من الأقاليم

تنقل شكايات المواطنين، وتصريحات فاعلين من أوساط مختلفة في بعض جهات المملكة العديد من التقييمات السلبية لعمل وأداء بعض عمال الأقاليم، سواء على مستوى التدبير العام لشؤون مناطقهم، أو فيما يتعلق بعلاقاتهم مع المواطنين، ومع المنتخبين وغيرهم، وهذا ما يجعل البلاد تبدو أحيانا كأنها تسير بديناميتين متناقضتين، الأولى في المركز حاملة لكثير من التفاؤل والإرادة في التغيير، والأخرى في الأقاليم والجهات تجر البلاد جرا إلى الخلف، وإلى إنتاج المنغلقات وكل شروط الخيبة والإحباط.
لما اشتعل التوتر في تازة مثلا أشارت كل الأصابع إلى المسؤول الإقليمي، وفي تينغير أيضا يتواصل الاحتجاج والسخط على عامل الإقليم، وفي سيدي قاسم انضاف المنتخبون والبرلمانيون إلى سخط الناس ضد العامل، وفي الخميسات يحيط العامل نفسه ومكتبه بسياج من الغياب، ولا يتردد مدير ديوانه في صد كل من رغب في رؤية صاحب المعالي، ولا شك أن مناطق أخرى تعيش الواقع ذاته، ويوحدها أنها كذلك مناطق خاصمتها التنمية منذ سنوات، ويعيش سكانها البؤس والهشاشة في أقسى تجلياتهما.
إن الأمر ليس مجرد «سوء تدبير» من طبيعة محلية بسيطة، ولكن الأمر يتعلق بمسؤولين لا يترددون في تشكيل حاشيات مطيعة تحيط بهم ولا تتحرك إلا بولائهم، وهم أيضا يتدخلون في المحطات الانتخابية لصنع الخرائط والأغلبيات، ولصنع «ممثلي السكان»، وعندما يصير الواقع موبوءا، وتغيب التنمية المحلية، ويفتح الباب للاحتجاجات الاجتماعية، وتسخن الأجواء، يفر هؤلاء المسؤولون، أو يغلقون عليهم الأبواب، ويتركون البلد برمته يراكم الأزمات والمخاطر.
إنها جيوب المقاومة الحقيقية لكل تغيير…
من غير المعقول أن يتأسس إجماع محلي في تينغير ضد العامل، ولا تجد إرادة الناس تعبيرها في الواقع وفي القرار، ومن غير المعقول أيضا أن تشتعل كل تازة، وتهتف الساكنة بصرخة واحدة للاحتجاج لها اتجاه واحد، ومع ذلك لا تتلقى ردا ملموسا، ومن غير المعقول ثالثا أن يصدم كل زائر لإقليم الخميسات، الذي لا تبعد مدينته الثانية عن عاصمة المملكة إلا بأقل من ستين كيلومترا، بحجم التخلف في البنيات وفي التدبير وفي الآفاق، وكأن المنطقة خرجت لتوها من حرب طاحنة…
إن ظرفية البلاد، وتحولات الزمن الوطني والإقليمي، تفرض وجود شخصيات ذات أفق سياسي وطني مدرك لطبيعة اللحظة ورهاناتها، وتكون أيضا ذات كفاءة في التدبير وفي التوقع وفي السلوك، حيث أنه بمثل هذه الكفاءات، وهي موجودة في أسلاك الإدارة الترابية وخارجها، يمكن للإيقاع أن يكون موحدا بين الوطني والمحلي والإقليمي، ويمكن للمغرب الجديد أن ينجح في كسب رهانات الاستقرار والتقدم والتنمية، ومن ثم أن يكون لتفرد النموذج المغربي معنى ملموس في الواقع.

[email protected]

Top