في أولى الندوات الرفيعة المستوى التي يحتضنها المعرض الدولي للفلاحة بمكناس، أجمع عدد من الوزراء والمسؤولين الحكوميين من دول مختلفة على ضرورة خلق نظام غذائي عالمي مستدام.
واستحضر المشاركون في هذه الندوة التي جرت أول أمس الأربعاء حول “السيادة الغذائية المستدامة” مجموعة من الأزمات التي عرفها العالم في السنوات القليلة الماضية، وفي مقدمتها التغيرات المناخية التي أرخت بظلالها على العالم وأدت إلى اختلال سلاسل الإنتاج وأدت بشكل كبير إلى تراجع الامن الغذائي لدى العديد من الدول.
وأورد المشاركون في هذه الندوة أن هناك حاجة على المستوى العالمي من أجل الوقوف عند ما يجري من متغيرات والعمل بشكل مشترك من خلال بذل مجهودات جماعية لخلق نظام جديد يهم مسألة لغذاء عبر جعله نظاما مستداما.
أهمية مسألة السيادة الغذائية في إطار حركية السياق الدولي المتعدد الأزمات
في هذا السياق، توقف محمد صديقي وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، في افتتاح الندوة عند أهمية مسألة السيادة الغذائية، في إطار حركية السياق الدولي المتعدد الأزمات.
وأوضح صديقي أن هذه الندوة تستهدف تسليط الضوء على المكتسبات التي حققها مخطط المغرب الأخضر، والتحديات التي تعتزم وزارة الفلاحة تنزيلها عبر استراتيجية الجيل الأخضر، مشيرا إلى أن هذه الاستراتيجية تشكل إرادة المغرب لمواجهة تحدي السيادة الغذائية.
وشدد صديقي على أهمية الفلاحة الوطنية باعتبارها قطاعا حيويا يساهم في النمو الاقتصادي المندمج، حيث قال عن المغرب حقق قفزات كبيرة في مجال الأمن الغذائي، “ما يجعله اليوم يصنف في صدارة دول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث المعدل العام لتغطية الحاجيات الغذائية الوطنية”، وفق تعبيره
وكشف صديقي على أن المغرب يتفوق في معدل تغطية حاجيات الغذاء الوطنية، بحيث قال عن إن البلاد تحقق نسبا مهمة في مختلف المنتجات، والتي تتمثل في 65 بالمئة في مجال الحبوب، و47 بالمئة في مجال السكر، و99 بالمئة في مجال الحليب واللحوم الحمراء والبيضاء، و100 بالمئة في مجال الخضر والفواكه.
ضرورة إدارة الموارد المائية لتحقيق سيادة غذائية مستدامة
من جهته، قال نزار بركة وزير الماء والتجهيز إن خلق نظام جديد لغذاء مستدام يتطلب منطلقا أوليا وهو ضرورة توفير الموارد المائية، خصوصا في ظل الأزمات المناخية المتعاقبة والتغيرات العالمية على هذا المستوى.
وكشف بركة على أن هناك بلدانا عديدة تعاني من الجفاف بشكل متعاقب كما هو الحال بالنسبة للمغرب، فيما تتجه الكثير من البلدان نحو ما وصفه بالإجهاد المائي، معتبرا أن المدخل لضمان الغذاء هو ضمان الماء أولا.
وربط بركة العلاقة بين ضرورة إدارة الموارد المائية للوصول نحو تحقيق سيادة غذائية مستدامة، موضحا أنه بالنسبة لكل محطات تحلية المياه، يتم اللجوء إلى الطاقات المتجددة للحصول على مزيج بين كل من الطاقة والماء والسيادة الغذائية.
وعلى المستوى الوطني، أفاد بركة بأن المغرب يتوفر على عدد من المحطات المائية، منها بالخصوص 152 سدا كبيرا مع 18 سدا جديدا في طور الاستعمال، وهي المنشئات التي ستمكن، بحسبه، من بلوغ 25 مليار متر مكعب في أفق سنة 2030 في ما يتعلق بسعة التخزين، بالإضافة إلى 16 محطة إمداد ونقل الماء، و12 محطة لتحلية مياه البحر و158 محطة لمعالجة المياه المستعملة.
