مقدسات ومحرمات وحروب.. ألغاز الثقافة -الحلقة 14-

يتناول كتاب «مقدسات ومحرمات وحروب: ألغاز ثقافية» لـمؤلفه «مارفين هاريس» بعض من الأعراف المحيرة بين الشعوب الأمية أو البدائية، والتي تبدو ألغازا عصية على الحل، بل وتحيل على الجهل والخوف والتناقض كعناصر أساسية تشكل الوعي اليومي.
امتناع الهندوس عن أكل لحم الأبقار، أو كره اليهود، والمسلمين، أو لماذا يؤمن بعض الناس بالمخلصين بينما يؤمن آخرون بالساحرات، هي صورة في ما لا يعد ولا يحصى من أوهام مكتسبة واسعة، تعزز قناعتنا الأعمق بالكيفية التي يتحتم من خلالها أن يتصرف وفقها أناس بعقلياتهم الشرقية المبهمة.
بيان اليوم تقدم لقرائها بعض من هذا الإصدار الممتع ضمن حلقات رمضانية.

عصي المكانس ومجمع السحرة

الساحرة يمكن أن تطير واقعيا للاجتماع بالشياطين

اكتملت جوانب منظومة صيد الساحرات المخضرمة في وقت مبكر من القرن الثالث عشر، لكن ليس كونها جزءا من النضال ضد الساحرات، ذلك أن الكنيسة أذنت في البداية باستخدام التعذيب ليس ضد الساحرات، بل ضد أعضاء المنظمات الكنسية غير المشروعة التي انبثقت في مختلف أنحاء أوروبا مهددة بكسر احتكار روما لضريبة الأعشار والطقوس الدينية.

وبحلول القرن الثالث عشر، على سبيل المثال، تطور الألبيون ويطلق عليهم أيضًا الطهرانيون في جنوب فرنسا كونهم جسما كنسيّا مستقلا وقويا مع رجال الإكليروس الخاصين بهم الذين اجتمعوا علنا تحت راية حماية الفصائل من النبلاء الفرنسيين.

وكان البابا قد دعا إلى حرب مقدسة – وهي الحملة الصليبية الألبية – للحفاظ على جنوب فرنسا نصرانيا. وتمت إبادة الألبيين في نهاية المطاف، لكن كثيرًا من طوائف الهرطقة الأخرى مثل الولدانيين (Waldenses) و (الفودواة (audio حلت مكانها وبغرض محاربة هذه الحركات الهدّامة، أنشأت الكنيسة تدريجيًا محاكم التفتيش، مكتبا شبه عسكري خاص، وظيفته الوحيدة هي استئصال الهرطقة. وبسبب ملاحقة محاكم التفتيش في فرنسا وإيطاليا وألمانيا للهراطقة، لجأوا إلى التخفي وشكلوا خلايا سرية، وعقدوا اجتماعات بعيدا من الأنظار. وعندما وجدت محاكم التفتيش البابوية أن جهودها تُحبط من خلال عمليات الأعداء السرية طلبت الإذن باستخدام التعذيب لإجبار الهراطقة على الاعتراف وتسمية شركائهم. منح البابا ألكسندر الرابع هذا الإذن في منتصف القرن الثالث عشر.

بينما كان الولدانيون والفودواة يتعرضون للتعذيب كانت الساحرات مازلن يتمتعن بحماية تشريع إيبسكوبي الكنسي كان السحر جريمة، لكنه لم یکن هرطقة – من باب أن الاجتماع بالشيطان كان تصورًا من نسج الخيال. وبمرور الوقت اعترى

محاكم التفتيش البابوية الاضطراب بسبب نقص الولاية القضائية على حالات السحر.

وقالوا إن السحر لم يعد كما كان عليه في أيام قانون إيبسكوبي الكنسي. لذلك تم تطوير نوع جديد وأخطر بكثير من السحر – الساحرة التي يمكن أن تطير واقعيا للاجتماع بالشياطين. وكانت تلك الاجتماعات تماما مثل اجتماعات طوائف الهرطقة السرية، لكن الطقوس كانت أكثر إثارة للاشمئزاز. فإذا كان يمكن للساحرات أن يُعذبن مثل الهراطقة الآخرين فإنّ اعترافاتهن يمكن أن تفضي إلى اكتشاف هيئة واسعة من المتآمرين السريين. في نهاية المطاف تنازلت، روما، وأصدر بابا يدعى إينوسنت مرسوما بابويا في عام 1484 أذن بموجبه للمحققين هنريش إنستيتر وجاكوب سبرينجر باستخدام السلطة الكاملة في الاستجواب لاستئصال الساحرات من ألمانيا كلها.

أقنع إنستيتر وسبرينجر البابا بالحجج التي وجدت لاحقا في كتابهما مطرقة الساحرات، الدليل الكامل لصائد الساحرات إنها الحقيقة، واعترفا أن بعض الساحرات يتخيلن فحسب أنهن حضرن للاجتماع بالشيطان، لكن كثيرات منهن نُقلن في الواقع إلى هناك جسديًا. على أي حال، إنّه الشيء ذاته، بما أن الساحرة التي تذهب فحسب في الخيال ترى ما يحدث حقيقة كما تراه الساحرة التي انتقلت بجسمها. كما بالنسبة إلى تلك الحالات حيث أقسم زوج أن زوجته كانت في الفراش إلى جانبه، بينما شهد آخرون أنها كانت في اجتماع الشيطان إنها لم تكن زوجته التي لمسها لكن شيطانا حل مكانها. ربما ادعى تشريع إيبسكوبي الكنسي أنّ الرحلة كانت محض خيال، لكن لم يكن أي شيء متخيَّلا إطلاقا في ما يتعلق بالأذى الذي كانت تقوم به الساحرات. من هو المغفل لدرجة التأكيد… بأن كل سحرهم وأذياتهم كانت متوهمة ومتخيَّلة، عندما يكون العكس واضحًا لحواس الجميع؟»، كل مصيبة يمكن تصورها فقدان الماشية والمحاصيل وموت الأطفال والمرض والأوجاع والآلام والخيانة والعقم والجنون – كانت تُعزى إلى السحر. استنتج كتاب مطرقة الساحرات بالتفصيل كيف كان يتم التعرف إلى الساحرات واستدعاؤهن واختبارهن وتعذيبهن وإدانتهن والحكم عليهن في هذه الأثناء، كانت منظومة صيد الساحرات قد اكتملت وأصبحت جاهزة للتطبيق في أوروبا كلها على امتداد المئتي سنة المقبلة، وبنتائج مدمرة، على أيدي صيادي الساحرات سواء الكاثوليك أم البروتستانت وعاما بعد عام كانت المنظومة جاهزة لإنتاج مورد لا ينتهي من الساحرات الجديدات لاستبدال أولئك اللواتي يتم إدخالهن إلى السجن أو حرقهن.

 إعداد: ايت اومزيد سعيد

Related posts

Top