موسم مولاي عبد الله أمغار يحقق أرقاما قياسية وسط عدة مشاكل تنظيمية

المهدي الفاطمي: الجماعة لم تعد قادرة على التنظيم والمؤسسات الحكومية مدعوة لاحتضانه

يعد موسم مولاي عبد الله أمغار واحدا من أهم التظاهرات الدينية والثقافية على الصعيد الوطني إن لم نقل العالمي، إذ ينظم منذ مئات سنوات عديدة برباط تيط (مركز مولاي عبد الله حاليا)، وتسهر على عملية تنظيمه، كل سنة، الجماعة الترابية لمولاي عبد الله أمغار، وذلك للاحتفاء بالتراث الديني والفلكلوري.

تتوزع مظاهر الاحتفالية بالموسم بين الأنشطة الدينية التي تجرى بضريح الولي والمسجد التابع له، ناهيك عن الأنشطة الفكرية والثقافية والترفيهية التي تؤثث مختلف فضاءات الموسم. وقد امتد الموسم خلال هذه السنة من 9 غشت إلى 19 منه بمعدل 10 أيام، أي بزيادة يومين بالمقارنة مع الأعوام الماضية حيث كانت مدته الزمنية محصورة في 8 أيام.

تراث التبوريدة من الممارسة إلى التجويد

تمثل رائحة البارود النواة الرئيسة التي يحج لأجلها أغلب زوار الموسم؛ بغية مشاهدة عروض الفروسية التقليدية المتنوعة التي يزخر بها الموسم، لكونه بات يعد أكبر تجمع لفن التبوريدة على الصعيد الوطني، حيث شهدت نسخة هذه السنة مشاركة أكبر عدد من السربات الخاصة بفن التبوريدة، والتي بلغ عددها ما يناهز 123 سربة، ثلاث منها للإناث، بمجموع 2126 فارسا وفارسة.

لكن العاشق لهذا الفن يجد نفسه أمام إكراهات متعددة، أبرزها صعوبة الولوج للمحرك الرئيس، نظرا لعدم وجود القدر الكافي من المداخل التي توصل لداخل المحرك لأجل الاستمتاع بطلقات البارود، فجل المداخل الموجودة مكتظة حد الاختناق مما تنتج عنه مجموعة من المشاكل التي تعكر مشاهدة عروض التبوريدة في جو خال من صخب الازدحام، وإلى جانب المشاكل التي يعاني منها جمهور التبوريدة، تعاني أيضا سربات الفروسية من صعوبة الوصول للمحرك الرئيس وأيضا المحرك الثانوي، في ظل غياب ممر خاص يوصل السربات من خيمهم إلى المحرك دون الاختلاط في الشارع العام مع زوار الموسم والسيارات.

إن تجويد فن التبوريدة؛ يقتضي بذل المزيد من الجهود من أجل خلق صورة أكثر جمالية لموسم يعد هو الأكبر على الصعيد الوطني.

 

أبا تهامي بوصفه أيقونة ثقافية

أبا التهامي أو “مول القلة” كما يحب أن يلقبه أغلبية الناس، رجل اختار أن يكون واحدا من صناع الفرجة داخل محارك التبوريدة، إذ أصبح الزائر لموسم مولاي عبد الله أمغار دائم السؤال عن شخصية أبا التهامي؛ وتعتبر هذه الشخصية الفذة، أحد الرموز ذات الحمولات الثقافية والشعبية، فهو رجل في العقد السادس من عمره اختار أن ينفرد بأسلوب فرجوي داخل محرك التبوريدة يتميز به عن غيره.

فتجده يؤثث فضاءات الفروسية؛ ليس بوصفه مشاهدا عاديا، بل بوصفه حكما متذوقا لفن التبوريدة، فكلما كانت الطلقة جيدة وموحدة تطرب الآذان، قابلها أبا التهامي بجرية تشبه الهرولة مما يعكس شعبويته وبساطته؛ حاملا جرته (قلة) الطينية التي تكون ممتلئة بالماء، حيث يرفعها إلى الأعلى بيديه ثم يفرغها، ويتجه نحو السور ويقوم بكسرها، في تعبير واضح منه عن سعادته بالطلقة الموحدة بين فرسان السربة.

إن أبا التهامي يخلق جوا من المتعة المنقطعة النظير داخل المحرك، فكل جرة يقوم أبا التهامي بكسرها، إلا وخلقت ابتهاجا وفرحا هستيريا في نفوس الجماهير الحاضرة.

