واصلت دار الشعر بمراكش سفرها الشعري والثقافي بين جهات ومدن الجنوب المغربي، وحطت هذه المرة ببوابة الصحراء كلميم، عاصمة جهة كلميم وادنون، ضمن برمجة غنية خلال يومي 2 و3 نونبر الجاري نظمت خلالها لحظة جديدة من برنامج ندوات وفتحت ديوانا جديدا لـ “ضفاف شعرية”.
هذا، وبإشراف من وزارة الشباب والثقافة والتواصل، قطاع الثقافة، وبتنسيق مع فرقة أدوار للمسرح الحر بكلميم ضمن فعاليات مهرجان كلميم الدولي لمسرح الجنوب في دورته السابعة، احتضنت واحة تغمرت يوم السبت 2 نونبر ندوة حول موضوع “الشعر، المسرح والذاكرة”، عرفت مشاركة ناقدات وباجثات من المغرب والكاميرون.
الباحثات: دة. نوال بنبراهيم، دة. نزهة حيكون، ودة. أسماء كريم، والدراماتورج الكاميرونية ماسان ابيروكو حاولن على امتداد ساعة ونصف تقديم خلاصات أساسية، حول هذه العلاقة الملتبسة والمعقدة بين شعرية المسرح، وبين الشعر والمسرح، والذاكرة؛ والتي تصاغ هنا بالجمع ضمن اشتغال بين جماليات ومسارح. ضمن سعي حثيث من دار الشعر بمراكش استقصاء الأسئلة والقضايا، التي تهم الخطاب الشعري والإبداعي والمعرفي، وضمن سياق سلسلة الندوات التي قاربت العديد من القضايا والتي تهم الخطاب الشعري في تقاطعاته مع خطابات أخرى.
كما انفتحت دار الشعر بمراكش على فضاءات جديدة للتداول الثقافي، من خلال تنظيم هذه الندوة في واحة تغمرت، ومن خلالها على فضاء الواحات الجميلة التي يزخر بها جنوب المغرب. وأكدت الباحثة والأكاديمية نوال بنبراهيم على مفهوم “جمالية زئبقية”، وهي تحدد الجانب المفاهيمي في تدخلها، على ضوء ما طرحته شعرية الأدب وشعرية الفرجة، في اتساق مع أقانيم جديدة كالإلقاء وبلاغة الحركات وشعرية الجسد. وانتقلت الباحثة بنبراهيم إلى تقصي شعرية المسرح والذاكرة الجمعية، على ضوء العديد من الاجتهادات لكل من الطيب الصديقي، والشرايبي،..).
وخصصت الباحثة حيزا مهما في مداخلتها، لشعرية التجربة المسرحية الحسانية، إذ ارتبط المسرح الحساني بالشعر (الغنا)، فيما تميزت الألفية الجديدة ببروز مفهوم المابينو (الهجنة). لتركز الباحثة نوال بنبراهيم في لحظة معرفية على تجربة مسرحة السرد، وشعرية المسرح والأداء والصور البصرية.. سمات تتجلى وتنجلي في تجارب حديثة (أسماء هوري وأمين ناسور…)، فيما تطرحه من شعريات مسرحية جديدة، وتتأسس على لحظة المابين ومكر الخطابات. واختتمت الباحثة بسؤال يهم الذاكرة، أو هي تلك الذاكرة المتعددة، كما هي تعدد الشعريات، ما أفضى لهوية “مترنحة” عابرة للخطابات.
الفنانة والباحثة نزهة حيكون، والتي تقود اليوم تجربة مهمة ضمن توطين فرقة فانوراميك لفنون العرض، حددت مفاهيم مداخلتها على ضوء ما يطرحه الموضوع، في علاقة بـ (الشعر، المسرح، والذاكرة) في تجسيد للتجربة الإنسانية وتحقق الوجدان الشعبي وانبلاج لأرشيف الذاكرة الجمعية. ويمثل سياق شعرية الأداء، كما يحضر في التجربة الجمالية للمسرح، وجماليات التلقي، بعضا من نبش في ذاكرة المتلقي خصوصا عندما انتقلت الباحثة إلى جرذ لبعض الأعمال، تقاسيم على الحياة وذاكرة النسيان وتجربة الصديقي مع ديوان سيدي عبد الرحمن المجذوب.
