نبيل بنعبدالله: خوخو من طينة أولئك الرفاق الذين سخروا كل حياتهم لتحويل الأفكار إلى تقدم

في الذكرى الأربعينية لفقيد الحزب والأطلس المتوسط أحمد خوخو

احتضن فضاء منزل دوڤال الذكرى الأربعينية لفقيد الحزب والأطلس المتوسط الرفيق احمد خوخو، أحد قيدومي الحزب ومن مؤسسي فرع أزرو للحزب في سبعينيات القرن الماضي.
حضر هدا اللقاء التأبيني أعضاء الكتابة الاقليمية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بعمالتي مكناس وافران، والمفتشية الاقليمية لحزب الاستقلال بافران، والكتابة المحلية لحزب العدالة والتنمية بأزرو، وفرع أزرو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.
كما حضر هذا اللقاء التأبيني أعضاء مجلس رئاسة الحزب وأعضاء اللجنة الوطنية للتحكيم وأعضاء اللجنة المركزية، وعدد من مناضلات ومناضلي الحزب بأفران وأزرو، وأصدقاء ومحبي الفقيد.
ونسق أشغال اللقاء مصطفى عديشان عضو المكتب السياسي الذي استعرض إحدى القيم الراقية للفقيد أحمد خوخو ومساحات السفر النضالي والسفر الإنساني الذي ملأها مع رفاقه بصبره وهدوئه، وبقدرته على القيادة، وحل المشكلات بخبرته ومعرفته، وبمرونته وقدرته على التكيف مع ظروف كل سفر.
واستمع الحضور لكلمة نبيل بنعبدالله الأمين العام لحزب التقدم والاشتراكية التي ألقاها الرفيق سعيد الفكاك عضو المكتب السياسي والتي نعرض لنصها الكامل فيما يلي:
الأسرة الصغيرة لفقيدنا السي أحمد، عائلته الكبيرة والعريقة من آل خوخو؛
أصدقاءه ومعارفه الأفاضل؛
الرفيقات العزيزات والرفاق الأعزاء؛
أيها الحضور الكريم؛
إنا لله وإنا إليه راجعون، وعزاؤنا واحد، مرة أخرى، في فقدان أحد مناضلي حزبنا الأشاوس، المناضل والمثقف العصامي والإنسان النبيل، الرفيق أحمد خوخو.
إننا نقف اليوم، لنتذكر ونحتفي بأحد أعمدة حزبنا وأحد قيدومي العمل السيامي بالمدينة الغراء أزرو، الذي كان رمزا من رموزها في النضال والإخلاص، وشعلة مضيئة في مسيرة الحزب.
إن كل كلماتنا، في هذا اليوم، لاتكفي لتسليط الضوء على ما قدمه هذا الرجل، ولكننا سنحاول أن نفيه حقه من خلال الحديث عن بعض خصاله الحميدة التي تركت بصمات واضحة في حياتنا وفي حياة الحزب.
لقد كان قيدوم الحزب، الذي نوبنه، رمزا للثبات والإصرار على المبدأ، ولم يكن يومأ من الذين يتأثرون برياح الزمان أو مغريات السلطة، بل ظل ثابتا على مبادئه وأهدافه، مدافعا عن القيم التي آمن بها طوال حياته.
وكان يجسد، بصدق، الإيمان بفكر الحزب، وكان مثالا أعلى لا يساوم في قناعاته، كما كان صريحا في مواقفه و أفعاله. يعرفه الجميع بالكلمة الصادقة والفعل الذي يطابق القول، ولم تكن هناك أي فجوة بين ما يؤمن به وبين ما يعمله.
أما الحكمة، فكانت من أبرز صفاته. حيث كانت له نظرة عميقة للمستقبل، وكانت قراراته دائما مليئة بالتبصر والاستباق والتفكير العميق، وكان يعرف متى يتحدث ومتى يصمت، وكان يقدر الأوقات المناسبة لاتخاذ القرارات التي تصب في مصلحة الشعب والحزب معا.
