تاريخ كل أمة خط متصل، قد يصعد الخط أو يهبط، وقد يدور حول نفسه أو ينحني ولكنه لا ينقطع. ولعل كل أمة تنقب عن تاريخها وتصونه من أجل الرقي بحاضرها والتحضير لمستقبلها. وكذلك شأن المملكة المغربية التي اجتهد مؤرخوها لصون تفاصيل تاريخ يمتد لقرون طويلة عرف فيها المغرب عدة حضارات وساسه قادة وملوك وسلاطين. بيان اليوم حاولت النهل من كتب ومراجع ومخطوطات عديدة لتحضير هذه النافذة التاريخية لقرائها طيلة شهر رمضان الكريم، تطل من خلالها على ما مضى من مواقف ملوك وسلاطين المملكة اتجاه أبرز الأحداث.
علي بن يوسف بن تاشفين (الجزء 2)
الحرب مع قشتالة
بدأ عهد علي بن يوسف في الأندلس، بأن أمر أخاه تميما بن يوسف بمواصلة الجهاد في الشمال، فخرج تميم من غرناطة في رمضان 501 هـ/ماي 1108 م إلى أراضي قشتالة، ولاقته قوات المرابطين من مرسية وقرطبة وبلنسية وساروا صوب أقليش، وهزموا الجيش القشتالي في معركة أقليش يوم 16 شوال 501 هـ/29 مايو سنة 1108 م هزيمة ساحقة، قُتل فيها ولي العهد الطفل سانشو بن ألفونسو السادس ملك قشتالة وعدد من كونتات قشتالة، ومات بعدها بفترة قصيرة ألفونسو السادس حزنًا على ولده الصغير.
في 15 محرم 503 هـ/14 ماي 1109 م، عبر علي بن يوسف إلى الأندلس للمرة الثانية بجيوشه من سبتة، وسار إلى غرناطة، ومنها إلى قرطبة، فأقام بها شهرًا يُجمّع الجيوش ويضع الخطط، ثم عبر جبال الشارات ومنها إلى أراضي طليطلة التي اجتاحها وانتسف زروعها، وخرّب ديارها، وسبى الكثير من أهلها، واستولى على الكثير من القلاع والحصون، واسترد طلبيرة، ورتب بها حامية قوية، ثم استولى على مجريط ووادي الحجارة. ثم ضرب حصارًا على طليطلة مدة شهر، دون أن يفتتحها. وبعد وفاة ألفونسو السادس ملك قشتالة، اضطربت الشؤون الداخلية في مملكة قشتالة نتيجة الصراع على العرش بين أورّاكا ابنة ألفونسو، وحربها مع زوجها ألفونسو الأول ملك أراغون من جهة، وبينها وبين أشراف جليقية الذين ناصروا تنصيب ولدها ألفونسو ريمونديث ملكًا من جهة أخرى، وانشغلوا فترة عن مهاجمة المرابطين.
استغل المرابطون الوضع، وأطلقوا حملة أخرى يقودها مزدلي بن تيولتكان والي قرطبة نحو قشتالة في سنة 507 هـ/1114 م، فاستولى على حصن أرجنة وقتل حاميته، وسبى الكثير من النساء والأطفال، ثم قصد طليطلة وضرب حولها الحصار مرة أخرى، ودارت معركة كبيرة بين جيش المرابطين وجيش قشتالة بقيادة ألبار هانس قتل فيها من القشتاليين 700 مقاتل، إلا أن القشتاليين استطاعوا فك الحصار بعد أن نجحوا في إحراق آلات المرابطين الثقيلة. وفي صفر سنة 509 هـ/يونيه 1115 م، خرج محمد بن مزدلي والي قرطبة بعد وفاة أبيه ليرد القوات القشتالية التي اقتربت من أراضي قرطبة، ونشب قتال عنيف سقط فيه محمد بن مزدلي وعدد كبير من زعماء لمتونة منهم القائد محمد بن الحاج. ولما وصل الخبر إلى علي بن يوسف، ولّى ابن عمه يحيى بن تاشفين على قرطبة، فحشد قواته، وسار على أثر القشتاليين نحو بياسة، ولحق به عبد الله بن مزدلي والي غرناطة ونشبت معركة جديدة، هُزم فيها المرابطون مرة أخرى، وقتل منهم عدد كبير في 28 جمادى الآخرة 509 هـ/17 نونبر 1115 م.