يظل المزج بين الشعر والمسرح والبحث عن جمالية خاصة، رهانا من بين رهانات أخرى، لتحقق فعلي لجماليات خاصة، وترسيخ للذاكرة الجمعية، خصوصا ذاكرة الحكم الشعبية. وانتقلت الباحثة إلى تقصي تداخل الفنون، من خلال علائقيات جمالية تطرحها على مستوى التحقق، ومن خلال حضور الشعر والعمق الفني وحضور الشخصيات.
لامست ندوة كلميم موضوعا لازال يستأثر بانشغالات نقاد الشعر والمسرح، بل ظل يسهم في إرهاف ذاكرة الخطاب المسرحي أساسا، خصوصا في هذه العلاقة الأبدية بين الشعر والمسرح، وفي ظل ما يطرحه موضوع الذاكرة اليوم، على ضوء العديد من التحولات التي مست الراهن اليوم، في قدرتها على إفراز أسئلة جديدة. وإذا كانت الذاكرة، وصلا بين الماضي والحاضر، كما أشارت الناقدة أسماء كريم، فإن إعادة قراءة شعرية المسرح على ضوء اجتهادات أرسطو، والتركيز على علاقة الذاكرة بالتعبير الفني، ورصد سمات هذه العلاقة من خلال النص الدرامي للكاتب عبدالكريم برشيد “ابن الرومي في مدن الصفيح”.
عن البعد الغنائي ومفهوم الصناعة وتشييد عوالم المسرحي، تنبجس عوالم المسرحي، حيث الذاكرة جسر وصل بين الأجيال. ومن خلال مسرحية عبد الكريم برشيد “ابن الرومي في مدن الصفيح”، تتم إضاءة الذاكرة عبر شخصيات تراثية مرتبطة بما وسمته الباحثة، بـ “ذاكرة ثقافية”، لتنتقل في مستوى أخير إلى حضور المرأة في هذا العمل المسرحي، والذي قدمته العديد من الفرق المسرحية.
من جانبها، عرجت الفنانة الكاميرونية ماسان أبيروكو على التجربة المسرحية الكاميرونية، منذ إنشاء مدرسة للمسرح بإشراف فيليب دوشييه الفرنسي، لتصل إلى تطور التجربة المسرحية وخفوتها السنوات الأخيرة.
تعتبر أبيروكون أن الممثل “كتابة ثالثة” تتحقق على الركح، بل إن المسرح يقوم على شعرية الجسد ويتحول النص إلى حيوات على خشبة المسرح. وتتجه ماسان إلى افتراض أساسي، في أن المسرح ولد في إفريقيا، على اعتبار أنه سلوك إنساني عند الإفريقي. فالمخرج وهو يبحث عن الاستعارة، بعيدا عن تأويلات المسرح المعاصر والذي لا تستسيغه الدراماتورج الكاميرونية، يمارس بطريقة خاصة، كما أن الكاتب الدرامي أمسى بعيدا عن هموم وشجون أبي الفنون، ما لم يتم التركيز على “الهوية الثقافية الإفريقية”، ومن خلال تجربتها مع مسرحة الأمثال والحكايات الشعبية الكاميرونية، تظل الذاكرة حية ومتقظة.
في فقرة ثانية، من برنامج ندوات، اختارت دار الشعر بمراكش أن تخصص فقرة خاصة لتكريم الشاعر والمسرحي عبد اللطيف الصافي أحد رواد الحركة الثقافية والفنية بالجنوب المغربي. ضمن ترسيخ لثقافة الوفاء والاعتراف بالمنجز الشعري والفني لأصوات شعرية وأدبية من الجنوب المغربي، أحد أبرز التجارب الإبداعية والمسرحية في واد نون والجنوب.