وفي مجال الوفاء، لا يمكن أن نغفل الولاء الذي كان يكنه لأبناء وطنه، مخلصا لفكرة حزبنا، ثابتا في مواقفه، يضع مصلحة الوطن قبل أي شيء. وقد تجسدت هذه الخصال في الوفاء ضمن تعامله مع رفاقه في الحزب، حيث كان يعاملهم كإخوان له، يحرص على توجههم وإرشادهم لما فيه الخير والصلاح.
وأما التواضع، فقد كان قيدومنا من أسطع الأمثلة على هذا المستوى. فرغم مكانته الرفيعة والاحترام الكبير الذي كان يحظى به في المجتمع، إلا أنه كان قريبا من الجميع، يستمع إلهم ويشجعهم، دون أن يشعر أحدهم بأنه أقل منه شانا. وكان دائما يتعامل مع الجميع بروح بسيطة وسلسة، ما جعل القلوب تلتف حوله وتتعلق به.
فقد قاده التزامه السياسي ووعيه المرموق، إلى حث رفيقاته ورفاقه ليتبوؤا أعلى مراتب المسوولية في الحزب، حيث لم يكن من المتسابقين على المسووليات الحزبية الوطنية، معتبرا أن مسوولياته في مساره النضالي، ماتزال تنتظر منه بذل المزيد من الجهد والعطاء على مستوى القاعدة بصبرو أناة، وعزم وثبات.
فبأي كلمات سوف نرثيك أيها الراحل عنا بلا استئذان؟ و أنت الذي قيد حياتك قلت كل الكلمات وعشت فقط لأجل الإنسان والإنسانية، لأجل الأفكار والمبادئ والقيم النبيلة، بزهد واكتفاء، لا يعرفهما سوى أولئك الذين يشبهونك في الإيمان بالعدالة الاجتماعية وتحرر العقل، وبكرامة المواطن، والانحياز للكادحين والعمال والفلاحين والمثقفين المتنورين، وللفقراء والمستضعفين والمحرومين.
وبقدر ما نحاول استيعاب فداحة فقدانك بيننا، يا أحمد، فإننا سنفقد فيك، ما افتقدناه في كل أولنك اللذين صنعوا مجد هذا الحزب، وشيدوا بناءه الفكري والنضالي والتنظيمي، ورسموا مشروعه السياسي، ونحتوا من أيام حياتهم قيما وروحا ونموذجا نضاليا لا نملك سوى احتضانه والحفاظ عليه وتطويره.

الرفيق أحمد خوخو؛
أيها المناضل الذي ارتبط اسمك بهذه المدينة المناضلة، مدينة أزرو، التي تتميز بثقافة غنية وتاريخ عريق، فليس غريبا، إذن، ونحن في لحظة استحضار بعض خصالك وصفاتك، أن لا نجد روابط روحية بينك وبين أزرو المعروفة بالشموخ والعز، شموخ قبائل الأطلس المتوسط التي قاومت الاستعمار، ورفضت الذل والاستبداد، شموخ صخرة أقشمير، التي قاومت كل صعاب الحياة والتقلبات، وماتزال صامدة شاهدة على تاريخ مجيد لكل الحضارات التي مرت من هنا.
إن ساكنة أزرو معروفة بالكرم، وأحمد جسد هذه الصفة على أرض الواقع، حيث كان كريما على جميع المستويات، يشهد له بذلك الجميع.
قوي العزيمة كنت، كما هي المدينة قوية في مواجهة التحديات والصعوبات. صادق في أفعالك وتعاملاتك، وفي في انتمائك لحزب التقدم والاشتراكية، حريص على احترام الآخرين في آرائهم وأفكارهم، متمتعا بروح عالية من العفو والصفح من أجل إنجاح الفكرة
النضالية الجماعية.