 وفي المقابل تبدو علامات الحزن واضحة عل ملامح أبا تهامي؛ إن لم يسمع طلقة بارود موزونة، وكأن سعادته رهينة بانسجام طلقات البارود وتناسقها صوتا وانتظاما.

إن شخصية أبا تهامي تستحق التفاتة وعناية بالغة، نظير ما يصنعه من فرح وأشكال فرجوية داخل محارك التبوريدة، فهو لم يعد رجلا ملهما بفن التبوريدة، بل بات شخصية ذات بعد ثقافي ورمزي وجب الاعتزاز بها على مر العصور.

 

فن الحلقة وعائق المكان

تعتبر الحلقة من بين الأشكال الفرجوية الضاربة في التاريخ منذ القدم، فهي لها جمهورها الخاص، لهذا فهي تلعب دورا مهما في استقطاب عدد مهم من الزوار طيلة أيام الموسم.

لكن هذا الفن يواجه عائقا كبيرا في ظل عدم تخصيص حيز زمني مهم يسمح للحكواتي بأن يسرد حكاياته بشكل متسلسل دون الاكتراث لعامل الوقت، كما أنه في حاجة ماسة لمكان خاص به يمكنه من بسط معداته دون تعب أو جهد.

فصاحب الحلقة بموسم مولاي عبد الله أمغار يعاني الويلات، لكونه يفتقد لمكان خاص به؛ فهو ينتظر حتى يفرغ المحرك الرئيس من نشاط التبوريدة الذي يستمر إلى الساعة التاسعة ليلا، وبعدها يبدأ في التسابق لإيجاد مكان داخل المحرك في جو محفوف بالمخاطر، إذ صرح أحد الحكواتيين “لبيان اليوم” قائلا: “نتسابق محملين بأمتعتنا الثقيلة؛ قصد الحصول على مكان، فكل تأخر قد يجعلك خارج المحرك دون عمل، والحلقة كما يعلم الجميع هي مصدر رزق لنا قبل كل شيء، لا مهنة لنا أو حرفة دون الحلقة فهي التي نراهن عليها للحصول على قوت يومنا، لهذا نأتي لموسم مولاي عبد الله أمغار بغية كسب بعض الدريهمات، لكننا نعاني من غياب مكان خاص بنا”.

إن هذا الإكراه يجعل الجهات المسؤولة على تنظيم موسم مولاي عبد الله، أمام ضرورة البحث عن سبل وحلول لمعالجة معاناة الحكواتيين الذين يأتون من مدن مختلفة وبعيدة من أجل خلق جو من المرح قوامه روح النكتة.

 

ضعف البنية التحتية

يعرف موسم مولاي عبد الله أمغار؛ ضعفا كبيرا على مستوى البنية التحتية، وهذا ما اتضح جليا بعدما غمرت المياه العادمة بعض المقاهي، وأفسدت معداتهم وخربت مصدر رزقهم، ولوثت الجو برائحة كريهة، وجعلت أصحاب المقهى الشعبي دون عمل، حيث صرحت صاحبة المقهى لـ”بيان اليوم” قائلة: “سننام الليلة في الشارع كل أغطيتنا تبللت بمياه الصرف الصحي، كما أننا كنا نوفر المبيت الليلي أيضا لزوار الموسم داخل المقهى ونزود الزوار بالشاي و”السفنج”.. كل شيء ضاع وسط الماء، الدقيق والسكر”.. من جهته، وواصل بائع “السفنج” حديثه حول نفس الموضوع  قائلا: “لقد استلفت مبلغ هذه المواد، والآن كيف لي أن أعيد المال لأصحابه بعد هذه الكارثة، ذهبنا عند المسؤولين وأخبرونا بأن ما وقع ليس لنا يد فيه، بل هو من عند الله”، على حد تعبيره، “أتردد على الموسم لمدة خمسين سنة ولم يسبق لي أن عشت هذا الأمر، وما أطلبه الآن هو التعويض عن هذه الخسائر التي تعرضنا لها”.

ولم تكتف مياه الصرف الصحي بتخريب المقهى، بل امتدت حتى للمحرك الرئيس الخاص بالتبوريدة، الشيء الذي خلف استياء كبيرا وسط زوار الموسم الذين عبروا عن عدم رضاهم عن البنية التحتية للموسم خصوصا فيما يخص قلة المراحيض. وهذا ما يلزم تضافر كل الجهود؛ قصد تدارك كل هذه المشاكل التي تعكر السير العادي للموسم، والعمل السنة القادمة على إيجاد حلول ناجعة لمثل هذه المشاكل.

