪ في مراكش و 34٪ في إفران وأكادير، بينما تتراوح حالات الجفاف الشديد بين 23٪ و 9٪ داخل نفس المدن، بينما لم تشهد الفترة 1961-2004 حالات جفاف شديدة وتتراوح احتمالية حدوث سنة شديدة الجفاف من سنة واحدة في كل أربعة لمراكش إلى سنة واحدة في أحد عشر سنة في الدار البيضاء وأكادير. ومن ناحية أخرى فإن سنة الجفاف المعتدلة تختلف من سنة واحدة في خمسة لمراكش إلى سنة من أصل ثلاثة لبقية المدن، وهكذا فإن احتمال حدوث أنواع من الجفاف يتناقص مع زيادة شدة لفهم الجفاف ودينامياته بشكل أفضل على نطاق واسع.

المياه العادمة المعالجة كبديل متاح

في الوقت الحالي تعاني العديد من البلدان إما من الإجهاد أو الندرة والتي لها تأثيرات أكثر عندما تكون مدعومة بظروف مناخية قاسية وحازمة، كما هو الحال في المناخات الجافة وشبه الجافة. لذلك من أجل الحفاظ على الموارد المائية سيتعين على بعض البلدان بما في ذلك المغرب إيجاد بدائل للمياه النظيفة خاصة في القطاع الزراعي حيث يكون الاستهلاك مرتفعا للغاية. لذلك فإن إعادة استخدام المياه العادمة بعد المعالجة يبدو كحل يمكن أن يقلل من الضغط الذي تعرفه المياه السطحية والجوفية لتلبية الطلب على المياه، وبسبب حمل أنواع مختلفة من الملوثات فإن مياه الصرف الصحي التي يتم تصريفها مباشرة في البيئة الطبيعية تشكل خطرا على الموارد الطبيعية والبيئة. ومع ذلك، فبمجرد معالجتها بشكل صحيح يمكن أن تصبح المياه العادمة مصدرا للمياه لقطاعات معروفة بأنها كثيفة الاستخدام للمياه مثل الزراعة، ففي المناطق القاحلة وشبه القاحلة فإن الاختلافات في هطول الأمطار مصحوبة بفترات متتالية من الجفاف لها آثار طويلة المدى على توافر المياه للمزارعين. لهذا من وجهة نظر كمية تعتبر مياه الصرف الصحي مصدرا متاحا دائما للمياه لأن استهلاك المياه النظيفة لا يتوقف، في الواقع يمكن لمياه الصرف الصحي المعالجة أن تضمن توازن دورة المياه الطبيعية وتحافظ على الموارد من خلال تقليل التصريفات الضارة في البيئة الطبيعية. في الواقع فإن إعادة تدوير مياه الصرف الصحي المعالجة من شأنه أن يولد كمية كبيرة من المياه التي ستكون متاحة للقطاع الزراعي، في عام 2005 تمكنت مدينة ميلانو الإيطالية من ري 22000 هكتار من محاصيل الخضروات بفضل محطة إعادة استخدام مياه الصرف الصحي بسعة 345000 متر مكعب/يوم وعلى نفس المنوال تبنت الحكومة الإسبانية في عام 2000 خطة هدفها إعادة تدوير مياه الصرف لري ملاعب الجولف والتي تمت إضافة 408 مليون متر مكعب معاد استخدامها بالفعل في مجال البيئة، وفي الواقع سيشجع نهج إعادة تدوير المياه العادمة هذا إنشاء البنية التحتية لمعالجة التلوث مما سيكون له تأثير إيجابي على البيئة المستقبلة على المدى الطويل، بالإضافة إلى ذلك فإن إنشاء هذه البنيات التحتية من شأنه أن يحد من بناء خزانات المياه والسدود، مما سيقلل من الآثار السلبية لهذه التطورات الهيدروليكية الكبيرة على البيئة، ويمكن أن يساعد استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة للري أيضا في تحسين المحاصيل الزراعية بسبب بعض المركبات المتبقية الموجودة في المياه بعد المعالجة.
وبشكل عام هذه المياه غنية ببعض العناصر الغذائية والمواد العضوية مثل النيتروجين المعدني والنيتروجين العضوي والفوسفور والمغذيات الدقيقة وهي مهمة لزيادة خصوبة التربة وهيكلها وزيادة الإنتاجية الزراعية وسيحل هذا جزئيا محل استخدام الأسمدة المعدنية بالإضافة إلى الفوائد البيئية حيث يمكن أن يكون لمياه الصرف الصحي تأثير اقتصادي إيجابي على المزارعين، بعد ارتفاع الطلب على المياه في القطاع الزراعي، فإن إيصال المياه المعالجة إلى الحقول الزراعية من شأنه أن يقلل من الآثار السلبية الناجمة عن استخدام المياه النظيفة في الري، في الواقع يمكن أن يؤثر الري على اقتصاد المزارعين الفقراء خاصة عندما يكون