لقد كنت رجل التضامن والتعاون مع الجميع في الأوقات الصعبة، ورفيقا سابقا لزمانه في تحاليلك وتفاؤلك، متشبثا حتى النخاع بوحدة الصف الحزبي، بإيمانك القوي بالروح التوافقية، ونزوعك الواضح نحو التجميع والتوليف.
كما كنت، رحمك الله، مؤمنا بوحدة الصف الديمقراطي واليساري ببلادنا عموما، وعلى مستوى إقليم إفران خصوصا.
لكل هذا وذاك، فإن التئامنا اليوم للحديث عنك، رفيقنا أحمد خوخو، هو جزء قليل من مواساة بعضنا البعض، وتخفيف للألم الذي لا يزال يعتصر قلوبنا، جميعا، منذ ذلكم الأربعاء، في الخامس عشر من يناير الماضي، حيث كان المصاب جللا، ولا يزال.
رفيقنا العزيز السي أحمد خوخو؛ كنت من طينة أولنك الرفاق الذين سخروا كل حياتهم لتحويل الأفكار إلى تقدم، منذ التحاقك
بحزب التحرر والاشتراكية، أيام السرية في ستينيات القرن الماضي، واختيارك بمعية أصدقاء
لك شغوفين بالثقافة، إلى تأسيس جمعية “أضواء المسرح” بأزر وسنة 1965، برئاسة الرفيق عبد العزيز الأزرق، وكانت غايتكم نشر الوعي الثقافي والطبقي في زمن الجمر والرصاص، قبل أن يتم منعها سنة 1972، لتعود رفقة من أقنعتهم من شابات وشباب بعد حصول الحزب على الشرعية سنة 1975 تحت اسم التقدم والاشتراكية، بضرورة ممارسة العمل والتنظيم الحزبي، حيث يسجل التاريخ أنك من موسسي فرع أزرو، رفقة كل الأسماء التي ظلت صامدة وهي في ريعان شبابها، ومنهم من ساهم في التحضير للمؤتمر الأول لحزبنا.
شابات وشباب، منهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا، وعدد منهم موجود اليوم بيننا في هذه القاعة، أطال الله عمر الجميع.
شابات وشباب سحرهم الواجب الوطني، ورغبتهم في المساهمة في تطوير المسلسل الديمقراطي، وتحقيق برنامج مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، وإدراكهم لميزان القوى، فناضلوا بصدق ووفاء، وبإيمان، لخلق تراكم فكري ونضالي للأجيال الصاعدة، من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية والمجالية، والكرامة والمساواة، وغيرها من الأفكار التي أنتجها حزبك، حزب التقدم والاشتراكية، انطلاقا من قناعتك بالبديل التقدمي الذي يقترحه الحزب ويدافع عنه لتحسين أوضاع وطننا وشعبنا.
شابات وشباب، ناضلوا بإخلاص في تأطير الحملة الانتخابية التشريعية لسنة 1977، حيث رشح الحزب الباحثة السوسيولوجية الرفيقة مليكة البلغيتي، شافاها الله وأطال في عمرها.
وهي الفترة التي قرر الحزب بأزرو تكثيف تعبئته لاستقطاب الطبقة العاملة والفلاحين والمثقفين الثوريين والطلبة الذين التحقوا بالحزب، وقتئذ، حيث أخذت على عاتقك مواكبتهم ومرافقتهم، وساهمتم جميعا في نشر قيم الحزب وسط ساكنة الجبل.
ومنذ ذلكم التاريخ، وأنت مجد مجتهد، مفكر في المستقبل، ومستحضر للطاقات التي بإمكانها أن تترشح باسم الحزب في أي استحقاقات، بل قدمت ترشيحك في الانتخابات المحلية بالدائرة رقم 17 بجماعة أزرو، في انتخابات ماي 1983، والأدهى من ذلك، عندما اعتقدت السلطات المحلية وحليفتها الرجعية، بأنه تم القضاء على حزب التقدم والاشتراكية بأزرو، عبر اعتقال مناضليه الـ 28 والحكم عليهم بخمس سنوات سجنا نافذة، قدمت رفقة فقيدنا المرحوم الرفيق عبد الحفيظ شكراد، لائحة ترشيح حزب التقدم والاشتراكية للانتخابات التشريعية للولاية الرابعة 1992-1984، ليتأكد الخصوم، بأن القمع لا يرهبنا، وحب حزب التقدم والاشتراكية يحيي النضال فينا.