 

الأمن وشروط السلامة

يتضمن الموسم كل ما يحتاجه الزائر من أكل وشرب، فكلما شعر الزائر بالجوع إلا ولمحت عيناه، مجموعة من المقاهي معدة لتوفير الأكل لزوار الموسم، حيث يصطف الباعة، تاركين حرية الاختيار للزبون، فتجد مقاه مخصصة لتقديم الشاي والمسمن والحرشة والحريرة.. ومقاه أخرى تسهر على تقديم اللحم المشوي وهلم جرا.

غير أن أنواع الأكل الموجودة والمقدمة للزبائن؛ في أغلب الأحيان تفتقد لشروط السلامة الصحية، وهذا ما تمت معاينته من اللجن التي تسهر على مراقبة جودة اللحوم وغيرها من السلع المتوفرة بالموسم، حيث تم حجز كميات من اللحوم الفاسدة، ذات الرائحة الكريهة، الموجهة نحو الاستهلاك، الشيء الذي خلف تخوفا كبيرا وسط مرتادي هذه المقاهي.

ولم تقف الجهات المسند لها عملية مراقبة جودة المواد الاستهلاكية بالموسم، عند واقعة اللحوم فقط، بل وجدت مجموعة من المواد الأخرى الموجهة نحو الاستهلاك التي تنعدم فيها شروط السلامة الصحية، من قبيل العصائر الرديئة، حيث يعمل بعض أصحاب بيع العصير على تقديم فواكه فاسدة يقطر منها الماء وتفتقد لطرواتها ولونها الحقيقي.

ويعمل بائعو هذه العصائر، على بيع كأس من الحجم المتوسط بـ 3 دراهم، مما يفتح مجالا للشك، لاسيما في ظل الارتفاع المهول الذي تعرفه أسعار الفواكه خلال هذه الفترة.

إن ما قدمته لجن السلامة الصحية بموسم مولاي عبد الله أمغار، يبقى أمرا جد محمود، لكن وجب التكثيف من عمل هذه اللجان خلال السنوات القادمة، لقطع الطريق على كل من يحاول أن يعبث بسلامة المواطنين.

 

حصيلة الرواج الاقتصادي بالموسم

حقق موسم مولاي عبد الله أمغار أرقاما قياسية خلال هذه السنة، حيث عرف الموسم نصب عدد كبير من الخيم، فاق عددها 25 ألف خيمة شيدها زوار الموسم فوق مساحة كبيرة من الموسم.

كما حقق الموسم رواجا اقتصاديا قدر بـ 100 مليار سنتيم، حيث كشف رئيس جماعة مولاي عبد الله أمغار مولاي المهدي الفاطمي لجريدة “بيان اليوم” أن: “الموسم حقق أرقاما قياسية، حيث وصل عدد زواره هذه السنة ما يقارب 4 ملايين زائر، الشيء الذي خلق رواجا اقتصاديا مهما فاق حسب تقديرات المهتمين 100 مليار سنتيم على امتداد 10 أيام، على مساحة تقارب سبعة كيلومترات، مما انعكس بشكل إيجابي على حركية البيع والشراء بالمنطقة، ناهيك عن توفيره لمجموعة من فرص الشغل الموسمية”.

وختم الفاطمي حديثه قائلا: “إن الموسم بهذه الحمولة الكبيرة، أصبح يفوق قدرة الجماعة على تنظيمه، لهذا أوجه الدعوة للمؤسسات الحكومية المهتمة بالقطاع التراثي قصد احتضانه”.

وتعود هذه الأرقام القياسية التي حققتها نسخة هذه السنة إلى التعزيزات الأمنية المشددة التي شهدها الموسم، حيث عرف حضور عدد كبير من رجال الدرك والقوات المساعدة ناهيك عن السلطات المحلية.

كما تجدر الإشارة إلى أن نسخة هذه السنة من موسم مولاي عبد الله أمغار، سجلت مجموعة من الإيجابيات رغم وجود بعض الإكراهات التي وجب العمل خلال السنوات القادمة على تجنبها، من أجل حصد مزيد من الأرقام القياسية وتوفير جو أكثر متعة لكل زوار الموسم دون عناء.

الجديدة: عبدالمالك اجريري

Top