الوصول المتساوي إلى الأرض والمياه غائبا بالإضافة إلى ارتفاع تكاليف نقل المياه وأعمال الضخ والمياه الزراعية، لذلك يمكن أن تقلل المياه المعالجة كل هذه النفقات وتجعل الري أقل تكلفة وفي متناول المزارعين المحليين مما يسمح لهم باستثمار أموالهم في تنويع المحاصيل والانتقال نحو الزراعة على نطاق واسع، قيمة مضافة وأكثر استدامة. كما أنه سيزيد من قيمة الأراضي المروية مما يوفر فوائد اقتصادية كبيرة للمزارعين، ويمكن حتى للمسؤولين عن الصرف الصحي ومعالجة المياه الاستفادة من سعر بيع المياه المعالجة والمنتجات المشتقة بدلا من رفضها مباشرة في البيئة الطبيعية.
من ناحية أخرى، تعتبر الزراعة قطاعا معروفا أيضا باستهلاكه الكبير للأسمدة الكيماوية والمعدنية التي يتمثل هدفها الرئيسي في زيادة المحصول. ويشهد سوق الأسمدة حاليا ارتفاعا في الأسعار بدأ في عام 2007 مع زيادة الطلب على الأسمدة في بعض الدول الآسيوية مثل الصين والهند وفي دول أمريكا الجنوبية، والجنوب بسبب عدة عوامل أهمها النمو الاقتصادي التغيير في أنماط الاستهلاك وزيادة الإنتاج الحيواني وإنتاج الأعلاف ويضاف إلى ذلك إنتاج الوقود الحيوي، وبالتالي يمكن أن يكون لهذه الزيادة في أسعار الأسمدة تأثير على ربحية المزارعين، بالإضافة إلى تكاليف استخدام المياه العذبة. لهذا السبب، ينظر إلى استبدال الأسمدة بمصدر مغذيات أقل تكلفة، مثل مياه الصرف الصحي المعالجة، على أنه حل واعد فهذا المصدر هو غني بالفوسفور ويمكن أن يلعب النيتروجين والبوتاسيوم والمغذيات الكبرى الضرورية لنمو النبات نفس دور الأسمدة، اعتمادا على تركيز هذه العناصر في الماء ونوع المحصول ومستوى خصوبة التربة وبالتالي فإن إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة يمكن أن يحد من استخدام الأسمدة الكيماوية في الري بل ويقضي عليها من خلال تقليل جميع النفقات التي ينطوي عليها هذا الاستخدام، بينما على الرغم من تطبيق إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة وقبولها جيدا لعدة عقود في المناطق الريفية والحضرية في بعض البلدان النامية بسبب النمو السكاني، إلا أنها تثير دائما قضايا اجتماعية وثقافية لذلك يمكن أن يؤثر الاختلاف في المعتقدات والعادات والقيم على القبول الثقافي لمصدر المياه الجديد هذا. و يعد الدعم العام قضية رئيسية في مشاريع إدارة المياه خاصة في البلدان التي تتوفر فيها مصادر المياه ووفرتها، ومن هنا تأتي أهمية تصميم نظام للتواصل والتوعية لأولئك المشاركين في إعادة الاستخدام، وتعتبر الصحة العامة أيضا من القضايا المهمة التي يجب أخذها في الاعتبار ، نظرا لأنه تم تحديد العديد من المخاطر أثناء إعادة استخدام المياه العادمة في الري خاصة عندما لا تتوافق هذه المياه مع معايير إعادة الاستخدام المعمول بها، بهدف حماية البيئة وصحة الإنسان.
تحتوي مياه الصرف الصحي على العديد من الكائنات الحية الدقيقة المسببة للأمراض التي يمكن أن ينتهي بها المطاف في التدفق النهائي الذي سيعاد استخدامه لري المحاصيل المعدة للاستهلاك البشري. بعض المخاطر لها تأثير قصير المدى اعتمادا على تواتر ونوع ومدة الاتصال بين البيئة والبشر والحيوانات، وتأثير طويل المدى يزداد مع استمرار استخدام مياه الصرف الصحي.
علاوة على ذلك أظهرت إعادة استخدام مياه الصرف الصحي العديد من المزايا. في الواقع أدى الري بهذه المياه إلى زيادة حصاد الخضار بين الفقراء الذين لا يستطيعون شراء الأسماك واللحوم، وبالتالي كان لهذه الزيادة تأثير إيجابي على النظام الغذائي للسكان وعلى دخل المزارعين. وعلى المستوى المؤسساتي ستدفع إعادة استخدام المياه العادمة المسؤولين إلى تحيين وتعديل القوانين البيئية واعتماد سياسات جديدة لإدارة المياه لحماية البيئة والصحة العامة من الآثار السلبية للاستخدامات غير الخاضعة لرقابة مياه الصرف الصحي الخام.