وعاد المسؤول الحكومي في كلمته إلى ما تعرفه البلدان من أزمات الجفاف وغيرها، حيث قال إن الموارد المائية بالمملكة تواجه العديد من الإكراهات نتيجة التغيرات المناخية بالأساس، ولاسيما مع ارتفاع متوسط درجة الحرارة، ونقص التساقطات المطرية، بالإضافة إلى تنامي الطلب على الماء، وانجراف التربة، والاستغلال الجائر للمياه الجوفية، وتلوث الموارد المائية.
وأورد المتحدث أن التغلب على هذا الوضع، يحتاج إلى جهود كبيرة، لافتا في هذا الصدد على أن الحكومة تعمل على ضمان الأمن المائي مع الحرص على الأمن والسيادة الغذائيين، مما يعكس من خلال التنمية الملحوظة التي ستشهدها عملية تحلية المياه خلال السنوات المقبلة.
وأضاف أنه بخصوص محطات تحلية المياه، سيتم استغلال جزء من المياه في الري، الأمر الذي بدأت محطة أكادير العمل به فعليا، مشيرا إلى أن التركيز على تحلية المياه ومعالجة المياه المستعملة، هي في الحقيقة إجراءات تصب في صالح الفلاحة، وتعني أن جزءا كبيرا من المياه الموجهة للشرب في المدن الساحلية ستوجه للاستعمال الفلاحي ونحو العالم القروي.
الصناعة الغذائية مدخل مهم للوصول إلى نظام غذائي مستدام
بدوره، قال رياض مزور وزير الصناعة والتجارة إن الصناعة الغذائية مدخل مهم للوصول إلى نظام غذائي مستدام من شأنه أن يساهم في تجاوز عدد من الازمات الطارئة على هذا المستوى.
وربط مزور بين ضرورة توفير الأمن الغذائي بشكل مستدام وبين مناصب الشغل والنهوض بالصناعة الغذائية، حيث قال إن ما يعادل 400 بنك للمشاريع في مجال الصناعة الغذائية ستتيح إمكانية خلق 50 ألف منصب شغل جديد على مدى السنوات الثلاثة المقبلة.
وأضاف مزور أن قطاع الصناعة الغذائية بالمغرب يكتسي أهمية كبيرة، بحيث يساهم في تشغيل أزيد من 190 ألف كفاءة، مشيرا إلى دقة اختيار المغرب فيما يتعلق بموضوع الملتقى، والمتمثل في السيادة الغذائية المستدامة حيث يعتبر الدعامة الرئيسية للسيادة الوطنية.
وعلاقة بالمعرض الدولي للفلاحة بمكناس، يرى مزور أن الملتقى الدولي للفلاحة بالمغرب يعتبر فرصة للتطرق لأساليب وطرق مبتكرة تمكن من ضمان التكاملية بين سلاسل القيمة، وكذا بين العناصر الثلاثية “الماء ـ الفلاحة ـ الصناعة”.
من جهته، توقف وزير التنوع البيولوجي والشؤون البحرية والقروية البريطاني، اللورد ريتشارد بينيون، أن حضور بلده بصفته ضيف شرف هذه الدورة يعكس أهمية العلاقة بين البلدين ويفتح سبلا للتعاون نحو آفاق جديدة.
وأبرز بينيون أن استراتيجية الجيل الأخضر تشكل مظهر نجاح القطاع الفلاحي المغربي وتقوم أساسا على الابتكار من أجل مواجهة التحديات المتعددة ولاسيما التغيرات المناخية والاقتصاد في الماء الذي يعتبر التحدي الأصعب في الوقت الراهن.
وسلط بينيون بدوره الضوء على التحديات التي يعرفها العالم في مجال الغذاء، خصوصا في ظل المتغيرات المتسارعة سواء المتعلقة بالمناخ أو المتعلق بأمور أخرى، داعيا إلى ضرورة تضافر جهود الجميع من أجل الوصول على المبتغى المتعلق بسياسة غذائية مستدامة.
الأمن الغذائي رهان كبير لضمان السلام والأمن في القارة الإفريقية
ومن جانبها، أكدت مفوضة الاقتصاد القروي والفلاحة بالاتحاد الإفريقي، جوزيفا ليونيل كوريا ساكو، أن إفريقيا لم تتمكن بعد من تحقيق الأهداف المتصلة بالأمن الغذائي مما يدعو كافة متخذي القرار للتساؤل حول أهمية القطاع الفلاحي.
