نحو سياسات أكثر نجاعة

أمام هذا التغير للمجتمعات والمجتمع  المغربي على نحو أخص، وأمام ما وصل إليه العلم من تقدم رقمي وتكنولوجي، ساهم بشكل كبير في انتشار الوعي من خلال انتشار الشبكات العنكبوتية، والتطور التكنولوجي وتعدد  قنوات التواصل الاجتماعي، وما وصل إليه وعي المواطنين والجماهير الشعبية بمختلف فئاتهم المطالبة بالتغيير، المتسيسة والغير متسيسة، في ظل سياسات معادية للديمقراطية وفي كيفية تسيير شؤون البلاد بأساليب أبرزت الأحداث أنها لا تحل المشاكل القائمة، وأقصى ما تحقق تغطيتها بغشاء يشده الترهيب والترغيب والمغالطة. غطاء الغربال الذي لا يحجب خيوط الشمس..

طلبة الطب والبدلة البيضاء.. تعب ومتاعب

بشكل عابر إذا ما استوقفنا الأمر.. في لحظات موقف طلبة الطب مؤخرا.. ورمي البذلة البيضاء.. على الأرض.. بقصد أخلاقي ووطني لا غير.. دون مزايدات. بغاية الدراسة بشكل يمكن الطلبة من الحفاظ على تلك البذلة البيضاء  بكل مقوماتها وحاجياتها وأسسها وحقوقها ومستقبلها.. لأنه جيل نابغ على الدولة أن تمكنه من مستقبل قار وضامن من أجل حماية أفراد المجتمع لا غير..

الأزمة المركبة

ومن أهم هذه المغالطات أن أسباب الأزمة مازالت عالمية، وأن البلاد على ما يرام، وأن البلاد والمجتمع بخير.. وأن مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات النقابية بخير.. وأن الحالة العامة بالبلاد 10 على 10 بميزة حسن جدا..

انكماش وإحباط

إن بعض المظاهر الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية، تعيش حالة انكماش وإحباط.. في مختلف الأصعدة، مما يؤكد أن الأزمة متواصلة، وإن اختفى فيها مؤقتا.. بحكم التعسف والإحباط وعواقبه، فإنه ينذر بالطابع المتفجر المكشوف لحكومة لا تدرك تاريخ المغرب وعراقته، حكومة تود تفتيته ولا تؤكد استمراريته وصلابته.

فالأزمة الاقتصادية تتجلى أساسا في عجز المخططات الحكومية على فض المشاكل الأساسية المطروحة أمام البلاد، حكومة غير منصتة لأهم المؤسسات الدستورية التي تنذر بالخطر، من المندوبية السامية للتخطيط، ووالي بنك المغرب، وصوت المعارضة من داخل مجلس النواب، وللصحافة الوطنية الحية، وللمحللين الاقتصاديين، وغيرهم..

أزمة.. في استمرارية ضد الخروج من التخلف وانتشار الأمية واستفحالها، وتراجع مؤشرات التنمية على مستويات عدة سواء تعلق الأمر بمجالات التربية والتكوين.. أو بمجالات الصحة والسكن والمقاولة الصغرى والهشاشة التي تطال عالم الأرياف، وساكنة الجبال، أو المناطق التي ما زالت تعيش تحت وطأة الفقر والحاجة من ساكنة زلزال الحوز، أو ما عرفته مناطق الجنوب من فيضانات وضحايا بشرية وموات للماشية، وخسائر مادية، وتأثير الأزمة السارية المفعول، على التراث الوطني والصناعة التقليدية.. والأرض وحماية الفلاح الصغير، وحماية الكرامة… كرامة الأجير والمستخدم والموظف والمتقاعد والأرملة.. والعاطل والمعطلة. أمام استمرار الغلاء من أجل إثراء الثري وإفقار الفقراء..

فالحكومة التي لا تتحكم في تصاعد الأسعار وارتفاع نسبة البطالة، ولا في تفاقم العجز التجاري والغذائي وازدياد التبعية الاقتصادية والعالمية، ومن المخطط الرأسمالي الذي تسير عليه، وتوسيع الفوارق الاجتماعية وبعث أقلية من المحظوظين المهتمة بمصالحها الضيقة على حساب مصالح البلاد. فهي حكومة ريع بامتياز..

لأن الأزمة.. أزمة سياسية وفكرية أساسها الصعوبات المتزايدة التي يلاقيها الحزب الحاكم اليوم، في قيامه بدور ـ القيادي ـ ، حزب يعيش عصره الذهبي، في تناقض تام ومتعاظم بين لغته “الإصلاحية” وغطاءه الرأسمالي، وفي اشتداد المعارك الخفية داخله وبين مختلف القوى السياسية المشكلة لحكومته التي تعيش حالات صراعات داخلية لاحتلال مراكز القوة من أجل السلطة والقيادة، ومن أجل انتهاء خرافة وحدة الحزب، بعد تصدع صفوفه وإقصاء قيادييه، ومتابعة البعض منهم، لا من أجل المواقف الوطنية،  بل من أجل النصب والاحتيال فيما بينهم….

فالأزمة اليوم.. ليست عرضية.. كما يتجاوزها البعض. بل هي متواصلة في البلاد، وفي اتجاه الحزب الحاكم اليوم، ولا يمكن حلها إلا بتغيير الاتجاه بسياسة بديلة للسياسة الجارية؛ سياسة تكون تقدمية وديمقراطية، يمكن التمهيد لها بإجراءات عاجلة جزئية مرحلية يقع فيها الانتقال من حالة التعسف ومنع الحريات إلى وضع جديد ديمقراطي يليق بمغاربة المغرب المتقدم الحديث، مغرب العدالة الاجتماعية..

صوت المعارضة

صوت المعارضة للسياسات المتبعة لم يسكت ويتواصل بشتى الأشكال السلمية والقانونية والدستورية، مستجيبا لصوت الرأي العام الوطني الذي يعاني في صمت.. في ظل غياب تجاوب الحكومة مع مختلف اقتراحاتها المبنية على الوضوح والمصداقية.. لكنها تبقى مجرد صيحة في واد غير ذي زرع ..

من أجل سياسة أكثر فعالية  وجدوى

وحتى تكون سياسة بلادنا أكثر فعالية وجدوى وفي مستوى متطلبات الوضع الراهن وتحدياته، فإنها لابد أن تتجسد في شكل برنامج موحد للعمل المشترك بين الحكومة والمعارضة، وبين مختلف الفرقاء السياسيين ونسيج المجتمع المدني، عمل مشترك يتم ضبطه بين ـ شعرة معاوية ـ، بين الحكومة والمعارضة، ولا يجوز أن تمثل الخلافات والفوارق السياسية والإيديولوجية حاجزا أمام تحقيقه، ويمكن أن يصبح الحد الأدنى أساسا لحل الأزمة المركبة التي تعيشها البلاد، من خلال العمل المشترك بين كل الذين يريدون تغييرا إيجابيا لبلادنا.

وكل مبادرة في هذا الاتجاه مهما كان مصدرها ستساهم وبدون شك في توفير أسباب النجاح من أجل ديمقراطية حقيقية وتقدم ملموس وعدالة اجتماعية ومجالية متأصلة وأكثر وطنية.

بقلم: عبد الهادي بريويك

Top