برامج تدبير وعقلنة مياه السقي

حظي السقي الفلاحي بمكانة مركزية ضمن البرامج الإصلاحية الأفقية والمهيكلة الرامية إلى مواجهة ندرة الموارد المائية. وفي هذا الإطار، أولى مخطط المغرب الأخضر أهمية خاصة لترشيد استعمال مياه الري كوسيلة لتحسين الإنتاج الفلاحي والإنتاجية الفلاحية، مع ضمان استعمال ناجع ومستدام للموارد المائية في سياق يتميز بالتغيرات المناخية. تتمحور سياسة التحكم في المياه وتدبيرها في إطار مخطط المغرب الأخضر حول ثلاثة برامج مهيكلة للري:
البرنامج الوطني للاقتصاد في مياه السقي (PNEEI) : الذي يهدف إلى تطوير السقي بتقنيات الري الموضعي على مساحة تناهز 000 550 هكتار في أفق 2020، وذلك بهدف تحسين نجاعة استعمال مياه السقي في المجال الفلاحي، مما سيمكن في نهاية المطاف من اقتصاد وتثمين 1.4 مليار متر مكعب سنويا . وبلغت المساحة المجهزة بتقنيات الري الموضعي إلى غاية 2019 حوالي 585 ألف هكتار، متجاوزة الهدف المحدد لسنة 2020 الذي كان 000 500 هكتار.
برنامج توسيع الري بسافلة السدود (PEI): ويهدف إلى توسيع السقي على مساحة 130 ألف هكتار بسافلة السدود المنجزة أو المبرمجة، سواء عبر إحداث مجالات سقوية جديدة أو عن طريق تعزيز السقي في النطاق السقوي الموجود. ويتوخى هذا البرنامج مواجهة ضعف تثمين حوالي 1.2 مليار متر مكعب من الموارد المائية المعبئة في السدود والموجهة للسقي الفلاحي. وقد بلغت المساحة المجهزة أو في طور الإنجاز في إطار هذا البرنامج حوالي 280 82 هكتار إلى غاية متم سنة 2019.
برنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص (PPP): في مجال الري والذي يهدف إلى تحسين الظروف التقنية والاقتصادية والتمويلية لتدبير خدمات مياه الري داخل المجال الفلاحي المسقي. ويهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على المياه الجوفية، عبر تعبئة الموارد المائية غير التقليدية من خلال العديد من المشاريع منها مشاريع المحافظة على مياه السقي ومشاريع تحلية مياه البحر. وفي هذا السياق، تم إبرام 4 اتفاقيات شراكة بين القطاعين العام والخاص إلى حدود نهاية سنة 2019، ضمنها مشروعين لتحلية مياه البحر بغرض استعماله في الري الفلاحي على مساحة 000 15 هكتار في منطقة شتوكة آيت باها و000 5 هكتار في الداخلة.
وقد مكنت هذه البرامج السقوية، التي تم إطلاقها في إطار مخطط المغرب الأخضر، من تجهيز وتحديث حوالي 800 ألف هكتار بتقنيات الري الموضعي إلى حدود نهاية سنة 2019، أي ما يمثل 50% من المساحة المسقية على المستوى الوطني. وبلغ حجم الاستثمارات المنجزة في إطار هذه البرامج حوالي 36.1 مليار درهم، استفادت منها 235 ألف ضيعة، الشيء الذي مكن من اقتصاد وتثمين أكثر من 2 مليار متر مكعب من مياه السقي سنويا، منها 1.6 مليار متر مكعب في إطار البرنامج الوطني لاقتصاد مياه السقي. وتجدر الإشارة إلى أن هذا البرنامج مكن زيادة نسبة المساحات المسقية بتقنيات الري الموضعي ضمن المساحة المسقية الإجمالية من 9% سنة 2008 إلى 37% سنة 2019.