وظهر من خلال شهادات كل من، الفاعل الاجتماعي حمدي التامك، والناقدة نوال بنبراهيم، والفنان عبد العزيز نافع رئيس أدوار للمسرح الحر، المسار الغني لتجربة الصافي الرائدة في قدرتها على مزج العديد من الاهتمامات: الشعر والمسرح والتأطير والتربية والثقافة والاعلام.عبد اللطيف الصافي، رائد من رواد ترسيخ تجربة المسرح المدرسي، ومؤسس لمشاتل التكوين المسرحي للشباب، وعطاءات وإسهامات مهمة في مجال الإبداع الشعري والدرامي.
ديوان جديد من “ضفاف شعرية”
ونظمت دار الشعر بمراكش فقرة جديدة من برنامج “ضفاف شعرية”، وذلك يوم الأحد 3 نونبر بفضاء بهو (فندق حمزة) مدينة كلميم، بمشاركة الشعراء: أم الفضل ماء العينين وعبد المالك مساعيد، والفنانة مسان ابيروكو فيما أحيى الحفل الفني لضفاف الفنان عبد العالي الصحراوي (باروطيل). ديوان ضفاف شعرية، سهرت على تقديم فقراته الإعلامية صوفية الصافي، والتي أكدت على أن تجربة دار الشعر بمراكش، في قدرتها على الانفتاح على مختلف مدن وجهات الجنوب المغربي، تعكس المكانة الرائدة لهذه الدار في المشهد الثقافي المغربي والعربي والدولي.
هي نافذة شعرية جديدة تنفتح على آفاق شعرية خارج محور مراكش، في انفتاح بليغ على أصوات وتجارب شعرية وحساسيات من المنجز الشعري المغربي اليوم، وفي استدعاء لهذا التعدد اللساني والتنوع الثقافي المغربي. وشاركت الشاعرة أم الفضل ماء العينين من مدينة العيون، جوهرة الجنوب والصحراء المغربية في ضفاف، الشاعرة أم الفضل قرأت نصوصا شعرية، افتتحتها بنص شعري حول غزة، ومقاطع شعرية قصيرة تمتح من معين شجون المرأة، في استبطان لهواجس وانجراحات عابرة للروح.
وجاء الشاعر عبد المالك مساعيد، أحد متوجي دار الشعر بمراكش في مسابقة أحسن قصيدة، حاملا قصيدته الحديثة منتصرا لأفقه الشعري. قرأ مساعيد قصيدتين من جديد إبداعاته، صوت الشاعر الذي يسعى من خلال رهانه بلاغة اللغة والرؤى، والحفر في ثنايا الوجود بما يؤوله شعريا كعلامات فارقة وأيضا حضور الشاعر، في مرايا اللغة وانكتابه على البياض. وقدمت الكاميرونية ماسان ابيركو، نصا شعريا كتب في باريس، عن الحياة والإنسان والوجود. صورة مركبة لنص، قام بترجمته الشاعر عبد الحق ميفراني، ينصهر في بوثقة ما تنشغل به عادة أبيروكو الفنانة، بحثا عن عمق الروح الإنسانية المشبعة بالتجربة الإنسانية.
هي ثلاث تجارب متعددة بميسم مختلف، يعبرون على خصوبة المنجز الشعري، وغنى ما يطرحه من رؤى.
وتواصل دار الشعر والشعراء بمراكش كتابة سيرة برنامجها الثقافي والشعري للموسم الثامن، بنفس وروح جديدتين، وبانفتاح على أفق معرفي وإبداعي يزاوج بين النهل من شجرة الشعر المغربي الوارفة، بأجيالها وحساسياتها وتجاربها، وأيضا من خلال الانفتاح على أسئلة وقضايا الشعر، فيما تفتح برمجتها أفقا متجددا لمؤسسة ثقافية ترنو لأفق توطين قيم الشعر وإبراز التعدد اللساني والتعدد الثقافي المغربي الغني.
كلميم: بيان اليوم