كان يفترض أن تعقد فعاليات مؤتمر المناخ العالمي السنوي في دورته السادسة والعشرين في مدينة غلاسغو أكبر مدن اسكتلندا وثالث مدن المملكة المتحدة بعد لندن وبرمنغهام في شهر نوفمبر الجاري. وبالرغم من أن هذه التظاهرة قد تأجلت إلى نوفمبر من عام 2021 بسبب أزمة كورونا، فإن منظمة أوكسفام الدولية غير الحكومية حرصت في الشطر الأخير من شهر أكتوبر عام 2020 على الكشف عن نتائج دراسة حول محور من أهم محاور مؤتمر غلاسكو المناخي المؤجل حول المساعدات التي تقدمها البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية لمساعدتها على التكيف مع انعكاسات التغير المناخي الاقتصادية والاجتماعية والمناخية.
ولابد من التذكير هنا بأن هذا الموضوع طرح بإلحاح في كل مؤتمرات المناخ العالمية السنوية لاسيما انطلاقا من دورته الخامسة عشرة التي التأمت في كوبنهاغن من السابع إلى الثامن عشر من شهر ديسمبر –كانون الأول عام 2009. ففي ذلك المؤتمر تم تأسيس جهاز يسمى ” الصندوق الأخضر من أجل المناخ”. ويتولى هذا الصندوق من خلال مساهمات البلدان المتقدمة عبر القطاعين العام والخاص تقديم مساعدات إلى البلدان النامية في شكل هبات وقروض بفوائد محدودة شريطة أن تخصص هذه الهبات والقروض لمشاريع ترمي إلى التكيف مع انعكاسات التغير المناخي والحد من الانبعاثات الحرارية. وقد حددت المبالغ المالية التي كان على بلدان الشمال وضعها في الصندوق بمائة مليار دولار كل عام إلى حدود عام 2020.
والحقيقة أن الصندوق مر بضائقة مالية لسنوات عديدة منذ إطلاقه في كوبنهاغن. ولكنه فرض نفسه شيئا فشيئا باعتباره صدى لمطلب قديم من مطالب البلدان النامية يمكن صياغته على الشكل التالي: طالما أن هذه البلدان هي في مقدمة ضحايا انعكاسات التغير المناخي السلبية والحال أن البلدان المتقدمة هي المسؤولة عن تفاقم ظاهرة الاحترار المناخي عبر أنماطها الإنتاجية والاستهلاكية منذ بداية الثورة الصناعية، فإن بلدان الجنوب مستعدة لبذل جهد للحد من هذه الظاهرة شريطة حصولها بشكل منتظم على مساعدات تكنولوجية ومالية تسمح لها بالتكيف مع انعكاسات الظاهرة وبالحد من الانبعاثات.
ها هو عام 2020 يشارف على نهايته ولكن حقيقة المساعدات الفعلية التي حصلت عليها البلدان النامية وليست كلها تختلف كثيرا حسب الدراسة التي أجرتها منظمة أوكسفام الدولية غير الحكومية عن الوعود التي التزمت بها البلدان المتقدمة. فالمبالغ المالية الإجمالية التي غذت الصندوق الأخضر من أجل المناخ أقل بكثير مما كان متوقعا. ويمكن القول إجمالا إن الصندوق تمكن من جمع عشرات المليارات كحد أقصى في السنوات الفضلى وبضعة مئات الملايين في السنوات العجاف.
كانت البلدان النامية تفضل أن يكون جانب مهم من المساعدات هبات فاتضح أن الجانب الكبير منها قروض. ففيما يتعلق مثلا بعامي 2017 و2018، كانت ألمانيا قاطرة دول الاتحاد الأوروبي التي حرصت على تخصيص نسبة مهمة من المساعدات المقدمة إلى البلدان النامية في شكل هبات. فقد بلغت نسبة الهبات 36 في المائة من المساعدات الألمانية بينما لم تتجاوز النسبة المقدمة في شكل هبات ثلاثة في المائة فيما يخص فرنسا. واتضح حسب منظمة أوكسفام أن أداء المملكة المتحدة أفضل بكثير في هذا المجال من أداء دول أوروبية أخرى منها فرنسا.
وكانت منظمة الأمم المتحدة التي تشرف على مؤتمرات المناخ العالمية السنوية قد وعدت بمنح البلدان الأكثر فقرا ولاسيما البلدان الجزر الواقعة في المحيط الهادئ الأولوية في مساعدات الصندوق الأخضر لسبب بسيط هو أن ارتفاع منسوب مياه المحيط والظواهر المناخية القصوى الأخرى أصبحت منذ سنوات عديدة تشكل خطرا جسيما على بيئة هذه البلدان الجزر وعلى سكانها.
ولكن الدراسة التي وضعتها منظمة أوكسفام تخلص إلى أن خمس أموال الصندوق الأخضر فقط ذهب إلى مشاريع تخص البلدان الأكثر فقرا وأن ثلاثة في المائة من هذه الأموال خصص لمشاريع تتعلق بالبلدان الجزر التي يتهددها التغير المناخي أكثر من غيرها.
< حسان التليلي (*)
(*) محرر قضايا البيئة في إذاعة مونت كارلو الدولية