تغير المناخ والقدرة على التكيف

شكل تغير المناخ على الدوام، إحدى الإكراهات الأساسية أمام تنمية القطاع الفلاحي بالمغرب. في هذا الصدد، تشير سيناريوهات التغيرات المناخية إلى أن مناخ المملكة المغربية سيصبح قاحلا أكثر بسبب قلة التساقطات المطرية وارتفاع درجات الحرارة والظواهر الطبيعية الحادة المتكررة. ومن شأن هذا التوجه أن يؤثر سلبيا على الموارد المائية والتنوع البيولوجي وكذا على المشهد الفلاحي. في هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى أن المغرب عرف خلال 70 سنة الأخيرة عشرين موسم جفاف.
بهدف التخفيف من آثار التغيرات المناخية، وانخراطا منها في السياسة الوطنية للحد من تداعيات التغيرات المناخية والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، قامت الاستراتيجية الفلاحية على محورين رئيسيين، وهما التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وارتكزت الجهود المبذولة على تدبير وعقلنة استعمال مياه السقي. فيما اتجهت جهود التخفيف من آثار تغير المناخ صوب برامج توسيع المساحات المغروسة بالأشجار المثمرة بهدف الرفع من القدرة على امتصاص الكربون والتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري.

جهود التكييف والتخفيف

في انسجام تام مع السياسة الوطنية لمكافحة تغير المناخ والاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، اعتمدت الاستراتيجية الفلاحية مكونين أساسيين، ويتعلق الأمر، من جهة، بالتكيف مع التغيرات المناخية، ومن جهة ثانية، بالتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري. وفيما تمحورت مجهودات التكيف بشكل خاص حول التحكم في مياه السقي، اتجه مجهود التخفيف على الخصوص، إلى توسيع المساحات المغروسة بالأشجار المثمرة بهدف الرفع من قدرات امتصاص الكربون والتخفيف من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، إضافة إلى المجهودات المبذولة في مجال تعبئة التمويلات المناخية، تمكنت وكالة التنمية الفلاحية من الولوج المباشر للموارد المالية لصندوق التكيف سنة 2012 والصندوق الأخضر للمناخ  سنة 2016. بذلك تم تمويل مشاريع التنمية المستدامة الموجهة للتكيف والتخفيف من آثار الغازات المسببة للاحتباس الحراري، داعمة بذلك التزامات المغرب في إطار المساهمة الوطنية المحددة في الاتفاقية الإطار للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية.