سنة 520 هـ، عبر تاشفين بن علي بجيش مرابطي من 5,000 فارس، لغزو أراضي قشتالة، غزا أراضي طليطلة، والتقى القشتاليين في فحص الضباب، وهزمهم هزيمة شديدة، وافتتح ثلاثين حصناً. وفي سنة 522 هـ، التقى تاشفين القشتاليين عند قلعة رباح، وهزمهم. وفي رمضان 524 هـ، خرج تاشفين بن علي في جيشي غرناطة وقرطبة إلى حصن السكة، وافتتحه عنوة وقتل به 180 مقاتل، ثم حصن بارجاس من أحواز مجريط فقتل فيه 50 رجل، ثم عاد أدراجه. في ربيع الأول 526 هـ/يناير 1132 م، نمى إلى علم تاشفين أن القشتاليين متجهين صوب قرطبة، فهرع إلى قرطبة، فوجد القشتاليون قد استولوا على حصن شنت إشتيبن، وساروا إلى براشة، وهناك وقعت معركة عنيفة هزم فيها المرابطون القشتاليين وقتلوا وأسروا عددا كبيرا منهم، ثم بلغه تقدُّم جيش قشتالي آخر بقيادة الكونت ردريغو غونثالث دي لارا للإغارة على أراضي إشبيلية، فقاتلهم والي المدينة عمر بن الحاج اللمتوني في معركة عنيفة، قتل فيها عمر بن الحاج ومعظم جنده في 15 رجب 526 هـ/أول يونيو 1132 م، فأغلقت المدينة أبوابها، حتى أدركها جيش تاشفين بن علي، فانسحب الجيش القشتالي بغنائمه.
وفي سنة 528 هـ/1134 م، حشد ألفونسو السابع جيشًا كبيرًا، واتجه نحو بطليوس، فسار إليه جيش تاشفين حتى التقيا في جمادى الأولى 528 هـ/مارس 1134 م بالقرب من الزلاقة، ودارت معركة كبيرة انتصر فيها المرابطون ثم عاد تاشفين في ذي الحجة 528 هـ، وخرج بقوات غرناطة وقرطبة وإشبيلية لغزو قشتالة، فكمُن لهم القشتاليون عند موضع يدعى البكار، وهاجموهم بألفي مقاتل، فاضطرب المرابطون، لكنهم ثبتوا بعد ذلك وهزموا القشتاليين بعد أن خسر الفريقان عددا كبيرا من القتلى.
الحرب مع البرتغال
في سنة 504هـ/1111م، أطلق علي بن يوسف حملة أخرى نحو الغرب يقودها سير بن أبي بكر وإلى إشبيلية صوب قُلُمرية لقتال أميرها هنري كونت البرتغال، فسار نحو بطليوس، ومنها إلى يابُرة فافتتحها، ثم استولى على أشبونة وشنترة، ثم سار شمالاً فاستولى على شنترين، كما افتتح برتقال وبطليوس. وفي محرم 511 هـ/ماي 1117 م، عبر علي بن يوسف للأندلس للمرة الثالثة، وسار في قواته صوب إشبيلية، ومنها نحو أراضي البرتغال، وغزا قُلُمرية ولم تستطع قوات تيريزا كونتيسة البرتغال أن تقاومه، فدخل قلمرية بعد أن حاصرها في 22 يونيو 1117 م/18 صفر سنة 511 هـ، ثم غادرها مثقلاً بالغنائم بعدما أدرك صعوبة الدفاع عنها. وفي سنة 533 هـ، ردت حاميتا شنترين ويابرة قوات برتغالية غزت الأراضي الإسلامية، وقتلت وأسرت منها عددًا، واستولت على ما كانت قد جمعته من غنائم.
