حقيقة أنا مع ضم وزارة التعليم المدرسي والجامعي مع وزارة الرياضة، على اعتبار أن المؤسسات التعليمية هي المشاتل الحقيقية التي بإمكانها أن تفرز نجوم في مختلف الرياضات. والتأثيث لأجيال سليمة جسمانيا وعقليا. فالمؤسسات التعليمية وخصوصا الثانويات والجامعات تتوفر على البنيات التحتية والتجهيزات اللازمة لممارسة جل أنواع الرياضات الفردية والجماعية. كما تتوفر على الموارد البشرية اللازمة المشكلة من أساتذة ومفتشي مادة التربية البدنية. خريجي مدارس عليا متخصصة. أكثر من كل هذا فإن المشاتل الرياضية للمؤسسات التعليمية هي تحت إشراف أطر للتربية قبل التعليم. والذين يمارسون أدوار الأبوة والأمومة قبل التدريس. ويأملون (كما الآباء والأمهات) أن يرتقي مستوى إبداع التلاميذ في كل المجالات بما فيها الرياضية والثقافية. فالكل يدرك جيدا أن الأستاذ هو الشخصية الثانية بعد الأب والأم، الذي يعمل بجد من أجل أن يكون التلميذ في مرتبة عليا، بل ويسعد إن فاقه علما ومكانة.
داخل المؤسسات التعليمية، تؤسس الأندية الرياضية. وفروع الجمعية الوطنية للرياضات المدرسية. وهناك مديرية الارتقاء بالرياضة المدرسية، والجامعة الملكية المغربية للرياضة المدرسية. بإمكانها أن تعمل بتنسيق مع باقي أقسام ومصالح وزارة الرياضة. من أجل تكوين النجوم والأبطال. وجعل الرياضة في قلب برامج الحياة اليومية للمواطنين.
مؤسف أن ترى الأطفال يمارسون الرياضة بالأزقة والشوارع، وبجوار منازلهم مؤسسات تعليمية بها ملاعب وفضاءات رياضية فارغة، وتجهيزات رياضية تتعرض للتلف والصدأ. كم هو مؤسف أن تؤسس جمعيات رياضية من طرف أشخاص لا علاقة بالرياضة لهم. همهم الوحيد الحصول على منح الجماعات الترابية وأموال المساهمين (المحسنين)، في الوقت الذي كان بالإمكان الاستعانة بأساتذة التربية البدنية. فحتى مبادرات ملاعب القرب، لم تنصف الأطفال والشباب الممارسين للرياضة. باعتبار طرق تدبيرها الغامضة والمشبوهة من طرف جمعيات أو من طرف إدارات تابعة للوزارة، واقتصارها على رياضة كرة القدم.
واقع الرياضة يفرض ضرورة التعجيل بإعداد نموذج تنموي رياضي جاد ومنصف. يجعل من المؤسسات التعليمية مشاتل حقيقية لإنتاج النجوم والأبطال في مختلف الرياضات. والأهم من كل هذا إعداد أجيال سليمة العقل والجسد. وقادرة على الدراسة والتكوين والتميز. ووقف زحف الانحراف والإجرام والتطرف. مستقبل الرياضة المدرسية والجامعية يكمن في مدى استفادة التلاميذ والطلبة من برامجها السنوية في ظل تردي الأوضاع التعليمية. والاستفادة من البنيات والتجهيزات الرياضية حتى خارج فصول الدراسة. بمعنى أن تنفتح المؤسسات التعليمية على محيطها الرياضي. وإحداث شراكات مع الأندية والجمعيات الرياضية المتواجدة في المدن والحواضر التي تتواجد بها.