الماء والري

حظي الري على الدوام بطابع الأولوية ضمن اهتمامات السلطات العمومية، نظرا للأهمية الأساسية التي يكتسيها بالنسبة للأمن الغذائي، وأهميته البالغة في تنمية الاقتصاد الوطني والقروي، ودوره الحاسم في التكيف مع التغيرات المناخية، ونتائجه الملموسة في مجال إنعاش الشغل في الوسط القروي … غير أن الزراعة المسقية ظلت معرضة على مدى عقود، لندرة متزايدة للموارد المائية وذلك تحت التأثير المزدوج لفترات الجفاف المتتالية والطويلة وارتفاع الطلب على الماء من طرف باقي القطاعات الاقتصادية.
ومن أجل رفع التحدي المتمثل في إنتاج كميات أكبر من المنتجات الفلاحية باستعمال كميات أقل من الماء وبشكل مستدام وتنافسي، دخلت الفلاحة المسقية، منذ اعتماد مخطط المغرب الأخضر، عصرا جديدا عنوانه الرئيسي “ترشيد وتثمين مياه الري”. وبناء على ذلك تم اعتماد سياسة طوعية من أجل تعميم تقنيات الري المقتصدة للماء وتثمين مياه الري الزراعي. وتمت ترجمة هذه السياسة في أربعة برامج رئيسية : البرنامج الوطني لاقتصاد مياه الري: ويتوخى توسيع المساحة المسقية باستعمال تقنيات الري الموضعي على مساحة تبلغ 000 550 هكتار؛ برنامج توسيع الري بسافلة السدود: يستهدف إحداث مناطق مسقية جديدة وتعزيز الري داخل النطاق المسقي الحالي، وذلك على مساحة 130 ألف هكتار؛ برنامج إعادة التأهيل والمحافظة على الدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة : من أجل تحسين كفاءة ومردودية البنية التحتية للري التقليدي في الدوائر السقوية الصغرى والمتوسطة؛ برنامج تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص في مجال الري: و يتوخى تحسين الظروف التقنية والاقتصادية والمالية لتدبير خدمة مياه الري، من خلال إنجاز مشاريع ري جديدة في إطار الشراكة بين القطاعين العام والخاص ومكن تنفيذ البرنامج إلى حدود نهاية 2019 من إنجاز التهيئة الهيدروفلاحية على مساحة 000 800 هكتار، (منها 000 585 هكتار بالسقي الموضعي، أي حوالي 50 في المائة من المساحات المسقية على الصعيد الوطني)، وذلك لفائدة 000 235 ضيعة فلاحية، بمجهود استثمار إجمالي يناهز 36 مليار درهم.

نمو متواصل للصادرات الفلاحية

أطلق المغرب سنة 2008 “مخطط المغرب الأخضر” بهدف جعل قطاع الفلاحة أحد محركات التنمية الاقتصادية للبلاد. ويتعلق الأمر باستراتيجية تتمحور حول سلسلة القيمة انطلاقا من الإنتاج وانتهاء بالتسويق. وقد أتاحت هذه الاستراتيجية، التي تم اعتمادها على المستوى الوطني، نموا ملحوظا للإنتاج الفلاحي بصفة عامة وللصادرات الفلاحية على وجه الخصوص. وفي هذا الصدد، بلغت قيمة صادرات المغرب الفلاحية سنة 2019 حوالي 40 مليار درهم، أي ما يعادل 2.8 أضعاف القيمة المسجلة خلال سنة 2009 (14.2 مليار درهم). ومن حيث حجم صادرات المغرب الفلاحية، فقد بلغت 2.3 مليون طن خلال سنة 2019 مسجلة بذلك ارتفاعا بنسبة 64% مقارنة بسنة 2009 (1.4 مليون طن).
خلال سنة 2019 بلغت صادرات الحوامض 607.2 ألف طن مقابل 460.6 طن خلال سنة 2009 مسجلة بذلك نموا بنسبة 32% بينما بلغت صادرات البواكر حجما يقدر ب 1262,1 ألف طن مقابل 760.6 خلال سنة 2009 أي بزيادة نسبتها 66%، أما المنتوجات الفلاحية المحولة: فقد بلغ حجم صادراتها حوالي 422.2 ألف طن مسجلا ارتفاعا بنسبة 89% مقارنة مع سنة 2009، وعبر الدينامية التي عرفها قطاع تصدير المنتجات الفلاحية، تمكن المغرب من الارتقاء إلى مصاف كبار مصدري المنتوجات الغذائية في العالم.
ويصنف المغرب من بين الدول الخمس الأوائل المصدرة للمنتوجات التالية عبر العالم: أول مصدر للكبار بالعالم؛ أول مصدر لزيت الأركان بالعالم؛ ثالث مصدر لمصبرات الزيتون بالعالم؛ ثالث مصدر للحوامض الصغيرة بالعالم؛ ورابع مصدر للطماطم بالعالم. أما فيما يخص سوق الاتحاد الأوروبي، فالمغرب يحتل المراتب التالية: أول مورد للطماطم من خارج الاتحاد؛ أول مورد لمصبرات الزيتون من خارج الاتحاد؛ ثاني مورد لزيت الزيتون من خارج الاتحاد؛ وثالث مورد للحوامض من خارج الاتحاد.

محمد بن عبو

خبير في المناخ والتنمية المستدامة رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top