رفيقنا العزيز السي أحمد خوخو؛
سنستمع اليوم إلى شهادات رفاقك وأصدقائك، لنقف إجلالا وإكبارا لك، ولشموخك وعزتك، في وجه كل التحديات والصعاب التي رافقت مسيرتك النضالية، وتحملك لكل العواصف التي مرت على حزبك، بصبرك وثباتك على المواقف، وكذا تحملك لصدمة الأحداث الشخصية في فقدان فلذات كبدك في ريعان شبابهم، ابنك نضال، وابنتك انتصار، رحمهما الله. إنها كلها خصال ستظل مصدر إلهام لنا دائما. إن استحضارنا اليوم لشموخك، نروم من خلاله إبلاغ الأجيال الحالية والمستقبلية، أننا فقدنا فيك رفيقا كان لعدد من رفيقاته ورفاقه مثل الأب، رفيقا لم يتوان يوما عن دعم رفاقه وتوجيههم، تقود وتأخذ بيد رفاقك نحو الأمل والنضال.
كانت يداك دائما ممدودة للجميع، يد الدعم، يد التكوين، ويد الحب التي لطالما كانت تهتف للمستقبل ولم تكن لتلتفت إلى الماضي. كنت دائما تحث الرفيقات والرفاق وتشجعهم، وكنت ترى في كل واحد منهم طاقة وطموحا قادرين على بناء مستقبل أفضل.
هذا غيض من فيض في مسيرتك يا أحمد، اقترنت بالتاريخ المعاصر لأزرو وبالمسار النضالي لليسار، وكانت حياتك حافلة بالكفاح والتضحيات، من أجل المبادئ والقيم. لذلك، سيفتقدك حزبك، سيفتقدك الأطلس المتوسط، ستفتقدك أزرو، وسيفتقدك رفاقك في ربوع البلاد، لأنك كنت كريما في البذل والعطاء، ولم تبخل على أي أحد في يوم من الأيام، يا أيها الرفيق والأخ والصديق، ويا أيها الوطني الغيور، والأمازيغي المقدام، والتقدمي الصلب، والمناضل الفذ في سبيل الحرية والكرامة والعدالة والحق.
لقد كنت رمزا للأمانة والإخلاص، مؤمنا بقيم الحزب والمبادئ التي انطلقت من أجلها رسالتنا، وعزيمة أضاءت الطريق لأجيال من رفاقك. لكن، كما كنت دائما تؤمن، فإن المسيرة لا تتوقف، والشعب الذي سعيت من أجل رفعته، سيظل دائما متقدا، والشعلة التي أوقدتها في صفوف رفاقك، سيظل ضوءها ساطعا في دروبنا، في كل زاوية من زوايا هذا الحزب، وستظل ذكراك باقية، في كل فكرة ننفذها، وفي كل قرار نتخذه، وسنظل نحمل في قلوبنا إرثك النضالي الغني.
نعاهدك، يا رفيقنا العزيز، أن نبقى على العهد الذي قطعناه معك، أن نواصل الطريق الذي رسمته لنا، وأن نلتزم بالقيم التي زرعتها فينا. ستظل ذكراك في قلوبنا، وستظل مسيرتك نبراسا نهتدي به. إنك لن تنسى، لأنك حي في قلوبنا، حي في كل خطوة نخطوها في سبيل تحقيق الكرامة والعدالة الاجتماعية والمجالية، والحربة والمساواة، نحو مغرب أفضل.
رحمك الله وأسكنك فسيح جناته، وملأ قبرك نورا كما ملأت حياتنا نورا.

إنا لله و إنا إليه راجعون

Top