ضعف العطاء الرياضي في عدة رياضات، يعود بالأساس إلى ضعف الاهتمام بمادة التربية البدنية، وتدهور الملاعب الرياضية وانعدامها داخل معظم المؤسسات الابتدائية العمومية، ومعظم المؤسسات التعليم الخصوصية. ومنع استغلال المرافق الرياضية خارج أوقات الدراسة. كما أن أنشطة ومنافسات الرياضة المدرسية والجامعية محليا، إقليما، وطنيا وحتى دوليا. لم تعد تشد إليها أنظار التلاميذ والطلبة، ولا أولياء أمورهم. كما لم تعد تثير اهتمام المهتمين بالشأن الرياضي الوطني وعموم الجماهير المتعطشة للرياضيين الواعدين. لم تعد تشكل تحفيزات تمنح التلاميذ قوة التنافس وتشحنهم بالروح الرياضية التي اعتبرت من طرف أخصائيي علم النفس، أسمى ما يمكن أن يجعل من التلميذ شخصية متزنة ومتخلقة وجادة، وقابلة للاستيعاب والتفاعل الإيجابي.
ولعل أبرز ما يثير استغراب العديد من المهتمين بالشأن المدرسي، طريقة التعامل مع التلاميذ الراغبين في الممارسة الرياضية أو طالبي الإعفاء منها. فالإعفاء لم يعد حكرا على الذين يعانون من أمراض وإعاقات تحول دون قيامهم بمجهودات عضلية. بل أصبحت الشواهد الطبية في متناول كل راغب في الابتعاد عن الرياضة. وحتى من طرف تلاميذ يمارسون رياضات مختلفة ضمن فرق محلية وجمعيات رياضية. يفضلون إعفائهم من مادة التربية البدنية. وتحتل فئة الإناث النصيب الأكبر من طالبي الإعفاء من مادة التربية البدنية، لعدم رغبتهن في ارتداء ألبسة رياضية غير محتشمة. أو الاحتكاك مع الذكور أو بهدف استغلال حصص التربية البدنية في أمور لا علاقة لها بالتعليم. كما أن الراغبين في الممارسة لا يخضعون لفحوصات تبين مدى استعدادهم الجسماني والنفسي لتطبيق البرنامج الرياضي دون التعرض لمضاعفات قد تضر بصحتهم.
تدخل مادة التربية البدنية ضمن المواد المدرسة بالتعليم الابتدائي. خصصت لها حصتين في الأسبوع. لكن المدارس الابتدائية العمومية لا تتوفر على مدرسين متخصصين في الرياضة المدرسية. ومعظمها لا تتوفر على فضاءات لممارسة الرياضة. كما لا تتوفر على برنامج سنوي يمكن اعتماده لتنمية قدرات التلاميذ رياضيا. وهناك تلاميذ يمارسون حصص الرياضة بملابسهم العادية. تلك الحصص الرياضية شبه غائبة دخل المؤسسات التعليمية الخصوصية.
المؤسسات الخصوصية توجد فوق مساحات ضيقة يستغل معظمها في بناء الحجرات والمرافق الصحية، بالكاد يبادر بعض أصحابها إلى خلق فضاء داخلها من أجل استرخاء التلاميذ أثناء فترات الراحة بين الحصص الدراسية أو ممارسة الرياضة. علما أن تلاميذ الثانوي مطالبين باجتياز اختبارات تدخل معدلاتها ضمن مجموع نقط التقييم المدرسي. وإذا كانت بعض الثانويات تبادر إلى التعاقد مع بعض المؤسسات التعليمية من أجل الاستفادة من ملاعبها الرياضية وتجهيزاتها، فإن هذه العملية المرخصة من طرف الوزارة الوصية ناذرا ما يتم تفعيلها بسبب الاكتظاظ الحاصل أصلا داخل الثانويات العمومية. والنتيجة أن التلاميذ لا يستفيدون من مادة التربية البدنية وتمنح لهم نقطا تقييمية خيالية تحتسب في المعدل العام للمراقبة المستمرة. كما يجدون صعوبة في اجتياز اختبار البكالوريا رغم سلامتهم العضوية والنفسية، فيضطر معظمهم إلى الحصول على شهادة طبية لإعفائهم من الاختبار ومن نقطة مادة التربية البدنية.
بقلم: بوشعيب حمراوي