أكد تقرير صادر عن المرصد المغربي للسجون، أن أزيد من 60 في المائة من السجناء فقدوا حريتهم، جراء أفعال إجرامية بسيطة، وأن المقاربة الأمنية لا تساهم في تراجع الجريمة بقدر ما تضخم الوضع وخصوصا بالسجون التي باتت تعرف اكتظاظا في عدد السجناء.
وأوضح التقرير الذي عرضه، الخبير في العلوم الجنائية محمد بوزلافة نائب رئيس المرصد، الجمعة الماضي بالرباط، في لقاء صحافي، حول “الإصلاح العميق للمنظومة القانونية للسجون بالمغرب”، أنه يجب إعادة النظر في منظومة العدالة، ولا سيما في الشق العقابي، إذ أن الحبس أو السجن لا يقدم حلولا ناجعة لمعظم الظواهر الإجرامية، داعيا في هذا الصدد، إلى ضرورة إعادة النظر في المنظومة العقابية، بإلغاء العقوبات السجنية في حق المتابعين بالجرائم البسيطة، وتعويضها بعقوبات أخرى، خصوصا وأن الجنح البسيطة، حسب التقرير، أتمثل 35 في المائة من مجموع الأفعال الإجرامية.
وأشار محمد بوزلافة، خلال استعراضه للتقرير، الذي هو عبارة عن مذكرة ترافعية أعدها المرصد،
والتي تدخل في إطار مشروع “تعزيز قدرات المجتمع المدني من أجل احترام حقوق الإنسان داخل السجون”، المنجز بشراكة مع الوكالة الإسبانية للتعاون الدولي من أجل التنمية، إلى أن السياسة الجنائية في المغرب، وبناء على مجموعة من المعطيات والدراسات، تفيد بأنها سياسة فاشلة، إذ أن السياسة الزجرية التي وضعتها الدولة لمعالجة الجرائم، لم تؤد إلى نتائج ناجعة، وخرجت عن المسار الذي حدد لها، مما جعل منها سياسة تشكل مواجهة وقتية محدودة الفعالية، ولا تلبي دورها على المدى الطويل. وأضاف المتحدث، أنه في ضوء المعطيات المنجزة حول السجون، يلاحظ ارتفاع في عدد السجناء بشكل تدريجي، مما يستدعي تدخلا استباقيا للحيلولة دون الوقوع في مجموعة من المشاكل الأخرى بالمؤسسات السجنية، وعلى رأسها، كما سبق ذكره، إشكال الاكتظاظ بالسجون، والذي يرافقه كذلك تدهور وضعية السجناء، وحرمانهم من مجموعة من الحقوق على رأسها الحق في التعليم. “في الوقت الذي تظل فيه القرارات التأديبية متأثرة بعقلية القوانين المنسوخة، بدلا من أن ترقى إلى المواثيق الدولية التي تصون كرامة المعتقل وحقوقه” يقول بوزلافة، مؤكدا على طرحه، بالإشارة إلى استمرار تسجيل حالات الانتحار في صفوف السجناء، وهو ما يعكس عدم تمتع السجناء بحقوقهم من داخل أماكن احتجازهم، الأمر الذي يستدعي إيجاد حلول جوهرية لتحديد مكامن الخلل والوقوف على الأسباب التي تدفع هؤلاء السجناء للإقدام على الانتحار.
وتوقف التقرير أيضا على وضعية السجناء المحكومين بالإعدام والسجناء المحكومين بالمدد الطويلة، والظروف التي تعيشها هذه الفئة من داخل السجون، وما تشكله من خطر، في ظل الوضعية النفسية، ليس على باقي السجناء وحسب، وإنما على العاملين بالمؤسسات السجنية كذلك، وحسب التقرير الذي رصد مطالب هاته الفئة، والتي من أهمها مطلب المعالجة النفسية، يجب الإسراع في تتبع الحالات النفسية للسجناء المحكومين بالإعدام وأيضا المدد الطويلة، ومعالجة وضعيتهم من داخل المؤسسات السجنية للحد من الإشكالات التي تطرحها هذه الفئة وكذا من أجل النهوض بوضعيتهم وخصوصا الوضعية النفسية.