الحرب مع برشلونة
في صفر 508 هـ/يوليوز 1114 م، خرج ابن الحاج في قواته من سرقسطة، وانضم إليه في لاردة محمد بن عائشة في قواته. وسارا شرقًا، واخترقا أراضي كونتية برشلونة واستوليا على قدر كبير من السبي والغنائم، حتى وصلوا حدود برشلونة، فبعث ابن الحاج الغنائم والسبي مع بعض قواته للعودة جنوبًا، واتجه بباقي قواته غربًا، لكنه فوجئ بكمين كبير اشتبك معه بقواته في معركة كبيرة انهزم فيها المرابطون، وفر فيها ابن الحاج وابن عائشة في عدد قليل. حين علم على بن يوسف بتلك الهزيمة، عين زوج أخته أبا بكر بن إبراهيم بن تافلوت والي مرسية على بلنسية وطرطوشة وسرقسطة، وأمره بالسير للغزو. سار ابن تافلوت شمالاً نحو برشلونة، وحاصرها عشرين يومًا حتى خرج إلى لقائه ريموند برانجيه الثالث كونت برشلونة، ونشبت معركة كبيرة انتصر فيها المرابطون، ولكنهم مُني فيها بنحو 700 قتيل، فانسحبوا نحو أراضيهم. ولما اشتدّت المعارك بين المرابطين وألفونسو المحارب ملك أراغون، عقد المرابطون هدنة مع ريموند برانجيه الثالث، يؤدي فيها المرابطون جزية قدرها 12,000 دينار سنويًا لبرشلونة، نظير عدم مساندتهم لألفونسو المحارب في معاركه مع المرابطين.
الأحداث الداخلية
في سنة 503 هـ/1110 م، ثار أهل سرقسطة على عماد الدولة بن هود لارتمائه في أحضان القشتاليين، وكتبوا إلى علي بن يوسف يدعونه لامتلاك بلادهم، فأرسل علي بن يوسف قائده محمد بن الحاج والي المرابطين على بلنسية بقوات دخلت المدينة في 10 ذي القعدة سنة 503 هـ/31 ماي 1110 م، ودخل ابن الحاج قصر الجعفرية، ففر عماد الدولة بأهله وماله قبل مقدم المرابطين إلى حصن روطة لينتهي بذلك حكم بني هود لسرقسطة، وتنتهي استقلالية طائفة سرقسطة آخر ممالك الطوائف الأولى، لتغدو إحدى ولايات المرابطين. وفي أواخر سنة 509 هـ/1116 م، استرد المرابطون الجزائر الشرقية من يد قوات بيزا وجنوة وبرشلونة التي كانت قد احتلتها قبل عام بأسطول من 300 سفينة يقودها ابن تفرتاش، لكن دون أن يشتبكوا مع البيزيين وحلفائهم الذين فروا بغنائمهم قبل وصول المرابطين، فعيّن علي بن يوسف وأنور بن أبي بكر اللمتوني والياً عليها.
في سنة 515 هـ/1121 م، عبر علي بن يوسف إلى الأندلس للمرة الرابعة بعد ثورة أهل قرطبة ضد أبي يحيى بن روادة والي المرابطين ونهبهم لقصر الوالي، ودور المرابطين، غضبةً لامرأة من أهل قرطبة تجرأ عبد من عبيد الوالي وأمسك يدها. وصل علي بن يوسف قرطبة في ربيع الآخر 515/يوليه 1121 م، فأغلق أهلها الأبواب، واستعدوا للقتال. فأقام ابن يوسف خارجها فترة حتى جاءته أعيان قرطبة تفاوضه، فتجاوز علي عما حدث عملاً بوصية والده بالعطف على من أحسن من أهل قرطبة، والتجاوز عن من أساء منهم، وصالحهم على أن يُعوّض أهل قرطبة المرابطين عما نهب منهم. ثم جاءته أنباء قيام محمد بن تومرت في السوس الأقصى، واستفحال أمره فعاد إلى مراكش.
في سنة 520 هـ، ثار أهل الجزائر الشرقية على وأنور بن أبي بكر عندما أراد أن يرغمهم على ترك ميورقة، وإنشاء مدينة أخرى داخل الجزيرة تكون بعيدة عن البحر، وغضبوا عليه وبعثوا إلى علي بن يوسف يشكونه، فاستجاب علي لهم، وعين محمد بن علي بن غانية المسّوفي بدلاً منه. وفي سنة 529 هـ، وقع بقرطبة هياج شديد، وثار أهلها ضد اليهود بعد مقتل مسلم في أحد أحيائهم، فاقتحموا منازل اليهود، ونهبوها، وقتل خلال ذلك عدد منهم.
إعداد: أنس معطى الله