يضرب المغاربة منذ سنوات طويلة، موعدا خاصا واستثنائيا خلال شهر رمضان الأبرك، مع وجوه فنية مميزة ومتألقة تضفي طابعا خاصا على مائدة الإفطار العائلي، وتزيد من قوة الطابع الاستثنائي لهذا الشهر الفضيل، سواء عبر الشاشة من خلال الوصلات الفنية المتنوعة طيلة اليوم، أو عبر المواعيد المباشرة مع جمهور الركح أو السينما أو الحفلات…
وتتميز الساحة الفنية المغربية بصعود أسماء جديدة بشكل متواصل، إلا أن هناك وجوها فنية خاصة ألفها المغاربة وأصبح غيابها عن الساحة بشكل عام وخلال الشهر الفضيل بشكل خاص، يشعرهم بفجوة في أجواء رمضان.
ورغم أن الأسماء الجديدة منها ما تميز وأبدع ووصل إلى قلوب المغاربة، إلا أنه من الصعب جدا تعويض الوجوه التي كبر وترعرع معها جيل من المغاربة وشكلت جزءا كبيرا من ذكرياتهم، حيث إنه في الأخير يبقى للجيل الجديد دوره ومكانته في إغناء الساحة، لكن ما من أحدهم قد يعوض آخر أو يحتل مكانته، خاصة في الذاكرة والقلوب.
وحيث إننا نضرب موعدا خلال هذا الشهر الكريم مع إبداعات فنية متنوعة سواء عبر الشاشة أو المسرح والسينما وغيرهما، يساهم فيها خليط من أجيال متعددة، سنستغل هذه المناسبة بجريدة بيان اليوم، لنستحضر عددا من الوجوه الفنية المغربية التي غادرتنا إلى دار البقاء في مجالات التمثيل والغناء التمثيل والإخراج، التي بصمت الساحة الفنية الوطنية بعطاءات ظلت شاهدة على تفرد موهبتها، التي رسختها في سجل تاريخ الفن بالمغرب والعالم بمداد من ذهب.
فاطمة جوطان.. من رائدات التمثيل في الدراما الأمازيغية
لا تزال في الأذهان كل ذكريات الأفلام التي وقفت فيها فاطمة جوطان، وإعلانات تقدم صورتها عنوانا للصدور، والأقراص المدمجة لأعمالها متوفرة في المحلات في شوارع الدشيرة قرب أكادير، لكن الفنانة رحلت عن عالمنا في يوليوز 2022 بعد صراع طويل مع المرض.
تعد فاطمة جوطان، التي ولدت في مدينة الدار البيضاء وأصولها من منطقة تافراوت جنوب المغرب، من الرعيل الأول للفنانات اللواتي طبعن أفلام “VCD” بجهة سوس ماسة، برزت في ما يقارب الثمانين عملا فنيا بين الدارجة والأمازيغية.
كما تعد فاطمة جوطان من الجيل الأول من الممثلات اللواتي مهدن الطريق للمرأة الأمازيغية لولوج الميدان الفني، وبدأت تمثل بالدارجة المغربية في سن مبكرة، ولكونها تستقر في الدار البيضاء، فقد مثلت مع فرقة عبد القادر البدوي للمسرح في الثمانينات، وشاركت في مسلسل مع الذئاب وفي فيلم درب مولاي الشريف، قبل أن يسطع نجمها بشكل لافت في الفيلم الناطق بالأمازيغية.
انطلاقتها في السينما الأمازيغية كان مع فيلم “تساست” في منتصف التسعينات، ثم تلاه “ايركان نالدونيت وگار تسليت” وأفلام اخرى فاقت 80 عملا. تألقت فاطمة جوطان في المسرح، ولعبت في هذه الأعمال الفنية أدوارا كوميدية ناجحة، وأتقنت أيضا دور المرأة الشريرة الذي تقمصته بمهارة، واحتفظت عبره ببصمة خاصة لدى الجمهور.
فاطمة جوطان المتحدرة من منطقة سوس، معروفة بأدائها للأدوار الكوميدية والدرامية، شاركت مع ممثلين أمازيغيين في بطولة عدد من الأفلام، أهمها “ابنينيس”، بطولة نجم الكوميديا احمد نتاما، و”تيكمي إشبوكن/منزل المشاكل”، إنتاج سنة 1991 وإخراج إبراهيم بوبكدي.
كما شاركت في الفيلم الأمازيغي “قمشيش” من بطولة فاطمة جوطان وأحمد بادوج، وفيلم “إويس نجداس / ابن الجدة”، وفيلم “أفوكو سوحوكو”، وفيلم “أجانغ اتفقيرت”، وفيلم “الفيشطى نشيطان / حفلة الشيطان”، وفيلم “تيروكزا إيتمغارت/ رجولة امرأة”، و”لقيصت ن للا توفلا د وضكالنس / قصة للا توفلا وصهرها”.
وسجلت الراحلة، التي وافتها المنية الاثنين 11 يوليوز 2022، آخر إطلالة جماهيرية لها عبر الجزء الثاني من المسلسل التلفزيوني “بابا علي”، الذي عرضته القناة الأمازيغية خلال شهر رمضان الماضي، واشتغلت فيه تحت إدارة المخرج مصطفى أشاور.
وأبدعت الراحلة أثناء ظهورها في مسلسل “بابا علي” رغم معاناتها مع مرض القصور الكلوي، الذي لم ينقص من احترافيتها في الأداء، باعتبارها رائدة من رائدات الفن الأمازيغي.
كشفت الممثلة المغربية الأمازيغية فاطمة جوطان، عن جزء من معاناتها جراء التهميش الذي طالها في الوسط الفني، وقالت في أحد تصريحاتها إن حب التمثيل يسري في عروقها، وتحس بحيوية لتمثيل أدوار في الأعمال الدرامية، غير أن المنتجين والمخرجين لا يعيرون لها أي اهتمام، باستثناء الممثل والمخرج الأمازيغي أحمد نتاما، وإحدى شركات الإنتاج.
وكشفت الراحلة فاطمة جوطان قيد حياتها، خلال تكريمها في مهرجان تافسوت بتافروات، سنة 2019 عن حقيقة غيابها عن الساحة الفنية، والذي يعود بالأساس حسب تصريحها، إلى تفرغها لحياتها الشخصية والعائلية بالدار البيضاء.
وعن التكريمات، علقت الممثلة جوطان بالقول: “لم يتذكرني أحد، بالرغم من رصيدي المهم في المجال الفني، ومشاركتي مع عدد من المخرجين المغاربة المعروفين في السينما والإنتاج التلفزي، ففي رصيدي تكريمان فقط، الأول بمدينة وارزازات، والثاني بتفراوت”.
وتعد الراحلة من الذين لهم الفضل الكبير في تأسيس وتطوير الفنون والدراما الأمازيغية، وبفضلهم حققت تراكما كميا ونوعيا في السينما والإبداع والمسرح منذ بداية عقد التسعينات.
إعداد: عبد الصمد ادنيدن