التقرير تناول كذلك، وضعية المعتقلين الاحتياطيين، الذين يقبعون بالسجون، ولم يصدر في حقهم أي حكم قضائي بعد، حيث ذكر المرصد، بناء على إحصائيات ومعطيات، أنه تم تسجيل ارتفاع نسبة المسجونين احتياطيا فوق 40 بالمائة، مشيرا إلى أنه يجب أيضا إعادة النظر في وضعية هؤلاء من خلال تمتيعهم بالحرية، ما دامت لم تصدر في حقهم أية أحكام قضائية، بناء على أن “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، وذلك حسب المرصد كي لا تطول مدة المسجون الاحتياطي دون أي حكم يحدد عقوبته.
هذا، وسجل المرصد في تقريره، تراجع الاعتمادات المالية المخصصة للمؤسسات السجنية والمندوبية العامة لإدارة السجون بشكل عام، وتراجعا أيضا في الدعم والتوظيف بالقطاع، إلا أنه ومع ذلك، سجل التقرير أيضا، تنامي الاهتمام، حيث قال بوزلافة “إن هناك تحولا وتطورا كبير في الاهتمام بالسجون مقارنة مع ما كان في السابق، كما أن ثقافة حقوق الإنسان، أصبحت تفرض نفسها في مجموعة من القطاعات ومنها القطاع السجني”. وأضاف المتحدث ” اليوم نشهد اهتمام الكل بالمنظومة السجنية سواء، المجتمع المدني الذي يهتم بما يروج في السجون، أو من طرف الجهات المسؤولة التي تهتم كذلك بكيفية التعاطي مع هذه المؤسسات السجنية من خلال المقاربات الحديثة” مشيرا، إلى أن دستور 2011 فرض ضرورة الاهتمام وذلك بدعوته لملائمة القانون المنظم للسجون مع القواعد المعيارية المتطورة، مؤكدا على أن هذا الواقع يجعل المغرب اليوم يشهد نقاشا وطنيا حول إصلاح العدالة ككل، والسجون جزء منها.
ومن جهة أخرى، أكد محمد بوزلافة، على أن مقترح المرصد المغربي للسجون، بإحداث المجلس الأعلى للسجون، يمثل طموحا ومشروعا سيساهم إن تم تفعيله في إيجاد حلول للعديد من القضايا المرتبطة بالقطاع، بحيث يضم هذا المجلس كل الفعاليات على المستوى الوطني، بحيث تستطيع كل هذه الفعاليات خلق نقاش حول السياسة العمومية المرتبطة بالقطاع السجني بهدف تحسين أدائها وفق مقاربة حديثة.
وختاما، قدم المرصد المغربي للسجون في تقريره مجموعة من المرتكزات الأساسية لإصلاح المنظومة السجنية، حيث طالب بمراجعة القانون الجنائي، وتطوير المنظومة القانونية المنظمة للسجون، كما طالب بتفعيل وتحليل مضامين قانون المسطرة الجنائية وخاصة فيما يتعلق بجوانبه الإيجابية، خاصة ترشيد الاعتقال الاحتياطي، وإقرار آلية وطنية لمراقبة أماكن الاحتجاز. كما دعا التقرير إلى ضرورة الإسراع بإصدار بدائل العقوبات بتصور واضح ودقيق، ودعا بالمناسبة، أيضا، إلى إلغاء عقوبة الإعدام بدل اختزال الجرائم وعدد القضايا التي تصدر فيها هذه العقوبة.
ومن المرتقب أن يتم تقديم هذه المذكرة الترافعية للحكومة، حيث أكد المرصد أنه سيقدمها للحكومة وسيترافع عن مضامينها من أجل إقرار حقوق السجناء والنهوض بالقطاع السجني بالمغرب، على اعتبار أن الوجه الحقوقي للدول يتجلى في مدى جودة سجونها ومدى تمتع السجناء بحقوقهم وصيانة كرامتهم من داخل أماكن الاحتجاز.
ومن جهته، ذكر الكاتب العام للمرصد المغربي للسجون عبد الله مسداد، بأن هذه المذكرة تعتبر تتويجا للدراسة التي تم إنجازها حول المنظومة القانونية للسجون بالمغرب، ضمن مشروع “تعزيز قدرات المجتمع المدني من أجل احترام حقوق الإنسان داخل السجون”. وأضاف أن المرصد سيقوم بوضع أجندة للمرافعة من أجل التجاوب مع المذكرة وأخذ مضامينها ومقترحاتها بعين الاعتبار، خاصة لدى الفاعلين بالمؤسسات التشريعية وعدد من القطاعات الحكومية والمؤسسات الوطنية والجمعيات والمنظمات الحقوقية.
محمد توفيق أمزيان