تعد نوال المتوكل واحدة من النماذج الناجحة للرياضيات اللواتي تمكن من المحافظة على مسار ناجح بعد نهاية المشوار الرياضي، مقدمة نموذجا للتحول الإيجابي للإنسان الرياضي.
فقد جعلت نوال من الاعتزال بداية لا نهاية، ومرحلة لإعادة بناء شخصية الرياضي، من ممارسة لا تعرف إلا المضمار أو القاعة والملعب، إلى إطار من مستوى عال تساهم في التدبير والتسيير على أعلى مستوى.
نموذج فريد وغير قابل للتكرار في سماء البطلات المغربيات، فهي بطلة أولمبية في ألعاب القوى، تجاوزت كل الحواجز، لتبرز كرياضية قادمة من عالم محكوم بكثير من التقاليد والأحكام المسبقة، وهي الآن تتقلد مناصب عليا داخل دواليب التسيير بالمؤسسات الرياضية على الصعيد الدولي، بفضل الكاريزما التي جعلتها رافضة للاستسلام والخضوع والتخلي والتراجع والقبول بالأمر الواقع.
خلال فضاء رمضان السنة الماضية، قدمنا حلقات الجزء الأول من مسار نوال المتوكل، والتي خصصت للوقوف على تفاصيل مرحلة الممارسة كعداءة، انطلاقا من ملعب لاكازابلانكيز، مرورا بانتمائها للمنتخب الوطني، وصولا إلى انتقالها للولايات المتحدة الأمريكية للدراسة والتدريب، وفق أساليب وطرق متطورة تختلف كليا عما سبق، لتتوج ذلك بميدالية ذهبية في سباق 400م حواجز بأولمبياد لوس أنجلوس.
خلال رمضان هذه السنة نعود لتقديم تفاصيل مرحلة ما بعد الاعتزال، والتي شهدت الانتقال من مرحلة الممارسة إلى التحول لكسب مكان داخل الأجهزة المشرفة على الرياضة الدولية، وبصفة خاصة الاتحاد الدولي لألعاب القوى واللجنة الأولمبية الدولية، وهذه المرحلة تحفل بالكثير من التفاصيل والمعطيات المثيرة، وهو ما نعمل على تقديمه تباعا عبر حلقات طيلة هذا الشهر الفضيل…
بعد اعتزال الممارسة طرح الاختيار بين التدريب والتسيير
” لا أعتقد أنه يوجد سر وراء نجاحي في اجتياز مجموعة من المحطات المهمة في مساري سواء كرياضية أو كمسيرة. فقط هناك عمل مسبق، لأن أي إنسان يدخل معركة يفكر قبلها في كل الاحتمالات، إذا ما كان سيفوز أم سيخفق. وكما أكرر دائما فسباق 400م حواجز مدرسة بالنسبة لي. تعلمت من خلالها مجموعة من الأشياء التي لعبت دورا أساسيا في تكوينين وجعلتني مستعدة لأي صراع أو منافسة حتى لا أقول حربا، فمنافسي ليس بالضرورة عدو لي.
هناك أيضا الحسابات، حيث أجالس وأستشير مع الآخرين. ولا يمكنني أن أعيش بمعزل عن الناس. والتنافس يتم بين خمس قارات، وبالتالي يتوجب عليك التفاوض أولا على المستوى الوطني ثم العربي والإفريقي قبل الوصول إلى الدولي. وهي ركائز أساسية إذا لم تتوفر فلن يكن بإمكانك تحقيق أي شيء. بداية يجب الحصول على تزكية بلدك في صفة الجامعة الملكية المغربية لألعاب القوى، وإذا لم تحظ بدعمه فلا داعي للترشح.
والنظام الأساسي ينص على أنه عندما تنضم للاتحاد الدولي لألعاب القوى، فإنك تلقائيا تحظى بمقعد داخل جامعة بلدك. وليس من الضروري أن تكون عضوا أو مسيرا، علما بأن الكثيرين يستغربون من عدم تواجدي داخل اتحاد بلدي، رغم عضويتي داخل الاتحاد الدولي. هنا أؤكد أن الأمر ليس إجباريا. ولا يمكن التواجد داخل المؤسستين في ونفس الوقت. العمل هنا وهناك فلن تكون نتائج جيدة. والمثل الفرنسي يقول: “36 مهمة و36 معاناة”. وعندما يرغب الإنسان في القيام بكل شيء يفقد كل شيء، وكما سبق وقلت. فان الرياضة بحر، وبالتالي عليك أن تترك المجال للآخرين.
لابد من التوفر على شبكة علاقات في كل القارات، ترتكز عليها في عملك وتمد لك يد العون وقت الحاجة، حيث يقوم المترشح بالاتصال مع ممثلي الدول من أجل التصويت لصالحه. بدورهم يتحدثون عن المقابل الذي سيحصلون عليه، في حالة ما إذا صوتوا لصالحك. والمقابل هنا يتمثل في حضور لمؤتمر بالدولة المعينة، أو إلقاء كلمة أو تنظيم دورة تكوينية أو تصويت لصالح نساء هذه الدولة، وغيرها من الأشياء التي تحكم هذه العلاقة، لأن المسألة تتم وقف مبدأ “أعطيني نعطيك”. ولا يمكن أن تحصل على شيء دون مقابل. وطبعا هذه الأمور تدخل في إطار العمل المرتبط بصفة عامة بالمجال الرياضي.
من جهتي، تمكنت من بناء شبكة واسعة من العلاقات التي استفاد منها المغرب بطبيعة الحال، حيث كنت عضوة بلجنة تقديم ملف ترشيح المغرب لتنظيم نهائيات كأس العالم في مناسبتين الأولى مع إدريس بنهيمة ثم سعد الكتاني لم تكن لي أي علاقة باللعبة ولم أكن عضو بجامعة كرة القدم. وفي المناسبتين معا طلبا مني بنهيمة والكتاني وقالا لي:
“أينما ذهبنا يتم الحديث عنك، فالألماني فرانس بيكنباور والبرازيلي بيليه والفرنسي بلاتيني كلهم يتحدثون عن نوال المتوكل. ولهذا نريد منك دعم ملف المغرب، خاصة أن لديك علاقات طيبة مع الكثيرين”. شخصيا استجبت للطلب بدون أدنى تردد. لأن الملف ملفي بلدي وهو بمثابة قضية وطنية، لا يمكن التخلي عنها. وفعلا جندت نفسي مع بنهيمة وفريقه وقمنا بالتجوال عبر مختلف بقاع العالم…”.
إنجاز: محمد الروحلي