“هوتة” السردين على مواقع التواصل الاجتماعي تعيد إحياء الجدل حول ارتفاع أسعار السمك في “بلاد 2 بحور”

ضجة غير مسبوقة على مواقع التواصل الاجتماعي أثارها، خلال الأيام القليلة الماضية، شاب من مدينة مراكش يبيع الأسماك بالتقسيط، والسبب أنه يعرضها بأثمنة منخفضة جدا مقارنة مع باقي البائعين، حيث يبيع سمك السردين بثمن يتراوح بين 4 إلى 5 دراهم للكيلوغرام الواحد، وذلك في مدينة مراكش المعروفة بأنها ليست مدينة ساحلية بل تستجلب احتياجاتها من الأسماك من المدن المجاورة وعلى رأسها مدينة آسفي التي تباع فيها الأسماك بأثمنة مرتفعة مقارنة مع تلك التي يعرضها التاجر الشاب المراكشي.
“هوتة” السردين (الهوتة كلمة فصيحة تحيل في اللغة العربية على “المنخفض من الأرض” وفي الدارجة المغربية تعني “الفرصة” السانحة في انخفاض الأثمنة)، فجرت نقاشا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي بشأن أسعار السمك بأنواعه، في (بلاد 2 بحور). وهكذا توالت المنشورات والتعليقات لتتحول إلى جدل ومعركة مباشرة بين المهنيين الذين يتخذون من المواقع مجالا لترويج بضاعتهم، ويتنافسون في الدفاع عن جودتها، ونوعيتها، وتوقيت اقتنائها من الموانيء، وتوقيت بيعها للمستهلك، وكلها عوامل تبرر، حسب قولهم، ارتفاع الأثمنة وتفاوتها من تاجر إلى آخر ومن مدينة إلى أخرى.
لكن انخراط المواطنين من رواد المواقع بقوة في هذا الجدل، بآلاف التعليقات والمنشورات التي تدافع عن حق المواطن المغربي في اقتناء أسماك ذات جودة بأثمنة معقولة، وتنتقد جشع السماسرة والمضاربين وتواطؤ التجار”المنتفعين”، جعل عددا من المهنيين يخرجون عن صمتهم وينخرطون بدورهم في موجة خفض الأثمنة، من خلال فيديوهات ومنشورات تؤكد أن ثمن بيع السمك المغربي للمغاربة يخضع بالفعل للمضاربة، وتوضح أن سمك السردين لا يتجاوز ثمن بيعه في المصدر 2 إلى 3 دراهم للكيلوغرام، في حين يصل إلى المستهلك في عدد من الأسواق بثمن قد يتجاوز 25 درهما. وحتى في ظل هذا الجدل المثار فإن ثمن السردين مازال يشهد تفاوتا كبيرا بين المدن والأسواق، إذ بينما انخفض إلى 5 دراهم في مدن مراكش وأكادير على سبيل المثال إلا أنه، وإلى حدود يوم أمس، لم ينزل عن 18 درهما للكيلوغرام في مدينة الدار البيضاء.
ويتم التركيز في هذه الحملة على سمك السردين لأنه يبقى أحد أكثر أنواع السمك التي تعرف إقبالا من المستهلك المغربي، ليس فقط لفوائدها الصحية، بل أساسا لتناسب ثمنها مع القدرة الشرائية للمواطن البسيط، علما أن أنواع كثيرة أخرى تزخر بها أسواق الأسماك لكنها تظل بعيدة المنال بسبب أسعارها الباهظة.
وعلى الرغم من الحدة التي طبعت النقاش بين عدد من تجار الأسماك، إلا أن هاته الحملة التي مازالت تفاعلاتها مستمرة على مواقع التواصل، اعتبرها المواطنون والمواطنات ظاهرة صحية لأنها أثارت من جديد واقع ارتفاع أسعار السمك في بلد يحظى بامتياز كونه يطل على ضفتين إحداهما للبحر المتوسط والأخرى للمحيط الأطلسي، وكلاهما معروفان بثروتهما السمكية الهائلة كما ونوعا، والتي يسيل لها لعاب المستثمرين الأجانب في قطاع الصيد البحري من كافة أنحاء العالم، لكن هذا الامتياز للأسف لا ينعكس على حظ المواطن المغربي من هاته الثروة، بحيث يجد نفسه عاجزا عن مسايرة الأسعار التي لا تخضع لأي منطق.
وجدير بالذكر أن هذا الجدل المثار حول أسعار السمك يأتي بعد أيام قليلة من انتهاء فترة
الراحة البيولوجية السنوية للأسماك السطحية، ومنها سمك السردين، والتي كانت السلطات المعنية بالقطاع قد أعلنت عن تطبيقها بدءا من فاتح يناير الماضي، لمدة شهر ونصف الشهر من سواحل أكادير وبوجدور، وشهرين من بوجدور إلى الداخلة، وخلالها عرفت الأسواق مشاكل في التزويد واضطرابا في الأسعار لعدة أسابيع. ولعل انتهاء هاته الفترة يعد بدوره سببا واضحا لانتعاش الأسواق ووفرة عرض الأسماك وعلى رأسها سمك السردين وبالتالي انخفاض أسعاره خلال الفترة الحالية.
في نفس الآن، تأتي هاته المستجدات على بعد أيام قليلة أيضا من حلول شهر رمضان الأبرك الذي يشهد عادة إقبالا على اقتناء الأسماك كمادة مهمة على مائدة الإفطار الرمضانية بالنسبة لعدد كبير من المغاربة. ولذلك فإن الانتعاش الذي نشهده حاليا يفترض أن يعرف بعض التراجع بسبب ارتفاع الطلب، لكن يفترض كذلك أن ألا يتجاوز هذا الأمر حدود المعقول.
وفي كل الأحوال، تتحمل السلطات التنفيذية والرقابية مسؤولية أساسية في ضبط أسواق السمك بما يحافظ على الثروات البحرية من جهة، خاصة في ظل حديث المصادر المهنية عن “الاستنزاف الذي تتعرض له المصايد البحرية” في عدد من السواحل الوطنية. ومن جهة ثانية، مراعاة القدرة الشرائية للمواطن المغربي وحقه في الاستفادة من الثروة السمكية الوطنية، بعيدا عن لغة الخشب والمبررات الواهية والحلول الترقيعية التي تأتي على لسان بعض المسؤولين، وتعرضهم للانتقاد والسخرية، من قبيل ربط قلة العرض وارتفاع الأسعار في أسواق السمك بـ”شح الأمطار”، أو حتى إطلاق مبادرات تمني المواطن بالاستفادة من “ثمن معقول” و”جودة ممتازة” خلال اقتنائه لأسماك “مجمدة” على مستوى “نقاط بيع” محددة، بينما تظل أسواق القرب للأسماك الطرية، والتي تشهد إقبالا يوميا للمواطنين، مفتوحة على جميع أنواع المضاربات والغش والتدليس، في البضاعة وفي المعاملات، دون حسيب أو رقيب من قبل مصالح حفظ الصحة ومراقبة الأسعار.

سميرة الشناوي

Top