كما أفادت ليونيل بأن الأمن الغذائي يعد رهانا كبيرا لضمان السلام والأمن في القارة الإفريقية، مشيرة إلى أن تداعيات الجائحة، والتغيرات المناخية، وارتفاع أسعار المنتجات الغذائية والمحروقات هي العوامل الرئيسية وراء غياب الأمن الغذائي بإفريقيا.
وفي هذا السياق، أوضحت أن الدروس المستقاة من الأزمات المتتالية والمتعاقبة التي عرفها العالم في السنوات القليلة الماضية، وكذا الأزمات الحالية على مستوى المناخ والمتغيرات المرتبطة به، من الضروري أن توجه برمتها نحو ضرورة تأمين السيادة الغذائية والصناعية للقارة.
بدورها، أوردت كاتبة الدولة لدى الوزارة الاتحادية للأغذية والزراعة بهولندا، أوفيليا نيك، أن جعل الأنظمة الغذائية أكثر استدامة وصمودا يستوجب عملا مشتركا لإيجاد حلول من شأنها ضمان مستقبل آمن ومستدام للأجيال القادمة.
وفي هذا الصدد، أبرزت ضرورة تغيير العادات الغذائية باعتماد تغذية صحية ومستدامة، وضمان ولوج الجميع إلى تغذية آمنة، والتركيز على الإنتاج المستدام من أجل تقليل المشاكل البيئية ما أمكن وحماية الموارد الطبيعية.
ومن هذ المنطلق، أشارت أوفيليا نيك إلى وجوب تغيير طريقة التفكير والعمل من خلال تعزيز التعاون ومشاركة المعارف وكذا إجراء تعديلات على المدى الطويل لجعل الأنظمة الغذائية أكثر صمودا في مواجهة مختلف الأزمات.
8 مليون شخص يعاني من المجاعة في العالم
ومن جهته، أوضح نائب وزير الفلاحة والطبيعة وجودة الغذاء بهولندا، جيدو لانهير، أن ما يعادل 8 مليون شخصا يعانون من المجاعة اليوم، وهو رقم آخذ في التزايد، وأن شخصا من أصل تسعة أشخاص يعاني من المجاعة على كوكبنا، مبرزا أن جائحة كوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية فضحت هشاشة النظام الغذائي.
كما طرح لانهير العديد من الإشكالات الأخرى مثل ندرة المياه وفقدان التنوع البيولوجي والجيني، معتبرا أن هذه المعطيات تثير المخاوف بشأن النظام الغذائي لكونها تجعل منه نظاما أكثر هشاشة من ذي قبل، داعيا إلى العمل سويا من أجل تقليص هذه الأزمة وتعزيز الأنظمة الغذائية المقاومة والمستدامة.
وأورد المتحدث بأن موافقة الأمن الغذائي وحماية البيئة ليس مجرد ترف بل ضرورة، مشيرا إلى أن الابتكار والبحث عاملان لهما دور محوري في هذا الشأن للخروج من هذا المنحدر وذلك من خلال استغلال التكنولوجيات والرقمنة وكذا الابتكار للوصول إلى نظام مستدام يتكيف مع المتغيرات الطارئة.
يشار إلى أن هذه الندوة رفيعة المستوى شارك فيها عدد من الوزراء المغاربة ووزراء ومسؤولون بالقارة الإفريقية ومسؤولون من دول أوروبية عديدة، حيث تبعت الجلسة الافتتاحية المشتركة، جلسات عمل متعددة.
وشارك في في هذه الندوة رفيعة المستوى عشرات الخبراء من دول مختلفة عبر العالم، حيث شاركوا في العديد من حلقات النقاش التي همت “تحول الأنظمة الغذائية في سياق الأزمات”، و”السيادة الغذائية في ظل عجز مائي”، و”صمود أنظمة الإنتاج وسيادتها”، و”دور التقدم العلمي والتكنولوجي في سياق تغيرات مناخية حادة”، و”تعزيز سلاسل القيمة الفلاحية”، إضافة إلى “تثمين وعصرنة قنوات التوزيع”، و”التعاون جنوب ـ جنوب في مجال السيادة الغذائية المستدامة”.
محمد توفيق أمزيان