في عدد من مدن وجهات البلاد يتفاقم الخوف وسط المواطنين جراء تنامي الجريمة وانتشار الاعتداءات في الأحياء والشوارع، ما يخلف الكثير من الضحايا ويثير الهلع وسط الأسر.
هذه الظواهر لم تعد محصورة في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط وفاس ومراكش وأكادير، وأيضا سلا التي حطمت كل الأرقام وبات يستشهد بها الجميع في غياب الأمن، ولكنها وصلت أيضا إلى المدن الصغيرة والمتوسطة، كما هو الحال في مناطق مثل: تيفلت والخميسات والقنيطرة وتجمعات سكانية أخرى تشبهها.
ليس الأمر هنا تهويلا أو تعميما للهلع، ولا نقول بأن الظاهرة تفاقمت أو أنها بلغت مستويات الخطورة المتعارف عليها في بعض دول إفريقيا أو أمريكا الجنوبية، فهذا يقتضي الارتكاز إلى إحصائيات دقيقة ومؤشرات قياس علمية، وإلى بحوث ومعطيات المختصين، ولكن مع ذلك، فما يتناقله الناس في مجالس حديثهم يوميا بكل الأقاليم، وما تسجله مصالح الأمن نفسها من حالات، كل هذا لم يعد خافيا اليوم على أحد، ويتطلب يقظة أمنية عالية وتدخلات أكثر جدية واستنفارا أكبر، بالإضافة إلى التقائية في تدخل مختلف القطاعات ذات الصلة.
إن الاعتداءات المتكررة على المارة وسرقة ممتلكاتهم، وسيطرة شبان منحرفين على أحياء وشوارع ومناطق بكاملها، ومنع الوصول إليها أو التجول فيها، ومظاهر إجرامية أخرى، علاوة على انضمام فتيان ومراهقين صغار السن إلى عصابات منحرفة تقترف مثل هذه الاعتداءات، كل هذا ينبه إلى تطور عقليات وسلوكات مستجدة تقتضي صياغة منظومة عمل مناسبة من لدن مصالح الأمن والقضاء لمواجهة ذلك، ولحماية أمن وسلامة المواطنات والمواطنين وممتلكاتهم.
الوقوف اليوم عند هذا الموضوع، مبرره الأساس هو كثرة شكاوى الناس في مدن عديدة، كما أن الكثيرين لم يعودوا مثلا يستطيعون التأخر ولو لساعات خارج منازلهم، أو التجول في حرية بمختلف الأسواق والشوارع المكتظة، بالإضافة إلى خوف دائم يستبد بالأسر على فلذات أكبادهم إلى أن يعودوا من المدارس إلى بيوتهم، وامتناع العديدين عن ركوب حافلات النقل الحضري أو حتى الجلوس آمنين بمقاهي مفتوحة في الدار البيضاء مثلا…
هذا لا يعني أن الأمن غائب أو أن رجال الشرطة لا يقومون بواجبهم، أو أن الحديث عن هذا الموضوع يحمل اتهاما مباشرا لهم بالتقصير والغياب، ولكن الأمر يتطلب تفكيرا شموليا يستحضر ما نعيشه واقعيا اليوم على هذا المستوى، هنا والآن، وألا نتيه في لعبة البوليميك حول الأرقام والمؤشرات، أو إجراء المقارنات المجردة التي لا تحل أي مشكل.
الناس في مختلف المدن يتحدثون ويشكون، وهم لا ينطلقون في ذلك من فراغ، وإنما يقدمون وقائع ملموسة، ويعرفون الضحايا لحما ودما، وأحيانا هم يعرفون حتى المعتدين والمتورطين، ولا يطالبون إلا بتطبيق القانون، وأن يتعاطى الأمن والقضاء بصرامة وسرعة، ومن ثم توفير الأمن للناس وصيانة سلامتهم، والحرص على أن يتقوى لديهم الإحساس بالاستقرار والطمأنينة في بلدهم.
من المؤكد أن قطاعات أخرى معنية بالأمر، ذلك أن القضاء يجب أن يساهم، بدوره، بقوة ونجاعة في محاربة مثل هذه الجرائم، وأن يجري التفكير بعمق في القوانين والمساطر والأهداف، وأيضا وسائل الإعلام، وخصوصا التلفزيون والمواقع الإلكترونية الجادة، فضلا عن المدرسة والمسجد، كلها يجب أن تنخرط في التحسيس والتوعية والتعريف بالقوانين، وذلك بغاية تمتين تعبئة شاملة وسط المجتمع، ولكي لا يتم، كذلك، الاعتماد فقط على المقاربة الأمنية لوحدها.
المصالح الأمنية، من جهتها، يجب تعزيز أطقمها البشرية، وتمكينها من كل وسائل العمل والتدخل، وتحسين الظروف المادية والمهنية والاجتماعية لعناصرها، وتأهيل منظومة عملها وتعزيز احترافيتها وتقوية آليات المراقبة الداخلية بما يطور المصداقية لديها، وربط المسؤولية بالمحاسبة.
أحيانا تتيه التحاليل والتنظيرات في الكلام المجرد والمحلق في عنان السماء، ونترك شعبنا وسكّان مختلف المدن يعانون من ظواهر هي ليست نظرية ولا مجردة، ولكنها جد واقعية، وتلمس بالعين المجردة…
موضوع اليوم هو مجرد مثال عن هذه الظواهر التي تشغل بال فئات واسعة من شعبنا.
حق الناس في الأمن وفِي السلامة الجسدية وحماية الممتلكات وتوفير الاستقرار وتقوية الإحساس بالطمأنينة، هو حق مؤكد للمواطنات والمواطنين على الدولة، ويجب أن يكون الوفاء به من أولويات السلطات العمومية المعنية.
محتات الرقاص